للبنان لا لحزب الله وحده
كتبت مقالا من موقع التأييد للمقاومة في نقد أخطاء حزب الله وقيادته، التي أدت إلى توالي ضربات إسرائيل الكارثية ضده وضد لبنان منذ 17 سبتمبر الماضي 2024، لكنني تراجعت عن إرساله، لأن الأولوية هي اليوم للخطر الذي يحدق بلبنان.
التقرير الخامس لوحدة إدارة مخاطر الكوارث التابعة لرئاسة الحكومة اللبنانية الصادر نهاية يوم 29 سبتمبر الماضي 2024 يحصي 216 غارة للطائرات الحربية الإسرائيلية خلال 24 ساعة، وارتفاع الشهداء إلى 1640 والمصابين بما يتجاوز 8400 منذ 8 أكتوبر 2023.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsعندما تحدث «الملثم» بعد غياب!
الحرب على الجبهة الإعلامية.. المهام المنتظرة
تحت سماء الصواريخ.. ليلة لا تُنسى
وفي الصباح التالي، جاءت الأنباء من بيروت تفيد اتساع هجمات الاغتيال الفعالة إلى خارج حزب الله، لتقتل بين قادة الجماعة الإسلامية/ لبنان والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. واللافت أن تتسع جغرافيا الاغتيالات هذه المرة بعيدا عن الضاحية الجنوبية/معقل الحزب، ولتضرب في منطقة الكولا بوسط المدينة، وحيث الحركة العامرة لمحطات الباصات والسرفيس إلى مختلف أنحاء بيروت ولبنان.
أما أعداد النازحين الذين يحاولون النجاة، وبكثافة منذ مجزرة أجهزة النداء الآلي (البيجر) 17 سبتمبر، من جرائم عقيدة قتل مئات المدنيين وتدمير عشرات أماكن السكنى لاستهداف ولو قائد واحد بالمقاومة، فقد فاقوا المليون إنسان. وهذا على نحو لم يعرفه لبنان من قبل، وفق رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ما يعني أن نحو واحد من كل خمسة في لبنان أصبح بلا مأوى.
حركة انتقال عكسية
عبر الحدود السورية
بالعودة إلى معطيات تقرير وحدة الأزمات يتضح مدى كارثية الأوضاع وتدهورها، وحيث يوثق إحصاء إدارة الأمن العام المسؤولة عن متابعة الحركة عبر حدود البلد أن ما يزيد على 43 ألف لبناني غادروا إلى سوريا، وعاد نحو 36 ألف لاجئ سوري إلى بلادهم. وهذا في اتجاه عكس ما كان، وعلى نحو خاص منذ اندلاع الثورة فالحرب الأهلية هناك منذ 2011.
ولم أكن وغيري كي أدرك خطورة الأوضاع بلبنان في حاجة لمطالعة الصور الفوتوغرافية الأخيرة القادمة من لبنان للناس الذين يفترشون الطرقات في العراء بلا أغطية ولا طعام ولا مرافق، وكذا حجم الدمار بالعمران الذي يضاف إلى متحف مفتوح للخراب جراء العدوان الصهيوني المتكرر والحرب الأهلية.
كما لم أكن في حاجة للاتصال بغير صديق هناك، وإن فعلت، لأستمع أيضا إلى قلق جاد من مستقبل أكثر خطورة وبؤسا، وحتى بين أجيال عاصرت أصعب أيام بيروت ولبنان على مدى نحو نصف القرن.
أمام جنون
غطرسة القوة
في وسائل إعلام أجنبية، وإلى جانب تحذير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، تتردد الجملة: “أن يتحول لبنان إلى غزة أخرى”.
ومن خطاب نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية أمام الكونغرس 25 يوليو/تموز هذا الصيف إلى كلمته الخميس 27 سبتمبر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل دقائق من اغتيال حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، قطع قادة الإبادة مجرمو الحرب بتل أبيب وواشنطن المزيد من الأشواط وبثقة في استعراض جنون غطرسة التوحش وعربدته بلا رادع. وكأنهم وجدوا فرصة للتعافي، عبثا، من هزيمة طوفان الأقصى 7 أكتوبر، ولاستعادة الثقة والاعتبار والهيبة في قوة جيش الاحتلال ومخابراته، وترسانة أحدث وأقوى ما في مصانع الرأسمالية العالمية من سلاح قتل ودمار.
ولأن الضوء أخضر عربيا ودوليا، ثمة إلحاح على رسالة قوية واضحة فجة لكل الإقليم ووحداته وقياداته. وهي أن تل أبيب، المزودة بشيك أمريكي على بياض، تبقى وتتأكد بوصفها القوة الوحيدة المطلقة السيادة والهيمنة، وبلا منافس أو منازع.
وهكذا على شاكلة ذئب في ثوب راعي خراف عليها جميعا الاستسلام والطاعة، وأن تتبعه طوعا أو كرها، وفي انتظار الذبح واحدا تلو الآخر في متتالية مشاهد علنية مفتوحة لمجزرة ممتدة “وعلى عينك يا تاجر”.
بلا غطاء ولا رادع
لبنان الآن في الواجهة ومواجهة هذه اللحظة الصهيونية الوحشية المجنونة، وما يبدو كبداية حقبة جديدة لهيمنة إسرائيلية أمريكية لا أحد يعلم متى تنتهي؟ وهذا ببساطة لأن مقاومة، ومعها مجتمع بأسره، تحملا عن كل العرب وأحرار العالم عبء التقدم للصف الأمامي في تحد وتمسك بالدفاع عن الإنسانية والعدل والحرية في غزة، ولو ببعض سلاح وكثير من الحسابات المعقدة.
لبنان الآن في الواجهة ومواجهة ومقدمة استهداف اللحظة المجنونة وتوحش القوة المنفلتة من الأخلاق والقانون والتوازنات إقليميا ودوليا، وبلا غطاء يردع و”يفرمل”. فلا مقاومة وازنة، ولا وزن مؤثر لعرب ولا لحلفاء دوليين. وكلنا يعلم أن سماء لبنان، ككل سماوات الدول العربية وتاريخيا ولليوم، مفتوحة أمام سيادة وعربدة مطلقة لقوة الجو الإسرائيلية، مع تزايد فجوة التفوق المخابراتي تكنولوجيا، عن بعد وعلى الأرض.
هل يتسع الخرق
على راتق الخلافات؟
في غير مقال نشرته هنا الربيع الماضي بعد إقامة لنحو ثلاثة أشهر، كتبت عن كيف أن الكثير من أهل لبنان مشغولين غارقين في تداعيات أزمة اقتصادية معيشية طاحنة؟ وعلى نحو يجعل من القتال اليومي الجاري بالجنوب وكأنه حدث خارج الاهتمام، ويمس بالأساس بضعة آلاف (نحو 60 ألفا كان قد تم تهجيرهم هناك). كما حاولت نقل هذا الشعور بتخلي الأشقاء العرب عن لبنان في محنته، وبخاصة من يملكون ويستطيعون.
وحمدا لله أن ما أطالعه حتى الآن في صحف لبنان هذه الأيام الصعبة يفيد بأن الخرق على راتق الخلافات بين فرقاء السياسة والطوائف بلبنان لم يتسع، وأن تعقلا يتبدى بين خصوم حزب الله وحلفائه مراعاة واحتراما لمصاب الحزب..
وربما إدراكا وبالعقل والتعقل لمخاطر الاندفاع الحاصل لقوة التوحش الصهيونية ضد كل لبنان، وليس الحزب والمقاومة فقط، واستعداد تل أبيب وحلفائها للإضرار والتضحية حتى بخصوم الحزب داخليا. أو لعل الجميع مأخوذون مذهولون بهول ما يجرى منذ 17 سبتمبر.
والمعروف أن اللبنانيين لم يكونوا موحدين تجاه علاقة البلد بمحيطه الإقليمي والدولي وبالخطر الصهيوني، وعلى فهم مشترك بطبيعة الجغرافيا السياسية الاستراتيجية للبنان. وهذا وإن كانوا جميعا في الأغلب على بينة بعواقب وأعباء إنشاء إسرائيل على لبنان كله، وذلك باستضافة ممتدة مفتوحة لليوم لمئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين منذ 1948، ودوام تعرض البلد وعاصمته بيروت للعدوان والتوسعية والاستباحة صهيونيا.
من أجل لبنان
كان ويظل مؤسفا عقاب لبنان وأهله جراء صراعات محاور إقليمية، وأيضا أخذ لبنان كله واللبنانيين كافة رهائن الموقف من حزب الله وتحالفاته، ونتيجة لأخطاء قيادته، أو بالتحريض على الحزب ظلما وافتراء، وهذه المرة بعدما عاد لمقاومة الخطر الأكبر على المنطقة/ الصهيونية.
لبنان اليوم يحتاج وحدة كل أبنائه على تنوعهم واختلافهم. كما يحتاج أن تمتد إليه، بدون تأخير أو شروط وحسابات، أيادي كل من يملك الوقوف إلى جانبه، والأشقاء أولى بهذا الواجب.
هي إذن لحظة مجنونة لتوحش القوة الصهيونية على لبنان، وليس حزب الله وحده. وتتطلب التكاتف معه ولأجله، وتأجيل كل الحسابات. ولأن المزيد من معاناة اللبنانيين، وقد تحملوا من قبل الكثير الكثير، تقود حتما إلى الأسوأ، والذي لن يستثني أحدا بامتداد العالم العربي.