الحرب مستمرة والعالم سيتغير حتما!

مشهد من غزة؛ التعليم بين الأنقاض وتحت القصف (الأناضول)

(1) البدايات قد تكون مضللة

بعد مرور عام على طوفان الأقصى أجري البعض كشف حساب للمكسب والخسارة بالنسبة لمحور المقاومة والعدو الإسرائيلي، وتسرع البعض في الاستنتاج بأننا أمام إسرائيل أقوى بجيش هو الأحدث في المنطقة والأكثر تطورا وجاهزية، ويدللون على ذلك بما حدث من اختراقات متتالية لحزب الله انتهت بمقتل أمينه العام وعدد كبير من قياداته.

بدا حزب الله مكشوفا أمام الصواريخ الإسرائيلية التي أصبحت أشبه بسكين حاد يمرق بسهولة ويسر في كعكة اسفنجية. صورة حزب الله كحائط صد قادر علي حماية لبنان ومساندة غزة انهارت في أقل من شهر، بسبب مشاهد الدمار الشامل في المناطق التي تم استهدافها من قبل طائرات جيش الاحتلال. ومع كل غارة جوية على لبنان المنتهك والمنهك يتم الإعلان عن مقتل عدد من قيادات حزب الله حتى بدأت الصفوف الأولى في الحزب تخلو من شاغريها.

اقرأ أيضا

list of 4 itemsend of list

الأحداث سريعة ومتلاحقة، إسرائيل ترغب في استغلال فترة الفراغ السياسي قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية لصالحها، إدارة بايدن عاجزة عن كبح شبق إسرائيل للانتقام، ولا يسعها سوى تقديم المساندة المطلقة والإعلان عن أن قواتها في المنطقة علي أهبة الاستعداد للدفاع عن إسرائيل في حال توسعت الحرب وتحولت لمواجهة مباشرة مع إيران. وهو المتوقع في الفترة القادمة، وهو مخطط إسرائيلي قديم كانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة تكبحه وعبر عنه نفتالي بينيت، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق مؤخراً وكتب على وسائل التواصل الاجتماعي: “إسرائيل الآن أمام أعظم فرصة منذ 50 عاماً لتغيير وجه الشرق الأوسط، علينا أن نتحرك الآن لتدمير البرنامج النووي الإيراني ومنشآت الطاقة المركزية وضرب هذا النظام الإرهابي ضربة مميتة، لدينا المبرر والأدوات والآن بعد أن شُلت أذرع إيران المتمثلة في (حزب الله) و(حماس)، أصبحت إيران مكشوفة وضعيفة”.

تعلن الإدارة الأمريكية أنها لا تريد حربا شاملة لكن ما تفعله شيء آخر فهي تزود إسرائيل بالقنابل الخارقة للتحصينات بوزن 2000 رطل، والقنابل الموجهة بدقة مما يسمح للضربات الجوية الإسرائيلية بتدمير واسع النطاق سواء في غزة أو لبنان أو إيران مستقبلا.

تبدو إسرائيل بعد عام من طوفان الأقصى أكثر قدرة ووحشية في صراعها الوجودي لفرض الأمر الواقع بالقوة وبدون أي خطوط حمراء ضاربة عرض الحائط بالقوانين الدولية والمؤسسات الأممية، ويبدو نتنياهو أقوى من أي وقت مضى واثقا من نفسه ومن أداء جيشه، فكل ساحات المقاومة يجري تدميرها بعنف بأسلحة أمريكية متطورة للغاية.

الحديث عن تلال الركام وارتفاع أرقام الشهداء والمصابين في غزة ولبنان تحول لخبر يومي معتاد، في حين يصبح مقتل جندي إسرائيلي أو اصابة عدة مواطنين إسرائيليين حدثا كبيرا تضخمه المقاومة ويتناقله الملايين من الشعوب العربية الذين يراقبون عبر شاشات الفضائيات إبادة أشقائهم بدم بارد، ويجدون في قتل جنود جيش الاحتلال بعض العزاء. لكن مؤخرا تسلل اليأس والقنوط إلي نفوس أولئك المشاهدين وتبدل حالهم، وباتوا يتحدثون عن جدوى المقاومة أمام الآلة العسكرية الإسرائيلية الأمريكية التي لا تقهر والتي دفعت رئيس الوزراء الإسرائيلي للتحدث بثقة عن قدرة بلاده في الوصول لأي مكان في العالم للنيل من أعدائها.

وبدأ الحديث عن شرق أوسط جديد خالٍ من محور المقاومة وإيران لا يسمع فيه حديث عن دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة ولا يسمح فيه لفلسطيني بمقاومة الاحتلال بالإضافة إلى تنفيذ مخطط” سايكس_ بيكو” الجديد.

يذكرني موقف نتنياهو بموقف الزعيم الألماني هتلر حين بدأ تهديده لأمن أوروبا بضم النمسا وأجزاء من تشيكوسلوفاكيا وتم تبرير الأمر بأنه محاولة لجمع الشعب الألماني المشتت…

تم ذلك أمام عين بريطانيا العظمي التي تعاملت معه بسياسة الاسترضاء تجنبا لنشوب حرب عالمية ثانية، لكن ذلك لم يشبع نهم هتلر في التوسع، بل شجعه على احتلال جزء من التشيك وفرنسا وغزو بولندا، وحينذاك لم تجد بريطانيا بديلا عن إعلان الحرب على ألمانيا لأنها أصبحت مصدر تهديد لهما ولنفوذهما. حقق هتلر انتصارات مدوية في البداية لكن الإنجازات الميدانية في المراحل الأولى من الحروب لا تعني الانتصار النهائي والصمت المخزي من البعض ينتهي عادة بالانخراط الإجباري في الحرب حين تصبح حدود الدول المستكينة مباحة أمام المعتدي.

هناك الكثير من الأنظمة العربية تستريح لما وصل إليه الحال، مفضلة الاستقرار والعيش في أمان في كنف الحماية الأمريكية والسلام الدافئ مع إسرائيل عن مواجهة مستقبل لا تعرف مآلاته، لكن المشروع الصهيوني التوسعي لا تردعه اتفاقيات سلام والدولة العبرية راغبة في توسيع حدودها ما دامت قادرة على ذلك بالقوة وبذلك يتعارض المشروع الصهيوني وجوديا مع المحيط العربي.

(2) اعدام صدام لم ينقذ العالم

وتدمير إيران لن يعيد الاستقرار إلى الشرق الأوسط

تسعى إسرائيل جاهدة لمواجهة مباشرة مع إيران تجر فيها أمريكا لأنها المنافس لها في المنطقة من حيث القوة والنفوذ ومشروع كل منهما مضاد للآخر. قد تظن بعض دول الخليج العربي أن تدمير القدرات الإيرانية سيعود بالنفع على أمنها القومي ويصب في مصلحة استقرار المنطقة وتوازن القوى، وهو تكرار للتفكير التكتيكي مع صدام حسين حين تم السماح بالغزو الأمريكي للعراق رغبة في التخلص من نظام صدام الشرير الذي زعزع أمن الخليج واستقراره بعد غزوه للكويت. انهار نظام صدام وانهارت معه العراق وتم تفكيك جيشها وإعدام زعيمها، ودخلت المنطقة في دوامة عنف وإرهاب غير مسبوقة، ولم يستفد من الأمر سوى إيران التي وسعت نفوذها الإقليمي وملأت الفراغ السياسي في العراق فهل نريد تكرار الأمر مع إسرائيل؟!

روج الإعلام الغربي صورة عن عراق صدام على أنها جزء من محور الشر، ويتم الآن ترويج الأمر ذاته عن إيران. والأخيرة قوة إقليمية ذات موقع استراتيجي هام، مما يجعل لها وزنا ونفوذا وتحالفات قوية مع بيجين وروسيا وعدد كبير من الدول المستقلة عن المعسكر الغربي وكل هؤلاء الحلفاء لن يسمحوا بضربة قاضية لإيران ولا انتصار كاسح لإسرائيل الأمريكية.

العالم في فترة يعاد فيها تشكيل نظامه الأحادي القطب إلى متعدد الأقطاب وكل ما نراه وسنراه من حروب متفرقة هي فترة مخاض مؤلمة تسبق مولد هذا النظام. الصراع في الشرق الأوسط جزء من الصراع العالمي ومبكر جدا أن نحكم على ما نراه بأنه نهاية المطاف، فالحرب طويلة وممتدة.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان