القوة الغاشمة لا تحقق نصرًا ولكن جريمة ضد الإنسانية!

العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان يمكن أن يؤدي إلى تغيير الشرق الأوسط، وفتح المجال لتطوير نظريات السياسة والقيادة والإعلام والاجتماع والتخطيط الاستراتيجي وإدارة الصراع.
وتوضح الأحداث أن العالم يحتاج إلى قيادات جديدة تستخدم خيالها السياسي في القراءة المتعمقة للواقع، واستشراف المستقبل، فقد برهن العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان أن القوة الغاشمة لا تحقق وحدها نصرًا، لكنها تستخدم في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية مثل الإبادة الجماعية والتهجير القسري والتفرقة العنصرية.
انهيار الوضع القائم
يبرهن ألوف بين -رئيس تحرير جريدة هآرتس- في مقاله الذي نشرته مجلة الشؤون الخارجية (فورين افيرز) على أن حماس تحدت الوضع القائم، وأنها دفعت الجميع للاعتراف بأن كل شيء تغير، فثقة إسرائيل في نفسها تمزقت، وسقطت كل المعتقدات عن الأمن والسياسات والأنماط الاجتماعية!
اقرأ أيضا
list of 4 itemsقراءة قانونية في الانتهاكات الإسرائيلية واختطاف السفينة مادلين
غرور القوة وأوهام النصر المطلق
هل يسقط النظام الإيراني.. وهل تتدخل أمريكا؟
فقبل هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول كان الجيش وأجهزة المخابرات والجمهور الإسرائيلي يعتقدون أن ميزان القوى لصالح إسرائيل؛ لذلك فشل الجميع في تصديق أن حماس يمكن أن تجرؤ على القيام بتلك العملية؛ بالرغم من أنه كان معروفًا لسنوات أن المقاومة الفلسطينية تستعد لغزو إسرائيل، وقتل جنودها وخطفهم.
وكان من نتائج هذا الهجوم أن قيادات الجيش الإسرائيلي فقدت نفوذها؛ بعد أن ظهرت تفاصيل فشلها في منع الاعتداء.
بعد هجوم حماس ركز النتن ياهو كل السلطات في أيدي مجلس الوزراء المصغر (الكابنيت)، واستدعي 250 ألفًا من جنود الاحتياط ليشن عدوانه على غزة للانتقام الوحشي؛ فحول مليونين من أهلها إلى لاجئين، وقتل 43 ألفًا، واحتل غزة.. لكن بالرغم من ذلك يشعر الإسرائيليون بالهزيمة، ولم يتمكن النتن ياهو من تحقيق الأهداف التي حددها، وفشل في تحقيق النصر؛ فلم يستسلم قائد حماس يحيى السنوار، وما زال أكثر من مائة أسير في أنفاق غزة نصفهم على الأقل ما زالوا أحياء طبقًا لبيانات النتن ياهو.
عزلة دولية وأزمة اقتصادية
من أهم الأفكار التي تضمنها مقال ألوف بين أن إسرائيل أصبحت تعاني من عزلة عالمية أثرت على اقتصادها، وأسهمت في شعور الإسرائيليين بالعجز واليأس؛ فبالرغم من أن الحكومات الغربية أطلقت يد إسرائيل للحرب في غزة؛ إلا أن إسرائيل أصبحت بعيدة عن العالم؛ فمعظم شركات الطيران أوقفت رحلاتها إلى تل أبيب، وتزايدت المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الغربية، وفي شوارع المدن؛ فالجماهير أصبحت تشاهد ما يقوم به جيش الاحتلال الإسرائيلي من عملية إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني.
النصر الكامل وهم يؤدي إلى الدمار
بالرغم من أن خسائر إسرائيل تتزايد، وأصبحت تتعرض لأزمة اقتصادية، وتعرضت سمعتها الأخلاقية للسقوط في الشرق الأوسط وفي العالم كله؛ إلا أن النتن ياهو ما زال يتمسك بفكرة النصر الكامل التي ستؤدي إلى مزيد من الضحايا والدمار الاقتصادي.
وتتمثل فكرة النصر الكامل كما يتصورها النتن ياهو وائتلافه اليميني الحاكم في خلق دولة يهودية من النهر إلى البحر، واحتلال غزة بشكل كامل، وضم الضفة الغربية، ولتحقيق هذه الفكرة يتم تطبيق سياسة الفصل العنصري، وتطبيق الديكتاتورية، وهذا يشكل تهديدًا للديموقراطية والقيم الليبرالية.
تمكن النتن ياهو من السيطرة على الأجهزة الأمنية، واستخدمها بن غفير في قمع الآراء المعارضة في إسرائيل، ومواجهة المظاهرات بعنف، وبذلك حولها إلى وسيلة شخصية يستخدمها اليمين لفرض سيطرته على المجتمع الإسرائيلي، وقام بترقية الضباط الذين واجهوا بعنف الاحتجاجات ضد الحكومة، وتشجيع المستوطنين على ارتكاب الجرائم ضد العرب خاصة في الضفة الغربية لفرض الهيمنة اليهودية.
ويستخدم بن غفير الأجهزة الأمنية لتحقيق هدفه في توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، والسيطرة على مزيد من الأراضي تمهيدًا لتحقيق هدفه في ضم الضفة الغربية.
الانقسام المجتمعي وهجرة الليبراليين!
أصبح النتن ياهو يتبنى المعتقدات الأيديولوجية لحلفائه اليمينيين؛ مما أدى إلى زيادة الانقسام المجتمعي، واتساع الفجوة مع العلمانيين الذين يرون أن إسرائيل جزء من الغرب، وأنها مجتمع غربي متقدم، وشعر الليبراليون أن النتن ياهو يقوم بتهميشهم وشيطنتهم.
لذلك لم يعد أمام الليبراليين -كما يرى ألوف بين- سوى أن يهاجروا بشكل مؤقت، والحصول على جوازات سفر أجنبية؛ وبالرغم من أن هذه الظاهرة بدأت منذ انقلاب النتن ياهو القضائي؛ إلا أنها تزايدت بعد الحرب؛ حيث شكلت هجرة المتعلمين ظاهرة، واتجه الكثير منهم إلى اليونان والبرتغال وتايلاند ولندن ونيويورك، وخطط بعضهم للاحتفاظ بوظائفهم في إسرائيل والعمل عن بعد.
استمرار الاحتجاجات ضد الحكومة!
يرى ألوف بين أن الاستراتيجية الثانية التي يجب أن يقوم بها الليبراليون هي الاستمرار في الاحتجاجات ضد حكومة النتن ياهو، والدعوة لعقد صفقة لإطلاق سراح الأسرى، وبلغت هذه الاحتجاجات ذروتها في أغسطس/آب الماضي بعد أن قامت حماس بإعدام ستة أسرى.. لكن تلك الاحتجاجات التي شارك فيها مئات الآلاف لم تؤثر على رفض النتن ياهو للتوصل إلى صفقة، ومع ذلك تتزايد المعارضة ضد استمرار الحرب؛ حيث أصبحت الأغلبية مقتنعة باستحالة تحقيق النصر، وأن النتن ياهو يرفض الصفقة لحماية نفسه بعد أن مكن اليمينيين من السيطرة على المؤسسات الحكومية.. وبذلك حطم الفخر الداخلي للإسرائيليين الذي يقوم على أن إسرائيل تفعل أي شيء لإنقاذ الأسرى.
بالرغم من تحيز المقال لإسرائيل، إلا أن أهم الأفكار التي يتضمنها أن إسرائيل لا يمكن أن تحقق نصرًا بالرغم من استخدامها لكل الأسلحة المتقدمة تكنولوجيا.