عندما تبدلت نظرة الصين إلى إسرائيل والعرب!

رئيس جزر المالديف محمد مويزو (على اليمين) والرئيس الصيني شي جين بينغ يسيران خلال حفل ترحيب في قاعة الشعب الكبرى في بيجين (الفرنسية)

جاء العدوان الإسرائيلي على غزة، ليضع الصين في نقطة فارقة بين إسرائيل والعرب. تأخر ردّ بيجين في مواجهة الغزو الوحشي لقطاع غزة، مدة أسبوعين، أدركت خلالها أن نفوذها الاقتصادي القوي مقيد على المستويين السياسي والأمني، بقبضة غربية تديرها الولايات المتحدة، مما دفعها إلى محاولة إنهاء الحرب عبر مبادرات دبلوماسية عديدة.

وقفت واشنطن للصين وغيرها بالمرصاد، لتضمن مواصلة جيش الاحتلال هجومه الوحشي وحرب الإبادة على الفلسطينيين. رغم التحسن النسبي في العلاقات بين واشنطن وبيجين منذ لقاء الرئيسين بايدن وشي جين بينغ في نوفمبر/تشرين الأول الماضي، والتوصل إلى تهدئة سياسية وعسكرية، فإن البيت الأبيض يلاحق الصين بلوائح حصار تكنولوجي اقتصادي، تنفذها إسرائيل وحلفاء واشنطن بحذافيرها، في حين تزيد الحرب أزماتها سوءًا.

 

الوثبة الكبرى إلى الأمام

 

كان على الصين أن تختار بين دولة الاحتلال والقوى الإقليمية الأخرى بمنطقة ترتبط معها بعلاقات اقتصادية واسعة. ظل دعم الصين للفلسطينيين هامشيا، فرغم الكارثة الإنسانية والمجاعة في غزة، لم يكد وانغ يي وزير الخارجية يتعهد -خلال زيارته منتصف يناير للقاهرة- بإرسال مساعدات بقيمة 2.06 مليون دولار، إلا أن عدم رغبة الولايات المتحدة في وقف الحرب وقبولها استمرارها إلى ما لانهاية، أجبر الصين على وثبة هائلة إلى الأمام.

أدركت بيجين أن مصالحها القائمة على التسليم بالمصالح الأمريكية بالمنطقة، قد تغيرت منذ 7 أكتوبر الماضي وإلى الأبد. تسيطر واشنطن، على أسواق النفط وحركة الملاحة، وتدير الأنظمة الحاكمة، بالشرق الأوسط منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بما يضمن استمرار الإمدادات وحركة التجارة الدولية، وظل ذلك يصب في صالح الصين، باعتبارها أكبر مستهلك للنفط ومُوَرّد سلعي لدول الخليج. وبينما ترفض إسرائيل إنهاء عدوانها على غزة، اشعلت أزمات مع سوريا واليمن والعراق وإيران ومصر، واندلعت حروب في 9 دول بما يضر بالصين التي تخشى أن توظف الولايات المتحدة وإسرائيل الحروب بإعادة تشكيل دول الشرق الأوسط، والإسراع باتجاه “عالم ما قبل الحرب العالمية الثالثة”.

تسببت الحرب في خسائر رهيبة للشركات الصينية، وارتفعت تكلفة شحن الحاوية من ميناء شنغهاي إلى نيويورك من 1500 دولار إلى 4 آلاف دولار، وفي حالة عدم مرورها بقناة السويس تزداد بمعدل ثلث الوقت والتكلفة. لم تستطع القوات الغربية التي تضرب اليمن أن تحمي السفن الصينية من الفوضى التي تشهدها حركة النقل الدولي. رغم عدم مساس الحوثيين بشركات الشحن الصينية، ومقاطعة سفن الصين للموانئ الإسرائيلية، فإن معظم البضائع القادمة إلى قناة السويس كلها أو جزء منها منتجات صينية في طريقها إلى أوروبا وأمريكا.

انكماش يطرد الأمل

تواجه الصين تعثرا اقتصاديا أدى إلى تراجع استهلاك المواطنين وزيادة البطالة وعدم قدرة الحكومات المحلية على سداد الديون، وندرة المال، وحالات إفلاس واسعة لشركات عقارية تولد 30٪ من الناتج الإجمالي. وتتجه الأسواق نحو الانكماش، وهو ظاهرة تعني للصينيين انكماش الأمل وعدم التفاؤل بالمستقبل، وما يتبع ذلك من علاج مؤلم واضطراب اجتماعي وسياسي. تتجنب بيجين الصدمات الجيوسياسية التي ترفع التكاليف اللوجيستية وأسعار السلع والغذاء، فهي مصنع العالم الرخيص التكلفة، وأكبر مستهلك للطاقة والغذاء والمعادن وكل السلع. تدرك أن حلول عدم الاستقرار بالكوكب لم تعد بيد الأمم المتحدة، ولا المنتديات الدولية، حتى مجموعة السبع التي تدير المنظومة الاقتصادية الدولية، أصبحت لعبة في يد واشنطن، ولم تقدر على الخروج من بيت الطاعة الأمريكي الرافض لوقف إطلاق النار في غزة.

رأت الصين أن فرصتها لتقويض النظام الدولي الذي يقوده الغرب، قد حانت بالترويج للمبادرات التي أطلقتها خلال السنوات الماضية، وعلى رأسها مسار الحزام والطريق، الذي يضم 130 دولة ومنظمة، وكتلة “بريكس” التي تضم 12 دولة، وبناء تحالفات إقليمية تهيمن على مسارات شبكات التجارة الدولية، بما يضمن تدفق واردات الطاقة والمواد الخام واستمرار دخول منتجاتها واستثماراتها للمنطقة، دون التعرض لمخاطر العمليات العسكرية والاختناق البري والبحري.

العدوان الوحشي

أظهرت الصين أنها على استعداد للتخلي عن علاقتها العميقة مع المعتدي، بتأكيدها على لسان ليو جيان شاو وزير خارجية الظل بالحزب الشيوعي الحاكم، أن استخدام إسرائيل التي كانت أول دولة بالشرق الأوسط اعترفت بالصين عام 1950، وتميزت بعلاقات جيدة ودافئة معها منذ عام 1992، حتى 7 أكتوبر الماضي، جعلت الصين ثاني أكبر شريك تجاري، أن “استخدامها المفرط للقوة والانتقام الوحشي الواضح ضد الفلسطينيين، أمر غير مقبول، يؤدي إلى معاناة لنا ومعاناة إنسانية هائلة وأزمات”.

كرر المسؤول الذي أعاد دفة الصين نحو العرب من جديد، مع نخبة واسعة من قدامى أساتذة الجامعات وخبراء وزارة الخارجية والحزب الشيوعي، ما يطالب به الرئيس “شي” وذكره وانغ يي أثناء جولته بالمنطقة مؤخرا، من ضرورة وقف طرد الشعب الفلسطيني من أرضه وعودة النازحين منذ 1948، وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة، وحقه في استعادة سيادته بإعلان دولته.

يرى البعض تحول الصين رغبة منها في تغيير المشهد العالمي، عبر احتوائها دول الجنوب، مستغلة “نهاية الشرق الأوسط الأمريكي” ومرور العالم بـ”عصر اللا سلم” بأن تصبح راعية الدول المنتجة للنفط، مستغلة ثقة شعوبها التي تكن لها نسبة عالية من الاحترام، وفقا لاستطلاعات غربية، في إنهاء الدور الأمريكي الذي تغيرت نظرته إلى دول النفط والمنطقة.

تكيل صحف رسمية وقنوات محلية في بيجين الشتائم للأمريكيين، على “دعمهم لإسرائيل، التي تنفذ سياسات الفصل العنصري وتهتك أعراض النساء، وتشارك واشنطن فرض عقوبات تحرم الصين من التكنولوجيا المتقدمة”.

إسرائيل والنازية

يقود صينيون حملات على وسائل التواصل “تتهم الإسرائيليين بممارسة أعمال إجرامية تشبه ما قام به الزعيم النازي مع خصومه بالحرب العالمية الثانية”. منعت بيجين تصدير التكنولوجيا المتقدمة إلى إسرائيل بعد مشاركتها واشنطن في الحظر التكنولوجي على شركاتها، بينما يتدفق مليارديراتها بثرواتهم وعائلاتهم للعمل والإقامة بدبي وتوظيف أموالهم في المناطق الحرة بدول المنطقة.

غرد صاحب نوبل للسلام محمد البرادعي الأسبوع الماضي، بأن ” النظام الدولي يحتضر في غزة”، داعيا إلى إيجاد نظام عالمي أكثر إنصافا يضمن السلام الدائم للفلسطينيين والمنطقة، وتظل المخاوف أن يتخلص العرب من نظام أمريكي داعم للعدو والحكام الفاسدين بجلب نظام آخر ينخرط مسؤولوه في الفساد ويفضلون التعايش مع النظم الاستبدادية.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان