السقوط حدث بالفعل.. والكراهية أصبحت واقعًا

أعتقد أننا يجب أن نتوقف طويلًا، أمام التناول والتداول الغربي، الذي أصبح يردد بصياغات مختلفة أنه “إذا سقطت إسرائيل سقطنا معها”، فربما كانت وجهة النظر هذه وحدها كفيلة بكشف ذلك الزيف الشائع في كل الشعارات الغربية دون استثناء، التي تدور حول العدالة والإنسانية وحقوق الإنسان، ذلك أننا أمام كيان صهيوني ساقط أخلاقيًّا وإنسانيًّا وقانونيًّا، بما يتعارض مع هذه الشعارات، التي أصبحت لا تقنع أحدًا، حتى في الداخل الغربي، الذي تجتاحه مظاهرات الاحتجاج على هذه الممارسات.
ونظرًا إلى أن السقوط الإسرائيلي يتم بسلاح غربي أمريكي، ودعم سياسي، وحماية في المحافل الدولية، فقد جاءت هذه الرؤية الغربية، لتؤكد أن ممارسات ذلك الكيان، تمثل هذه الأنظمة الاستعمارية مجتمعة، بما يعني أن السقوط الأخلاقي والسياسي، قد طال الجميع على مدى عقود مضت، أمريكيين وغربيين وإسرائيليين في آن واحد، ولسنا في حاجة إلى السقوط العسكري كي نثبت ذلك، وهو ما سوف يتحقق أيضًا عاجلًا أو آجلًا، وإلا لما كانت كل هذه المخاوف والتحذيرات.
اقرأ أيضا
list of 4 items“بلبن”.. لماذا الإغلاق والتشميع؟
تسليم سلاح المقاومة!.. ماذا تبقى للوطن؟
مناجم الملح في سيوة.. كنز أبيض وسط الرمال
هنا نتذكر أحداث ما بعد انهيار برجي مركز التجارة العالمي بنيويورك، في سبتمبر/أيلول 2001، حينما تداولت الأوساط الإعلامية والسياسية الأمريكية بصورة واسعة، شعار “لماذا يكرهوننا؟” في إشارة إلى المسلمين، المتهم الأول في عملية تفجير البرجين، وكان ذلك في إطار تهيئة الرأي العام والتحضير للغزو المرتقب والسريع، لكل من أفغانستان في نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، ثم العراق في مارس/آذار 2003، في دلالة بالغة على وقوف جهات صهيونية، بالغة الدهاء والتآمر، خلف مجريات كل تلك الأحداث، التي استهدفت تشويه صورة الإسلام والعالم الإسلامي في آن واحد، واستهدفت ثروات العالم العربي في الوقت نفسه.
دام الاحتلال الأمريكي لأفغانستان 20 عامًا بالتمام والكمال، قتلوا خلالها ما يزيد على مليوني مدني أفغاني، كما استمر احتلال العراق حتى الآن 21 عامًا، قتلوا خلالها أيضًا ما يقرب من مليوني عراقي، فضلًا عن ارتكاب أبشع أنواع الجرائم في البلدين، كما استنزفوا ثرواتهما، بل ثروات المنطقة كلها، وسخّروا جميع المنظمات والمحاكم والمحافل الدولية لخدمة أهدافهم، وسط حملات دعائية كاذبة وغير مسبوقة، ساهم فيها الإعلام العربي للأسف بنصيب وافر، بالإذعان تارة، والغباء تارة أخرى.
المواجهة أصبحت حتمية
بالتزامن مع عمليات الغزو هنا وهناك، كانت العناوين الرئيسية للصحف العربية تحمل “تصريحات التخدير” من المسؤولين الأمريكيين، حول انفراج وشيك للقضية الفلسطينية، من خلال ما يسمى حل الدولتين، وكأن تلبية حقوق الفلسطينيين تبدأ من احتلال أفغانستان والعراق، وذلك امتدادًا للعبث الذي بدأ منذ عام 1994 مع ما يسمى اتفاقيات أوسلو، التي كان يجب أن يحصل الفلسطينيون من خلالها على دولتهم المستقلة، بعد ثلاث سنوات من التوقيع، إلا أنهم في النهاية، كما نشاهد، يتعرضون على مدار الساعة إلى حرب إبادة، هي الأبشع، من بين كل حروب العصر الحديث.
أعتقد أن الشعار الأمريكي “لماذا يكرهوننا؟” الذي تم إطلاقه عام 2001 عن خبث ومكر آنذاك، أصبح حقًّا الآن للعرب والمسلمين، عن صدق وعدل هذه المرة، خصوصًا بعد ذلك الذي نرى على الساحة الفلسطينية تحديدًا، من دعم غربي أمريكي مسلح منقطع النظير لظلم الكيان الصهيوني، وأصبح الأمر يتطلب حضورًا قويًّا، بالتعامل مع الواقع بما تقتضيه الضرورة، من مواجهة في الرد أصبحت حتمية، بدلًا من أن نتخندق بالدفاع عن أنفسنا طوال الوقت، مرددين أننا لا نكرههم، مجبرين ومكرهين.
المواجهة الحتمية هنا يجب أن تطرح العديد من الاستفسارات، التي تتمحور حول السؤال الأهم وهو: ولماذا لا نكرهكم؟! أو بمعنى آخر: ولماذا نحبكم؟! وقد فعلتم كل ما من شأنه نشر الكراهية والبغضاء على الساحتين العربية والغربية معًا، لأسباب عفا عليها الزمن، تتعلق بالهيمنة والسيطرة والاستعمار والنفوذ والابتزاز، فضلًا عن الطائفية المقيتة، والعرقية المشينة، والاستعلاء السافر، الذي كان سببًا في كل مآسي المنطقة، مع الإصرار على استمرار زرع ذلك الكيان الصهيوني بها.
هنتنجتون أكثر وضوحًا
ربما كانت التصريحات الغربية المتحاملة على المسلمين والعرب بين الحين والآخر، أكثر قبولًا من تصريحات رسمية، تتشدق طوال الوقت بعبارات نفاق رنانة، عن حل الدولتين بالنسبة للقضية الفلسطينية، وهم يدركون أن تحقيق هذا الحل أصبح مستحيلًا، بحكم الأمر الواقع من جهة، وبحكم الرؤية التوسعية الصهيونية المستمدة من عقيدة مزيفة من جهة أخرى، وربما يؤْثر هؤلاء عدم التوسع في الشرح، بأن نهضة العرب والمسلمين معناها أيضًا نهايتنا، وذلك امتدادًا لعقيدة سياسية غربية فاسدة كذلك، عبرت عنها كتابات كثيرة، وممارسات مرعبة، إلا أن ما فات هؤلاء وأولئك، هو أن السقوط قد حدث بالفعل.
وقد كان الكاتب الأمريكي، الأستاذ بجامعة هارفارد صامويل هنتنجتون المتوفى عام 2008، أكثر وضوحًا، حينما أكد في كتابه “صدام الحضارات” أن صراعات ما بعد الحرب الباردة، لن تكون بين الدول القومية واختلافاتها السياسية والاقتصادية، بل ستكون الاختلافات الثقافية هي المحرك الرئيسي بين البشر، وهو ما نراه الآن على الساحة الأمريكية الغربية بشكل عام، فيما يتعلق بالعلاقة مع العالم الإسلامي بشكل خاص، بعد أن غدت الصهيونية العالمية تعمل، جهارًا نهارًا، على تغذية هذا الطرح، المتعلق بخطورة الإسلام والمسلمين على الغرب والغربيين.
على أية حال، أصبح واضحًا، وبما لا يدع مجالًا للشك، ومن خلال ما تؤكده التصريحات الأمريكية الغربية، ومن خلال الممارسات على أرض الواقع، أن وجود ذلك الكيان الصهيوني بالمنطقة، يحقق أهدافًا مريبة لهؤلاء وأولئك، تتعلق باستمرارها متوترة، بما يعرقل نماءها وتطورها، ويعمل على استنزاف ثرواتها بالدرجة الأولى، بما يعني أن الجهود العربية يجب أن تتمحور هي كذلك حول كيفية الخلاص من ذلك التهديد الآني والمستقبلي، المعلن منه والمبهم.
في الوقت نفسه، اعتبار أن ما يجري الآن على الساحة، من مواجهة مع الكيان، تقودها المقاومة الفلسطينية بالدرجة الأولى، إضافة إلى جبهات الإسناد الأخرى، إنما هو بمثابة رأس حربة، للدفاع عن العالم العربي من المحيط إلى الخليج، لوقف تحقيق تلك الأهداف، التي تنطلق من استمرار احتلال الدولة الفلسطينية، والتوسع في سياسة الاحتلال على كل الجبهات، لتحقيق ما جاء في خرائط صهيونية معلنة لا تستثني أحدًا.