باغتيال العاروري حققت إسرائيل نصرا.. ولكن الصراع مستمر!

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

هل نترك النتن ياهو يتمتع بنشوة الانتصار الذي حققه باغتيال الشيخ صالح العاروري ورفاقه من قادة حماس أم نبحث عن الحقائق التي تزيد الهم والغم على نفسه الحاقدة على حماس التي أسقطت أسطورة الجيش الذي لا يقهر؟!

يجب الاعتراف بأهمية القيادة للشعوب خاصة في الفترات التي تتعرض فيها لتحديات تهدد وجودها، والشيخ العاروري قائد يتمتع بحب الأمة الإسلامية كلها، حيث قدم رؤيته لكفاح طويل المدى؛ من أجل تحرير الأمة كلها من الوهن والخوف من القوة الغاشمة، والخضوع لمتطلبات الواقع العالمي وشروطه.

ورؤية العاروري تتضمن أيضا أن الأمة تستطيع تحرير فلسطين، وحماس تبرهن على ذلك بتضحياتها وجهاد أبطالها، واستمرارية مقاومتها عبر سنوات طويلة تتمكن فيها من إعداد قوتها، وتأهيل جيش من شباب فلسطين بالإيمان والثقة في نصر الله، وإدراك الوظيفة الحضارية للمسلم.

دم القائد والجندي سواء

لكن ما لم يدركه النتن ياهو أن رؤية العاروري تتضمن أيضا المساواة والتكافؤ بين دماء المسلمين؛ فلا فرق بين دم القائد والجندي، وأن دم أي طفل فلسطيني في غزة لا يقل أهمية عن دم أهم قائد في حركة مقاومة تعمل لتحرير الإنسان قبل الوطن.

والعاروري يدرك معنى الشهادة، ويؤمن بأنها أعظم خاتمة لحياة المؤمن؛ حيث يضيء دمه طريق الحرية والتحرير لكل المؤمنين؛ ويفوز هو برضا الله وفضله ورحمته وصحبة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم في الجنة، وهذا كل ما يتمناه.

لكن النتن ياهو لم يفهم حتى الآن أنه لا يمكن هزيمة شعب يؤمن بأن رضا الله هو الغاية، وأن الموت في سبيل الله أسمى أماني المؤمنين، وأن الأمة التي تقدم الشهداء هي التي تفوز في النهاية بالنصر والمجد وتحرر أرضها، وتهزم المغتصبين؛ ليخرجوا من فلسطين مدحورين، لكنهم سيخربون بيوتهم بأيديهم قبل أن يخرجوا.

حقق للعاروري أمنيته والصراع مستمر!

كل ما فعله النتن ياهو أنه حقق للشيخ العاروري أسمى أمانيه، فانطلقت روح الشيخ إلى ربها لتسعد بفضله، وتطير تحت عرشه إلى يوم القيامة.

أما الأمة الإسلامية التي ودعت شهيدها وقائدها؛ فهناك جرح غائر لا يندمل حتى تأخذ الأمة بثأرها، وتقتص من النتن ياهو وجنوده المجرمين، وثأر قائد كالعاروري هو تحرير فلسطين، ولا يمكن أن يكون أقل من ذلك!

لكن ألم يسأل النتن ياهو ما نتائج الجريمة التي ارتكبها؟!! دعك من كل النتائج التي يمكن أن يتخيلها فأنا سأوضح له نتائج لا يستطيع عقله المغرور بقوته أن يصل إليها؛ فقيمة القائد في مبادئه، وعندما يموت في سبيلها تدب فيها الحياة، وينطلق الآلاف من المؤمنين بها لتحقيقها، وهذا ما سيحدث، فالمبادئ التي جاهد العاروري لتحقيقها، ستفرض الأمة الإسلامية على العالم كله أن يحترمها؛ فهي تستحق التضحية بالدماء والأنفس والمال والولد، وهي أغلى لدى المؤمنين من حياتهم المحدودة على الأرض، التي ستنتهي حتما، فلتكن النهاية شهادة في سبيل الله.

الرؤية تنتصر حضاريا وثقافيا!

ألم يسأل النتن ياهو نفسه ما النتائج التي يمكن أن تترتب على انتشار هذه الرؤية على دولة الاحتلال الإسرائيلي وعلى كل من ساندها في هذا العالم الظالم؟ ألم يفكر النتن ياهو في تأثير انتشار تلك الرؤية في أمريكا التي وفرت له مخابراتها المعلومات عن مكان العاروري واجتماعه بقيادات حماس في الضاحية الجنوبية في بيروت؟

أنا أدرس الواقع لكنني لا أخضع لمعطياته، وأعمل دائما لاستشراف المستقبل؛ لذلك أقول إن الصراع ليس عسكريا فقط، ولكنه صراع ثقافي حضاري طويل المدى ستتدفق فيه شلالات الدماء من الجانبين، ومن يمتلك الإيمان والإرادة والإصرار هو الذي سينتصر في النهاية.

لذلك استشهد العاروري؛ لتنتشر رؤيته وترسخ في قلوب المؤمنين؛ الذين سيشقون طريقهم لتحقيق النصر بتضحياتهم التي تبرهن على إخلاصهم للمبادئ.

دم الشيخ واستشراف المستقبل

لذلك يمكن أن نستشرف المستقبل على ضوء دم العاروري ورفاقه، فهناك الملايين الذين يتطلعون للحصول على خاتمة جميلة لحياتهم، وهم يؤمنون بالمبادئ التي عاش يدافع عنها، وبالهدف الذي أجمع عليه أحرار فلسطين، والذي يكرره كل المقاومين: “إنه لجهاد نصر أو استشهاد”.

وهناك الملايين الذين يؤمنون بهذا المبدأ، وإذا كان النتن ياهو يرى في اغتيال العاروري نصرا؛ فعليه أن يعد نفسه لرؤية ملايين المؤمنين الذين يسيرون في طريق العاروري، وعلى ضوء دمه ليحرروا فلسطين، ولن تنفعه قوته الغاشمة، ولا أمريكا التي تمده بأسباب الحياة، ولن يصمد جيشه أمام الحالمين بالشهادة والخلود في الجنة.

النتن ياهو لا يدرك أن الصراع يدور الآن بين القوة المادية الغاشمة التي تدمر وتقتل وتثير الرعب في نفوس الماديين الذين تتعلق قلوبهم بالحياة الدنيا، وفي الجانب الآخر أمة تتطلع للنهضة والنصر وتحرير فلسطين، والعاروري قدم لها رؤية تقوم على أن طريق النصر يبدأ بالإيمان بالله والإصرار على تحرير فلسطين مهما كانت التضحيات.

والصراع مستمر، وفي هذا الطريق سيفوز الكثير من المؤمنين بالشهادة، والأمة قادرة على أن تقدم الكثير من القيادات، ويجب أن يتذكر النتن ياهو أن العاروري كان أسيرا في سجونه مدة 18 عاما، فكم قائد في السجون الإسرائيلية والعربية يمكن أن يخرج قريبا ليحمل راية الجهاد! وستتحول صورة النصر التي أرادها النتن ياهو إلى هزيمة لجيشه تجبره على الهروب من فلسطين.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان