“نعيم قاسم” و”أبو عبيدة”.. هل تعافى حزب الله؟
توالي “الظهور إعلاميًّا” للناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة (7/10/2024)، ومن بعده نائب الأمين العام لحزب الله اللبناني الشيخ نعيم قاسم (8/10/2024- للمرة الثانية خلال أسبوع)، مصحوبا برسائل مهمة حملتها خطابهما.
عقب إطلالة الشيخ قاسم، وطوال يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين انهالت مئات الصواريخ على مُدن حيفا، وما حولها، وصفد، وطبرية، ونهاريا، ومستوطنات الشمال، و”عاصمة الكيان تل أبيب”، بفلسطين المُحتلة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsجريمة الاغتصاب تزيد الحالة السودانية بشاعة
سارة نتنياهو.. المرأة الشريرة في إسرائيل
الذين عادوا من الفضاء!
أسفرت هذه الضربات الصاروخية، عن إحالة الحياة بمدينة حيفا، وضواحيها (600 ألف نسمة تقريبا) إلى جحيم.. تعطلت فيها المدارس، وفي الكثير من المُدن الإسرائيلية، وذلك، وفاء لوعيد “قاسم”، في كلمته، بتهجير مستوطني مناطق إسرائيلية أخرى.
حيفا.. والهدهد 3
بدا واضحا من تركيز القصف على حيفا وما بعدها استهداف “الحزب”، لإفراغها من سكانها ليلحقوا بمستوطني الشمال وإصابتها بالشلل.. كونها قلعة عسكرية واقتصادية مُهمة إسرائيليا (مطار، وميناء، ومجمعات صناعية، ونفطية). وفي هذا رسالة بالنار مفادها: تفريغ حيفا والشمال الفلسطيني مقابل إخلاء الجنوب اللبناني من سكانه. فقد نشر “حزب الله” أمس (الأربعاء) فيديو جديدا لما رصدته مُسيرة الهدهد 3، لأهم قاعدة جوية إسرائيلية، وهي الوحيدة في الشمال، وتضم مقاتلات متنوعة ومنصات للقبة الحديدية، وغيرها الكثير من الإمكانات الحربية، في إشارة إلى قدراته الاستطلاعية وإنذار للاحتلال، باستهداف هذه القاعدة إن أراد. معلوم أن “الأهداف” التي يتم قصفها في حيفا، كانت مما صورته مُسيرات الهدهد 1، و2، في يوليو/ تموز الماضي.
الاغتيالات لا تصنع نصرا
هذه “الهجمات الصاروخية” المُكثفة، أكدت رسالة “قاسم” في كلمته بأن قدرات “الحزب” التسليحية، لم تتأثر بما جرى من استهداف واسع لقياداته وتصفيتهم. فمثل هذه “الاغتيالات”؛ وإن كانت مؤلمة، تضرب المعنويات بصفوف الحزب، والبيئة الحاضنة له، إلا أن الثابت تاريخيا أنها لا تصنع نصرا سوى في حدود ضيقة “زمنيا”. فالصراع الفلسطيني الإسرائيلي شهد المئات من وقائع الاغتيال لقيادات فلسطينية دون أن تموت المقاومة أو تتوقف. فالموت في سبيل الله هو أسمى ما يتمناه أي مقاوم لأنه نال الشهادة. فالحركات المقاومة جاهزة دائما، بالبدائل لحمل راية الجهاد، وإلا لكانت المقاومة الفلسطينية قد ماتت برحيل زعيمها “السوري” الشيخ عز الدين القسام عام 1935م، حال استُشهاده في الميدان مقاوما للاحتلال الإنجليزي لفلسطين.
المستوطنون مقابل اللبنانيين
الضربات الصاروخية المتلاحقة للمدن الإسرائيلية تقطع بمصداقية الشيخ نعيم قاسم في إطلالته، بإعلانه شغل جميع المراكز القيادية العسكرية، والسياسية، التي طالتها الاغتيالات (ما عدا موقع الأمين العام للحزب، فسيتم شغله لاحقا)، بما يعني نهوض “الحزب”، من محنته، واستعادته زمام القيادة والسيطرة العسكرية، والسياسية، ومن ثم لياقته القتالية لمواجهة الكيان الصهيوني. يُبرهن على هذا فشل “جيش الاحتلال”، على مدار ثمانية أيام في التقدم بريًا، ولو بضعة أمتار محدودة في جنوب لبنان، بل سقط منه عشرات الجنود قتلى وجرحى. هذا، رغم مئات الغارات الجوية على مناطق الجنوب لـ 20 يوما سابقة. لافت للانتباه، أن الهجمات على مستوطنات مثل كريات شمونه، وأشباهها تؤشر بأن “الحزب”، يهدف لتفعيل معادلة استهداف المستوطنين الإسرائيليين مقابل المدنيين اللبنانيين، وهي المعادلة التي كان حسن نصر الله، قد تحدث عنها وهدد بها، قبل استشهاده.
قصة هجوم تيت
نأتي إلى خطاب أبي عبيدة في الذكرى الأولى لطوفان الأقصى، فأهم الرسائل المُستخلصة منه أن المقاومة الفلسطينية تطور من أساليبها القتالية وتكتيكاتها وتشكيلاتها لـ “استنزاف” جيش الاحتلال. أي أنها مستمرة، لم تُهزم ولن تستسلم أو تتراجع حتى استعادة كافة الحقوق المشروعة. طوفان الأقصى وتداعياته من تحريكه وإشعاله لجبهات الإسناد، وانعكاساته السياسية التي منحت القضية الفلسطينية قُبلة الحياة عالميا بعد شبه موات يُماثل ما يُعرف تاريخيا بـ “هجوم تيت” عام 1968. قصة هذا الهجوم ترجع إلى الحرب الفيتنامية (1954- 1975)، بين الشمال الشيوعي (عاصمته هانوي)، والجنوب (عاصمته سايغون) الموالي لـ “أمريكا” التي تدخلت ضد الثوار الجنوبيين وحكومة الشمال الداعمة لهم. استهدفت أمريكا، منع “فيتنام” من التوحد تحت الحكم الشيوعي، فأرسلت عدة آلاف من الجنود سُرعان ما زادوا، إلى نصف مليون جندي، شنت أمريكا حربا شعواء على الشمال طوال هذه السنوات، ارتكبت خلالها المجازر (كما في قطاع غزة).
المقاومة الفيتنامية.. والسفارة الأمريكية
في النهاية، فشلت أمريكا في تحقيق هدفيها بالقضاء على الحكم الشيوعي الشمالي، والثوار الجنوبيين. ثم كان انسحاب جيشها عام 1975 مُهينا ومُذلا على شاكلة انسحابه من أفغانستان عام 2021، بعد 20 عاما من الاحتلال، لتعود حركة طالبان للحكم. كانت الموقعة الفاصلة في الحرب الفيتنامية، هي “هجوم تيت” الصادم للأمريكان، الذي نفذته المقاومة الفيتنامية (يناير 1968)، مع الجيش الشعبي الفيتنامي الشمالي، بالتزامن على أكثر من”100 موقع” بينهم السفارة الأمريكية في الجنوب، بالاستعانةً بشبكة أنفاق محفورة منذ الأربعينيات.
استوعب الأمريكان الصدمة وألحقوا خسائر فادحة بالمقاومين، إلا أن هذا الهجوم كان فارقا، وكان بمثابة هزيمة استراتيجية لـ “أمريكا”، ليؤدي (بعد سنوات قليلة) إلى انسحابها بشروط الثوار لتتوحد فيتنام، تحت الحكم الشيوعي الذي حاربته 21 عاما. كان تعليق هنري كيسنغر وزير الخارجية الأمريكي (1973- 1977)، الموصوف بالداهية، على هذا الهجوم قائلا: لقد خُضنا حربًا عسكرية، بينما خاض “خصومنا” حربًا سياسية.. سعينا لاستنزافهم ماديا، بينما كان هدفهم إرهاقنا نفسيًا. كانت رسالة المقاومة الفيتنامية من هجوم تيت كما طوفان الأقصى أن “المقاومة” مستمرة كما في فلسطين، ولبنان بعد تعافي حزب الله، وأنها لن تستسلم. كما أن الطوفان سيظل يُنتج مفاعيله حتى يتم اقتلاع الكيان الغاصب يوما، لعله يكون قريبا.
المجد للمقاومة.