حلالٌ للمحتل.. حرامٌ على أصحاب الأرض

المراقب للعدوان الإسرائيلي الأمريكي على قطاع غزة، يتوقف طوال الوقت أمام قضيتين أساسيتين، الأولى منهما تتعلق بالسماح لآلاف المتطوعين من دول الغرب بالانخراط في صفوف جيش الاحتلال، خصوصًا من الفرنسيين الذين بلغ عددهم أكثر من أربعة آلاف متطوع، في الوقت الذي لا يُسمح فيه لعربي واحد بالانضمام إلى صفوف المقاومة، حتى لو كان من فلسطينيي الشتات.
القضية الثانية تتعلق بحصول دولة الاحتلال على أسلحة متطورة، ترقى إلى الدمار الشامل، من أي مكان في العالم، خصوصًا الولايات المتحدة، في حين يتوقف العالم مستنكرًا لما تصنعه المقاومة من أسلحة بدائية أو حتى تقليدية، واعتبار وصول أو تهريب سلاح من الخارج إليها جريمة يعاقب عليها القانون.
في القضية الأولى، وحتى نكون منصفين، هناك ملايين العرب على أهبة الاستعداد لنصرة القضية الفلسطينية، بمجرد فتح حدود هذه الدولة أو تلك من دول المواجهة مع دولة الاحتلال، ومع قطاع غزة بشكل خاص.
المرتزقة أيضا
فيما يتعلق بهذه القضية أيضا، نحن أمام أكثر من 21 ألفا من المتطوعين حسب التقارير الرسمية، ليسوا بالدرجة الأولى من اليهود، أو الإسرائيليين المزدوجي الجنسية، بل منهم المرتزقة، ومنهم المتعاطفون مع دولة الاحتلال، ومنهم من أرسلتهم بلدانهم بشكل رسمي، وفي كل الأحوال لا يتضمنهم الإحصاء الرسمي الإسرائيلي اليومي في أعداد القتلى والمصابين، باعتبار أنهم لا يشكلون خسارة لجيش الاحتلال من جهة، ولا تمثل حياتهم أهمية تذكر من جهة أخرى، كغيرهم من قتلى الدروز في الداخل الإسرائيلي.
الثابت يقينًا أن مطارات إسرائيل وموانئها تستقبل بشكل يومي مئات المتطوعين من دول أوروبا الشرقية والغربية، خصوصًا فرنسا وبريطانيا وألمانيا وأوكرانيا وبولندا وإيطاليا، ومن بلدان خارج أوروبا، حتى إن الأنباء تحدثت عن متطوعين ومرتزقة من الهند وإثيوبيا والأرجنتين وكندا وجنوب السودان وتايلند، فضلًا عما ورد عن ألفي جندي أمريكي بشكل رسمي، وخبراء عسكريين بريطانيين، وهو الأمر الذي لم تتوقف أمامه أيّ من العواصم العربية لطرح أحقية العرب في الدفاع عن فلسطين المحتلة، ولو من خلال المتقدمين طواعيةً، وليس من خلال الجيوش النظامية، إلا أنه بدا واضحًا أن مجرد الطرح في حد ذاته يمكن أن يستحق المحاسبة!!
أما فيما يتعلق بالقضية الثانية، وهي حصول دولة الاحتلال على السلاح المتطور، منذ اليوم الأول للعدوان، خصوصًا من الولايات المتحدة، التي أرسلت وحدها ما يزيد على 230 طائرة محملة بالأسلحة والذخائر، فضلًا عن 20 من سفن الشحن، وفي المقابل كان الحوار يدور في العواصم والأروقة الدولية حول مدى حق المواطنين الفلسطينيين في غزة في الحصول على الماء والغذاء والدواء أو عدمه، وهو ما أصبح بعد طول شد وجذب رهنًا بموافقة سلطات الاحتلال في سابقة تاريخية غريبة!! لم تنتفض لها أيضا العواصم العربية بأي شكل من الأشكال.
وتشير التقارير الرسمية إلى أن 1000 طن من المتفجرات تسقط على سكان غزة يوميًّا، بما يشير إلى أن جيش الاحتلال استخدم نحو 90 ألف طن في عدوانه على القطاع حتى الآن، معظمها جاء من الولايات المتحدة مباشرةً، أو من مخازنها بدول المنطقة، في الوقت الذي تعتمد فيه المقاومة الفلسطينية طوال الوقت على مخزون صناعاتها المحلية، وما استطاعت تهريبه خلال سنوات الحصار المفروض على القطاع، لم تجرؤ أيّ من الدول العربية أو دول العالم حتى الآن على المطالبة بحق المقاومة في الحصول على السلاح، ما دمنا أمام حركات تحرر وطني من دولة محتلة، باعتراف الأمم المتحدة التي أصدرت أكثر من قرار في هذا الشأن.
أزمة ضمير
المنطق كان يستدعي المطالبة الفورية بوقف تصدير السلاح إلى إسرائيل باعتبارها دولة احتلال، المنطق أيضا كان يستدعي المطالبة بحصول المقاومة الفلسطينية على السلاح للدفاع عن النفس على أقل تقدير، إلا أننا نجد أنفسنا أمام منطق معكوس، تحصل فيه دولة الاحتلال على السلاح، ويعاني فيه المدنيون الرازحون تحت الاحتلال من الجوع والعطش وانعدام الدواء، تحت سمع وبصر العالم، الذي انقسم حسب تعبير “أبو عبيدة”، الناطق باسم كتائب القسام بين “مجرم ظالم ومتفرج عاجز”.
وفي هذا الصدد يجب أن نتوقف أمام التصريح الخطير الذي أدلت به فرانشيسكا إلبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالشأن الفلسطيني وقالت فيه: “إن الإبادة الجماعية التي تشهدها غزة ترتكب بإذن من العالم، وعلى مرأى ومسمع منه، كما سبق أن حصل في سربرينتشا ورواندا، وإن المجازر المرتكبة بحق الأطفال في غزة، يقوم بها مرتزقة أجانب قادمون من دول عدة، لكن لا أحد يصف هؤلاء بالإرهابيين، ولا أحد يدعو إلى محاكمتهم ومحاسبتهم”.
على أية حال، أعتقد أن هذا التصريح من مسؤولة دولية يكفي للتدليل على أزمة الضمير التي يعيشها العالم الآن من جهة، ومن جهة أخرى يؤكد مدى التواطؤ العربي أو حتى الوهن والخذلان في مواجهة قوى شريرة مجرمة بالمنطقة، لا تتورع عن ارتكاب مذابح يومية بحق الأشقاء الفلسطينيين، بلغ عددها خلال الشهور الثلاثة الماضية نحو 1900 مجزرة في صفوف المدنيين الأبرياء، وهو ما يحتم إعادة النظر في القضيتين في آن واحد وهما، فتح الباب أمام المتطوعين العرب، وأحقية المقاومة الفلسطينية في الحصول على السلاح، حتى لا يظل الأمر حلالًا للمحتل، حرامًا على أصحاب الأرض.