هل يدرك العرب حقيقة ما وراء تصعيد الحرب الإسرائيلية على لبنان؟

بايدن زار إسرائيل بعد ايام من اندلاع الحرب في غزة وعانق نتنياهو تعبيرا عن المساندة والدعم
بايدن ونتنياهو في أول زيارة بعد الحرب (رويترز)

ليس هناك من شك في أن العدو المشترك للمنطقة العربية والشرق الأوسط عموما هو الاحتلال الإسرائيلي ورعاته الغربيين، وهذا ما تحسمه الجغرافيا وينطق به التاريخ.

بعد طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، شن الاحتلال الإسرائيلي بدعم أمريكي غربي حرب إبادة على غزة ما زالت مستمرة حتى الآن، وتوسعت الحرب لتشمل لبنان، في الوقت الذي شمل العدوان الإسرائيلي كلا من اليمن وسوريا والعراق وإيران.

ماذا وراء التصعيد الإسرائيلي للحرب في المنطقة؟

ومع توسع العدوان الإسرائيلي ضد لبنان، والتصعيد على جبهات أخرى في المنطقة، يطرح سؤالٌ نفسه، وهو: هل العرب يدركون الأهداف وراء تصعيد الحرب على لبنان، وإشعال حرب إقليمية شاملة؟

وما الذي تجنيه الدول المطبعة والمنتظرة للتطبيع من القضاء على المقاومة، وتدمير مقدرات دول حاضنة لها في المنطقة؟

وهل يمكن أن تنسجم المصالح الحقيقية لشعوب المنطقة ودولها مع أهداف الاحتلال الإسرائيلي ورعاته الغربيين؟

لفهم ما وراء التصعيد الإسرائيلي المحموم للحرب في المنطقة، لابد من عودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، يوم خطاب رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعرضه خريطة ما يُسمى “الشرق الأوسط الجديد” وفقا لتصوره، وهي تلك الخريطة التي تريد إسرائيل وأمريكا والغرب تفعيلها على أحر من الجمر، ولكنها تنتظر استكمال التطبيع، الذي تضغط لأجله واشنطن مع دول المنطقة، وخاصة مع الرياض، التي يمثل التطبيع معها أهمية بالغة ويحمل أبعادا ذات دلالات كبرى.

حرب إسرائيلية تحقق الأهداف الأمريكية

ويعد من الخطأ الاعتقاد بأن الحرب الإسرائيلية الأمريكية الغربية المستمرة على غزة ولبنان ردة فعل على طوفان الأقصى؛ ولكنها تأتي ضمن مخطط أمريكي أوسع للمنطقة، يستوجب القضاء على المقاومة في غزة ولبنان ومن يقف حائلا أمام تحقيقه.

إن الحرب التي تشنها إسرائيل في المنطقة تتجاوز أهداف تل أبيب المعلنة، لتلتقي مع الأهداف الأمريكية الأوسع في المنطقة.

يحقق العدوان الإسرائيلي العسكري المستمر في المنطقة الأهداف والمصالح الاستراتيجية الأمريكية وينسجم معها ضمن إطار الصراع على النفوذ العالمي.

إن الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة ولبنان وباقي محور المقاومة، هي حرب بالإنابة عن أمريكا والغرب، ولا تتعلق بتشكيل الحدود والسيطرة على الأرض فحسب، بل إنها حلقة كبرى ومهمة في سلسلة صراع نفوذ اشتعل في أوكرانيا وامتد لحلبة الشرق الأوسط الذي تدفع دوله ثمنا باهظا.

وتقدم طموحات أمريكا الجيوسياسية في المنطقة وفي غرب القارة الآسيوية تفسيرا لدعم واشنطن وشراكتها الكاملة لإسرائيل في حربها على غزة ولبنان؛ حيث تسعى أمريكا عبر الذراع الإسرائيلي لتحقيق الهيمنة الكاملة على المنطقة وإعادة تدوير الاستعمار الغربي بوجوهه المختلفة؛ عسكريا واقتصاديا وتجاريا.

كيف تتصور أمريكا الوضع في المنطقة؟

قبل طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كانت واشنطن ترى أن المنطقة مهيأة لتحقيق التطبيع مع إسرائيل، وأن فرصة إحداث تغيير دائم فيها خادم للرؤية الأمريكية الغربية بات قريب المنال، لكن طوفان الأقصى أطاح بذلك كله.

وخلال عام كامل لم تتوان واشنطن عن تقديم كل سبل الدعم الممكنة لإسرائيل في حربها على غزة ومن بعدها لبنان.

تعتقد الإدارة الأمريكية من وجهة نظرها، بعد مرور عام من الحرب الإسرائيلية الوحشية، أن تهديد حماس العسكري قد تقلص بشكل كبير، كما أن القضاء على القيادات التاريخية لحزب الله يحقق الأهداف الأمريكية الرامية لإحداث تحول إقليمي عميق، أبرز صوره تتمثل في استعادة السيطرة على لبنان من حزب الله، وتحقيق باقي مشاريع التطبيع بين إسرائيل والدول الرئيسية في المنطقة.

تعمل الإدارة الأمريكية حثيثا على تحويل ما تراه مكاسب إسرائيلية عسكرية تكتيكية إلى نجاح سياسي إستراتيجي، وفي سبيل ذلك لن تتوانى واشنطن عن مواصلة دعم إسرائيل ضد إيران وباقي قوى المقاومة في المنطقة، التي تقف حائلا أمام تحقيق الاستراتيجية الأمريكية، مهما كانت مخاطر الانزلاق نحو حرب شاملة.

ترى النخبة الأمريكية أن الحرب على لبنان تمثل فرصة ثمينة لتقليص التهديد الإيراني، ويصف كبار مسؤولي الأمن القومي الأمريكيين العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد لبنان بأنها لحظة حاسمة في التاريخ، من شأنها إعادة تشكيل الشرق الأوسط للأفضل في السنوات القادمة، وبالطبع هذا الأفضل من وجهة نظرهم هو ما يحقق الأهداف الجيواستراتيجية الأمريكية، ويصب في تعزيز مصداقية واشنطن على الساحة الدولية، وهو ما يمثل عنصرا حاسما في المنافسة مع الصين على وجه التحديد.

لحظة فاصلة في تاريخ المنطقة

تمر المنطقة العربية والشرق الأوسط بمنعطف تاريخي، وما زالت تفاعلات معركة طوفان الأقصى مستمرة، وتقود نحو تعزيز الوعي بأن هناك عدوا مشتركا، ليس من مصلحة أحد أن ينتصر؛ وهو ما يستوجب وقفة تاريخية تتعالى على كل صدع بين دول المنطقة، التي لن تسلم أي منها إذا استطاع هذا العدو المشترك أن يحقق أهدافه الخبيثة، والتي يشرع في تنفيذها عبر بوابة لبنان.

“خطة خبيثة” يجري تنفيذها، هكذا حذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مما تقوم به إسرائيل، مشيرا إلى أنها لا تقتصر على غزة والضفة الغربية ولبنان، موضحا أن بلاده “لن تتغاضى عن تمزيق المنطقة”.

وعندما يحذر الرئيس أردوغان، الذي تمثل بلده إحدى دول الأركان في المنطقة، من مخطط خبيث وراء التصعيد الإسرائيلي في المنطقة، فلابد أن يؤخذ الأمر على أعلى محمل ممكن من الجدية، باعتبار الخطر الذي يهدد باقي دول الشرق الأوسط وفي القلب منها الدول العربية.

ختاما

ما يبدو مستغربا، ويصيب المراقب للمشهد العربي بالدهشة، هو: أن الدول العربية تبدو مستسلمة تماما للأمر الواقع، وخاضعة بالكلية للنفوذ الأمريكي، رغم أن تقويض أمن هذه الدول أو بعضها في مرمي هدف المخطط الإسرائيلي الاستراتيجي، وهو ما يستوجب منها ضرورة الخروج من هذا المأزق الواقع حتما عاجلا أو آجلا، والذي سيضع كثيرا من دول المنطقة في حرج بالغ ومواجهة مع الشعوب الغاضبة.

ورغم الأهداف الواضحة للمخطط وراء تصعيد الحرب في المنطقة، إلا أن تحقيقها ليس أمرا مقضيا.

يملك العرب مجتمعين مقدرات تمكنهم من مواجهة إسرائيل ورعاتها الأمريكيين والغربيين، ولكن ينقصهم حتى اللحظة أن يملكوا الإرادة ويتغلبوا على خلافاتهم.

فهل يدرك العرب الآن حقيقة ما وراء تصعيد الحرب الإسرائيلية على لبنان؟!

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان