«المقاطعة» تكشف هشاشة دعم الشركات لإسرائيل

لم تنجح كل طرق الدعاية في التغلب على المقاطعة، وفي الصورة يظهر رئيس وزراء بريطانيا السابق ريشي سوناك في حملته الانتخابية مروجًا لماكدونالدز، لكنه لم ينجح في الانتخابات ولم ينجح في تجاوز المقاطعة، فواصلت الشركة الخسائر (غيتي)

مرت سنة على حرب غزة، شهدت فيها أصوات الغضب تتداخل مع خيبات الأمل، بعد أن فشلت عدة محاولات للتفاوض لإنهاء هذه الحرب المأساوية. فُقدت آلاف الأرواح، واضطر ملايين الأشخاص للنزوح من منازلهم، في حين يقف ملايين حول العالم عاجزين، يتأملون بقلق ووجع مشاهد القتل العنيف الذي يتعرض له المدنيون الأبرياء.

عاش العالم، في ضوء هذه الأحداث، مجموعة من الاحتجاجات الغاضبة التي تعكس استياء الناس من الظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني.

في العديد من البلدان، تُعتبر المقاطعة الوسيلة الأكثر انتشارًا سواء في الشارع العربي، أو على الصعيد الدولي. تُستخدم كأداة سلمية للضغط على الشركات التي تساند الكيان الصهيوني، وأيضًا كوسيلة جماعية للتعبير عن رفض الانتهاكات المستمرة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.

مع مرور الوقت، يتبادر إلى الذهن سؤال حول فائدة هذه الجهود المبذولة، وهل نجحت المقاطعة في إحداث نتائج واضحة في سياق الأحداث، أم أنها كانت مجرد صرخة لم تتجاوز حدود الاحتجاج الرمزي، سرعان ما تلاشت وسط صخب العالم وتحدياته؟ خصوصًا مع  تواصل الدعم الأمريكي القوي لإسرائيل.

الدعم الأمريكي المستمر لإسرائيل

كشف تقرير مُفصل صادر عن “مشروع تكاليف الحرب” بجامعة براون أن الولايات المتحدة قدمت حوالي 17.9 مليار دولار مساعدات عسكرية لإسرائيل منذ اندلاع الحرب في غزة، مما يعكس التزام واشنطن بموقفها الثابت تجاه هذا الحليف الاستراتيجي في المنطقة. رغم تزايد الانتقادات الدولية، يستمر هذا الوضع في التدهور مع تصاعد التوترات، الأمر الذي يثير قضايا حول مدى فعالية المقاطعة في مواجهة هذا الدعم الكبير، وهو ما يُعد موضوعًا مركزيًا للنقاش العام.

تتصدر قائمة المقاطعة عددًا من الشركات الكبرى التي تعرضت لتدهور كبير في سمعتها؛ بسبب الحملات الشعبية التي تعارض دعمها لإسرائيل.

على سبيل المثال، تعرضت شركات مثل ماكدونالدز، وكوكاكولا وبيبسي، وستاربكس، ونستلة وبابا جونز وغيرهم لانتقادات حادة عبر وسائل التواصل الاجتماعي،

وقد أثرت هذه الانتقادات بشكل كبير على آراء الجمهور تجاهها، خاصة في الأسواق العربية والإسلامية.

عقب إعلان فرع ماكدونالدز في إسرائيل عن تقديم وجبات مجانية لجنود الجيش الإسرائيلي، اندلعت حملة واسعة للمقاطعة أثرت سلبًا على سمعة العلامة التجارية. لم تتوقف هذه الحملات على حد الانتقادات فحسب، بل أدت أيضًا إلى تراجع ملحوظ في المبيعات، حيث كشفت التقارير عن انخفاض كبير فى الطلب على منتجات هذه الشركة.

تجلي هذا التأثير في العديد من الشركات الكبيرة التي شهدت انخفاضات ملحوظة في أرباحها؛ نتيجة الحملات العالمية التي تستهدف الشركات التي تدعم إسرائيل. وفقًا لتقارير ودراسات حديثة، تبين أن المقاطعة أثرت بشكل ملحوظ على الشركات التي تملك وجودًا واسعًا في الأسواق العربية والإسلامية.

على سبيل المثال، في مصر، شهدت شركة كوكا كولا انخفاضًا لمبيعاتها كما تراجعت سمعة شركة ستاربكس إلى حد كبير في استطلاعات الرأي، بعد أن قيل إنها دعمت الجيش الإسرائيلي. وقد أثر ذلك سلبًا على قيمتها السوقية، هذه المقاطعة لم تقتصر على مصر فقط بل شملت دولًا أخرى مثل الأردن، باكستان، بنغلاديش وماليزيا وقد أبدى فيها المستهلكون استجابة قوية لدعوات المقاطعة.

زيادة الوعي ودعم الاقتصاد المحلي

أوضح تقرير من مركز الأبحاث الاقتصادية في جامعة هارفارد أن شركات معروفة في العالم العربي، مثل ماكدونالدز، عانت من مشاكل مالية جسيمة نتيجة لهذه المقاطعة. هذا التغيير في سلوك الناس يظهر تأثير الاقتصاد الأخلاقي الذي يشجع الأفراد على اتخاذ قراراتهم بناءً على قيم ومبادئ سياسية وأخلاقية. وقد أظهرت دراسات عديدة أن الشركات المتضررة بدأت تبحث عن طرق جديدة لتحسين استراتيجياتها التسويقية لتفادي تأثيرات المقاطعة في المستقبل.

علاوة على ذلك، ساهمت حملات المقاطعة في زيادة الوعي بين المستهلكين حول الممارسات التجارية للشركات الكبرى، مما دفع الكثيرين إلى إعادة النظر في خياراتهم والبحث عن بدائل محلية، إذ أضحت الخيارات المحلية تمثل أولوية قصوى بالنسبة لهم وهو تحول ملحوظ في دعم الاقتصاد الوطني . هذا التحول الذي انعكس في توجه الأفراد نحو المنتجات المحلية، مما أعاد إحياء أسماء شركات ومنتجات كانت قد اندثرت أو غابت عن الأذهان.

مع مرور الوقت بات من الواضح أن المقاطعة ليست مجرد وسيلة رمزية، بل هى وسيلة فعالة تؤثر بشكل مباشر في الاقتصاد العالمي. مما يفرض علي الشركات إعادة النظر في سياساتها وتوجهاتها. ورغم أن بعض الحكومات تواصل دعم إسرائيل سياسيًا وماليًا، فإن التغير في وعي المستهلكين وقوتهم كجماعة ضغط قد يشكل تحديًا كبيرًا على المدى البعيد. حيث إن التحولات التدريجية في الأنماط الاستهلاكية والضغوط المتصاعدة من المجتمعات قد تفضي إلى نتائج ملموسة تؤثر على العلاقات الاقتصادية والسياسية في المستقبل، مما يعيد تشكيل التوازنات الدولية وفق مبادئ جديدة.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان