تراجع معدلات التضخم بالعالم وانتقال الأثر للدول العربية

شعار صندوق النقد الدولي يظهر خارج مبنى المقر الرئيسي في واشنطن (رويترز)

أشارت بيانات مواقع اقتصادية متخصصة الي تراجع معدلات التضخم بغالبية دول العالم بالعام الماضي، مع تراجع سعر النفط والغاز الطبيعي والفحم والاسمدة وعدد من المعادن الصناعية والغذاء من حبوب كالقمح والذرة وفول الصويا وزيوت طعام بالمقارنة لأسعار عام 2022، حتى ان دول مثل اوكرانيا وروسيا وليبيا وسيريلانكا تراجع التضخم بها

وانعكس ذلك على تراجع معدلات الفائدة على عُملات غالبية دول العالم، كما توقعت جهات بحثية ومؤسسات دولية استمرار تراجع معدلات التضخم وكذلك تراجع الفائدة بغالبية دول العالم في العام الحالي.

ومعدل التضخم ببساطة يعني معدل ارتفاع أسعار السلع والخدمات خلال عام، أي خلال الاثني عشر شهرا السابقة. ويحتاج المواطن لمعرفة معدلات التضخم بدول العالم نظرا لاستيراد بلاده العديد من السلع من تلك البلدان. وعادة ما يتم التركيز على دول كبرى مثل الصين والولايات المتحدة وإنجلترا، ودول اليورو، وهي الدول العشرون التي تتعامل باليورو، ومن بينها الدول الصناعية: ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا وإسبانيا، وهكذا يركز المواطن على أبرز الدول الموردة لبلاده، حيث يمكن أن تشمل القائمة أيضا: اليابان وكوريا الجنوبية وكندا وتركيا والبرازيل، وغيرها.

وخلال العام الماضي انخفضت معدلات التضخم بكل تلك البلدان السابق ذكرها مقارنة بالعام الأسبق، مما يعني تكلفة أقل لتلك الواردات وإمكانية تراجع أسعار تلك السلع داخل أسواق بلاده المحلية، لكن معدل التضخم ليس هو العامل الوحيد المؤثر في أسعار السلع المستوردة، فقد ترتفع أسعار الشحن فتلتهم ما تحقق من وفورات، وقد ترتفع أسعار صرف عملات تلك البلدان الخارجية، فتلتهم تلك الارتفاعات للصرف ما تحقق من وفورات بسبب تراجع معدل التضخم، وقد تتراجع أسعار صرف العملة المحلية لبلد الاستيراد أمام عملات الدول الموردة، فيلتهم هذا التراجع للعملة المحلية ما حققه تراجع التضخم في بلد الاستيراد من وفورات.

      تراجع التضخم في 14 دولة عربية

ولقد استفادت غالبية الدول العربية العام الماضي من تراجع معدلات التضخم ببلدان الاستيراد، وباستثناء سوريا والصومال اللتان لم تتوافر بيانات لهما، فقد تراجعت معدلات التضخم في 14 دولة عربية مقابل ارتفاع معدلات التضخم في ست دول، عما كانت عليه عام 2022 هي: مصر ولبنان والسودان وفلسطين واليمن وتونس، وهو ما يرجع لمشاكل تراجع سعر صرف عملات مصر ولبنان والسودان أمام الدولار، والحرب التي تشهدها السودان وفلسطين واليمن، وما ترتب عليه من نقص للسلع إضافة إلى الأزمة الاقتصادية التونسية.

وهو ما يعني أيضا أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المحلية قد تحول دون الاستفادة من التغيرات الإيجابية الدولية. فإذا كان العالم يتجه إلى المزيد من الخفض للتضخم بالعام الحالي، فإن الأوضاع الاقتصادية بمصر تحول دون الاستفادة من ذلك، حيث تعاني من نقص شديد بالعملات الأجنبية واحتياج لقروض خارجية وبيع لأصول حكومية، ببلوغ الدين الخارجي حتى سبتمبر/أيلول الماضي 164.5 مليار دولار، والعجز الدولاري بالجهاز المصرفي 27 مليار دولار حتى نوفمبر/تشرين ثان الماضي.

وعندما يطلب المقرضون والمشترون المرتقبون للأصول خفضا جديدا لسعر الصرف، فإن ذلك سينعكس على المزيد من ارتفاع الأسعار بالعام الجديد. واستعدادا للاتفاق الجديد مع صندوق النقد الدولي قامت الحكومة المصرية برفع أسعار عدد من الخدمات مع بدايات العام، كالكهرباء والمواصلات والاتصالات ورسوم التسجيل بالشهر العقاري، بخلاف زيادات من قبل شركات قطاع خاص بعدد من مواد البناء وغيرها، مما يعني استمرارا لارتفاع معدلات التضخم خلال الشهور المقبلة.

وعادة ما تقوم الدول التي يرتفع بها معدل التضخم برفع الفائدة علي الودائع بعملاتها المحلية، كوسيلة لتشجيع الجمهور علي الادخار وتقليل الإنفاق علي شراء السلع والخدمات، مما يقلل الطلب ويعيد الأسعار إلى توازنها، وهو ما قامت به غالبية الدول بالعالم بعد الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/شباط 2022، وبمجرد أن قامت الولايات المتحدة برفع الفائدة علي الدولار في مارس/آذار 2022، تبعتها 37 دولة برفع الفائدة علي عملاتها بنفس الشهر، وكلما قامت الولايات المتحدة برفع فائدتها تبعتها دول أخرى بنفس المسلك، أبرزها دول اليورو وإنجلترا حتي بلغ عدد مرات رفع الفائدة حوالي 220 مرة خلال عام 2022.

 توقف رفع الفائدة الأمريكية منذ يوليو

وإذا كانت الولايات المتحدة قد رفعت فائدتها سبع مرات خلال عام 2022، فقد رفعتها بريطانيا ثماني مرات وقامت دول اليورو برفعها أربع مرات، ومصر أربع مرات، وخلال العام الماضي استمرت الولايات المتحدة في رفع الفائدة أربع مرات حتى يوليو/تموز، ثم توقفت عن الرفع حتى نهاية العام، مما أدى لتوقف رفع بريطانيا فائدتها عند شهر أغسطس/آب، وتوقف دول اليورو عن رفع فائدتها عند شهر سبتمبر/أيلول، الأمر الذي انعكس على باقي دول العالم حيث تراجع عدد حالات رفع الفائدة كذلك، بل وبدأت بعض الدول في خفض سعر فائدتها، ليتفوق عدد حالات الخفض علي حالات الرفع للفائدة خلال الربع الأخير من العام الماضي..

ليسفر العام الماضي عن 160 حالة رفع للفائدة مقابل 76 حالة خفض للفائدة، مما يزيد من توقعات اتجاه غالبية الدول إلى خفض الفائدة خلال شهور العام الحالي وهو ما بدأته إسرائيل باليوم الاول من العام، ويعزز ذلك التوقعات ببدء قيام بنك الاحتياط الأمريكي بخفض الفائدة على الدولار خلال النصف الثاني من العام الحالي، حيث تلجأ الدول لخفض سعر الفائدة لإنعاش اقتصادها من خلال تشجيع الشركات علي الاقتراض للتوسع في النشاط.

بعد أن أضر ارتفاع سعر الفائدة خلال العامين الماضيين بالبلدان الناشئة والنامية، سواء بسبب صعوبة اقتراض شركاتها المحلية، أو بسبب صعوبة اقتراض حكوماتها من الأسواق الدولية نتيجة ارتفاع سعر فائدة الإقراض، وكذلك تضرر موازناتها التي زادت معدلات العجز بها وارتفاع تكلفة تمويل ذلك العجز.

والطبيعي أن المودعين الأفراد يحبذون ارتفاع سعر الفائدة والذي يحقق لهم عوائد أكبر، لكن هذا السعر المرتفع للفائدة يضر بالشركات الإنتاجية والخدمية، والتي تقوم بتحميل زيادة تكلفة التمويل على أسعار السلع التي تنتجها، مما يترتب عليه ارتفاع الأسعار بالأسواق.

والأهم للمودعين أن يركزوا على العائد الحقيقي وليس على مجرد سعر الفائدة الذي يحصلون عليها من ودائعهم المصرفية، فإذا كان سعر الفائدة قد بلغ بالأرجنتين في العام الماضي 133%، فإن معدل التضخم بها قد بلغ 161% بشهر نوفمبر/ تشرين ثان الماضي، أي إن العائد الحقيقي على الودائع سلبي بنسبة 28%، كما يزيد العائد بفنزويلا عن 56% لكن التضخم بلغ 283% والنتيجة عائد سلبي 227%.

ويتكرر ذلك بتركيا التي بلغت الفائدة بها 42.5% لكن معدل التضخم بلغ حوالي 65%، أي إن العائد الحقيقي سلبي بنسبة حوالي 22.5%، وهكذا يحقق المودعون في مصر وإيران ونيجيريا وباكستان والسودان عوائد حقيقية سالبة رغم نسب الفائدة المرتفعة بتلك البلدان، نظرا لكون معدلات التضخم بها أعلى من سعر الفائدة، مما يجعل القدرة الشرائية لتلك الأموال المُحملة بالفوائد أقل مما كانت عليه قبل الإيداع.

ولعل هذا كان السبب وراء خروج أموال كثير من المستثمرين الأجانب من بلدان ناشئة ذات نسب فوائد عالية، إلى بلدان متقدمة أقل كثيرا في معدلات العوائد على ودائعها، لكنها ذات عوائد حقيقية موجبة.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان