لهذه الأسباب.. لا ترد سوريا!

لافتة تحمل صورة الرئيس السوري بشار الأسد على الحدود السورية اللبنانية (رويترز)

 

تساءل الكثيرون عن أسباب عدم تدخل سوريا لإسناد لبنان خلال العدوان الإسرائيلي الحالي عليها، خاصة بعد عمليات الاغتيال التي طالت قيادات حزب الله حليفها الذي ساندها لسنوات خلال نزاعها مع قوى داخلية؟

وهو سؤال سبق طرحه قبل سنوات مع عدم رد سوريا على الاعتداءات الإسرائيلية عليها، مثلما حدث عام 2003 بعملية عين الصاحب الجوية، وعام 2007 بعملية البستان الجوية والتي صاحبتها وحدة كوماندوز إسرائيلية، ومع تنفيذ عمليات اغتيال على أرضها لقيادات لبنانية وإيرانية، ومع استمرار الاعتداءات بالأسابيع الأخيرة.

ويبرر البعض عدم الرد السوري بوجود اتفاق أمريكي روسي بهذا الشأن مع دخول القوات الروسية سوريا عام 2015، لكن عدم الرد السوري يسبق ذلك بسنوات!

كما يرى آخرون السبب في قرب دمشق من إسرائيل مما يسهل مهمة الطيران الإسرائيلي لقصفها المتكرر، الأمر الذي يحرج النظام السوري ويدفعه للصمت أملًا في تقليل الخسائر المادية في المنشآت والمرافق المترتبة على تكرار القصف، في ظل عجزه عن القيام بعمليات إعادة الإعمار اللازمة، لعلاج آثار الدمار التي تسببت فيها الحرب الأهلية التي امتدت من عام 2011 وحتى 2020.

كما يرى البعض أن يد النظام السوري مغلولة حيث يهيمن على 63% فقط من الأراضي السورية، بينما تهيمن قوات سوريا الديموقراطية التي يغلب الأكراد عليها بشرق نهر الفرات والمدعومة من الولايات المتحدة على نسبة 26% من مساحة البلاد، بينما تهيمن قوات الجيش الحر المدعومة من تركيا على نسبة 11% من البلاد بمحافظات إدلب والرقة والحسكة.

  نزوح داخلي وخارجي لأكثر من 13 مليونًا

إلا أن هناك عاملًا رئيسيًا يتمثل فيما يمكن تسميته بالجبهة الداخلية المتصدعة، بسبب إرهاق المواطنين السوريين بسبب العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية الصعبة، في بلد لم يعرف سوى رئيسين فقط خلال الـ53 عامًا الأخيرة، حيث حكم الرئيس حافظ الأسد أكثر من 29 عامًا وتلاه ابنه بشار الذي أمضي 24 عامًا بالحكم حتي الآن، وتسبب الحرب الأهلية التي شهدت صراعًا مسلحًا امتد لسنوات في دمار آلاف المنازل، ونزوح نحو 7.2 مليون مواطن داخل البلاد بخلاف أكثر من 6.5 مليون آخرين نزحوا خارج البلاد، خاصة إلى تركيا ولبنان والأردن والعراق وغيرها من بلدان العالم.

وهكذا تسببت أحداث الحرب الأهلية  في تدهور الاقتصاد السوري بصورة كبيرة، حتى إن العديد من الجهات الدولية والإقليمية لم تعد تنشر أية بيانات عن الاقتصاد السوري منذ عام 2011 مثلما فعل صندوق النقد الدولي والاونكتاد وحتى صندوق النقد العربي.

ويمكن إدراك مدى التدهور الذي لحق بالاقتصاد السوري من خلال المقارنة ما بين بيانات عام 2010، وهو العام السابق للحرب الأهلية وبين آخر بيانات متاحة لأداء مكونات الاقتصاد السوري، والتي يمكن التعبير عنها إجمالًا من خلال رقم الناتج المحلي الإجمالي كرقم شامل لأداء الاقتصاد، والذي بلغ عام 2010 نحو 59.1 مليار دولار محتلًا المركز السابع والستين دوليًا، وهو الرقم الذي تراجع كثيرًا بسنوات الحرب الاهلية، حتى وصل لأقل من 9 مليارات دولار بالعام الماضي محتلًا المرتبة 153 بالعالم.

وهكذا بلغ نصيب المواطن السوري من الدخل القومي عام 2010 ثم تدهور هذا النصيب ليصل إلى 560 دولارًا بالمرتبة 192 بالعالم، وهكذا كان الاقتصاد السوري قبل الحرب الأهلية يحقق فائضًا في التجارة السلعية مثلما حدث منذ عام 2001 وحتى 2004 وكذلك عام 2006، كما كان يحقق فائضًا بالتجارة الخدمية مثلما حدث طوال الفترة من 2004 وحتى 2010، نتيجة الفائض التي كان يحققه قطاع السياحة، لكنه بعد الحرب الأهلية أصبح العجز هو الامر السائد سواء بالتجارة السلعية أو بالتجارة الخدمية.

وهكذا تراجعت قيمة الصادرات السلعية السورية كثيرًا بسنوات الحرب الأهلية، والتي تحسنت بالعام الماضي لتصل إلى 5.5 مليار دولار، بالمركز 119 بالعالم، بينما كانت 12.8 مليار دولار عام 2010 بالمركز 78 دوليًا، والأخطر من ذلك هو تدني نسبة تغطية الصادرات السلعية للواردات السلعية، والتي وصلت إلى نسبة 8% كما حدث عامي 2018 و2019 و11% عامي 2014 و2022.

   احتياطيات لا تكفي واردات شهر واحد

فقد تسبب الأداء الاقتصادي قبل الحرب الأهلية ببلوغ الاحتياطيات من العملات الأجنبية 20.6 مليار دولار، رغم الجفاف الذي ضرب البلاد واستمر منذ عام 2006 وحتى 2011، وهي الاحتياطيات التي تم استنزافها بسنوات الحرب الأهلية حتى وصلت حاليًا إلى 401 مليون دولار، والتي لا تكاد تغطي قيمة واردات سلعية لمدة شهر واحد، وهو ما يظهر أثره بأزمات نقص المحروقات المتكررة نتيجة صعوبة تمويل استيرادها بجانب أثر العقوبات الغربية على البلاد.

وانعكس تدهور أحوال الاقتصاد على سعر صرف الليرة السورية والذي كان قد بلغ 46.5 ليرة للدولار عام 2010، لكنه تدهور خلال سنوات الحرب الأهلية حتى وصل إلى 1256 بنهاية عام 2021، لكنه رغم توقف الحرب الأهلية فقد استمر سعر الصرف بالتدهور بصورة متسارعة، ليصل إلى 2513 ليرة عام 2022، ثم إلى 12 ألفًا و700 ليرة بنهاية 2023، واستمر الانخفاض ليصل إلى 13 ألفًا و668 ليرة بالبنوك وشركات الصرافة خلال كتابة تلك السطور.

وفي بلد يعاني منذ سنوات طويلة من العجز التجاري والخدمي، فمن الطبيعي أن ينعكس أثر تدهور سعر الصرف على أسعار السلع والخدمات، وهو ما عبر عنه معدل التضخم الرسمي الذي بلغ 163% عام 2020 وهو أمر ارتبط بآثار فيروس كورونا على الاقتصاد، ولهذا انخفض التضخم إلى 79% بالعام الاول بعد كورونا، ثم زاد إلى 84% بعام 2022 مع أثر الحرب الروسية الأوكرانية على أسعار الغذاء المستورد، ورغم تحسن الأسعار دوليا بالعام الماضي إلا أن معدل التضخم بلغ أكثر من 139%، وبالعام الحالي وفي ضوء توافر بيانات الشهور الأربعة الأولى من العام، فقد كان أقل معدل للتضخم بشهر إبريل/نيسان 120%.

ويؤثر التضخم على تدهور مستوى المعيشة للمواطنين، حيث يستوعب أية زيادة بالأجور للعاملين بالحكومة، ويؤدي للركود بالأسواق نتيجة قلة الشراء، ويكرس خروج رجال الأعمال السوريين للاستثمار بالخارج، ويمنع مع غيره من عوامل عدم الاستقرار السياسي والأمني إحجام الاستثمار الأجنبي عن القدوم، ويتسبب في ضعف استفادة المواطنين بالمخصصات المرصودة بالموازنة الحكومية، نتيجة زيادة معدل التضخم عن نسبة نمو المخصصات بالموازنة الحكومية خاصة فيما يخص الدعم الاجتماعي، مما يعني تناقص حقيقي بقيمة مخصصات الدعم عند حسابها بالدولار رغم زيادتها بالليرة السورية.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان