نوبل للآداب تخاصم العرب
في بيت الطاعة يفقد الكاتب قلمه وأفكاره وتأثيره ويغدو أكثر أدبًا وتهذيبًا وأقل إنتاجًا وتأثيرًا.

كتب صديقي ما معناه أن الأديب الكبير الراحل طه حسين هو المصري الوحيد الذي كان يستحق جائزة نوبل ورُشح للجائزة أكثر من مرة بالفعل إلا أنه لم يحصل عليها.
فيما كتبه صديقي الموهوب مواجع شتى، فقد رأى أن الكاتب والأديب اللبناني ربيع جابر هو العربي الوحيد الآن الذي يمكن القول إنه يمتلك مشروعًا أدبيًا وروائيًا يؤهله للمنافسة على جائزة نوبل.
اقرأ أيضا
list of 4 items- list 1 of 4هذا الموسم .. بحر الدراما التركية يفيض
- list 2 of 4من إسطنبول إلى نيويورك.. مطاردة نتنياهو مستمرة
- list 3 of 4الزمالك «يترنّح» في خرافة المظلوميّة
- list 4 of 4رحل زغلول النجار.. جسر التواصل بين الجيولوجيا والسماء
في كلمة “الوحيد” التي وضعها صديقي في تدوينته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك عشرات الأسئلة والكثير من الشجن.
بشرح لا يخفى على أحد جاءت الكلمة الصادمة تحمل معنى أن الوطن الممتد من المحيط إلى الخليج بأعداده المليونية لا يملك إلا كاتبًا وحيدًا يمكنه الترشح والمنافسة على أرفع وأهم جائزة أدبية في العالم.
الحوار الذي دار على تدوينة صديقي ضم عددًا من الكتاب والمهتمين بالثقافة والإبداع، وجاء على خلفية إعلان فوز الكاتبة الكورية هان كانغ بجائزة نوبل في الآداب يوم الخميس الفائت.
في التنقل بين الأدب والسياسة يمكن الإجابة عن السؤال: لماذا خاصمت نوبل الأدباء العرب؟ ومن التدقيق في المناخ الحاكم للوطن العربي تبدأ الحكاية المؤلمة.
أدب الإنسان يحصد نوبل:
كانغ التي فازت بالجائزة عن جدارة واستحقاق تدور أعمالها الأدبية حول الإنسان، وكشفها- كما قالت الأكاديمية السويدية في بيان إعلان الفوز- لهشاشة الحياة البشرية، ولإدراكها الفريد للارتباطات بين الجسد والروح، والأحياء والأموات”.
في إعلان فوز هان كانغ ملاحظة مهمة، فالأديبة الكورية من مواليد عام 1970، وهو ما يعني أن أجيالًا جديدة في العالم ما زالت في الخمسينيات من عمرها أضحت مؤهلة بمشروعاتها الأدبية للفوز بالجائزة الدولية الشهيرة، فيما المقارنة بين نفس الجيل في العالم وفي الوطن العربي تبدو كئيبة ومحبطة.
تحت حكم النظم الاستبدادية تغيب أجيال ويختفي أثرها بحصار وتضييق على الإنسان.
في القمع والقيود ما يقتل الموهبة ويطفئ توهجها.
في روايتها “النباتية” التي فازت بجائزة بوكر الدولية تبدو هان كانغ عربية الهوى والهوية.
فالرواية تحكي قصة فتاة تحولت إلى “نباتية” بعد أن هجرت عالم اللحوم واختارت بشكل قاطع ألا تأكلها أبدًا، كان هذا كافيًا لكي تدفع النباتية أثمانًا غالية بسبب قرار شخصي جدًا ليس من حق أحد أن يتدخل فيه أو يوجهه أو يمنع صاحبه عنه.
ما جرى للنباتية من أزمات حياتية صعبة وضغوط أسرية واجتماعية كبيرة هو تعبير عن فلسفة أرادت كانغ أن ترويها، فحق الاختيار ممنوع، وقبول قيمة الاختلاف مرفوض، وفكرة التنوع غائبة مهما كان الاختيار بسيطًا وإنسانيًا ولا يمكن أن يتسبب في أذى للآخرين.
في قالب فني بديع وسياق عام حزين ومحبط كشفت كانغ في روايتها الجميلة طبيعة المجتمع الكوري الذي كان يعاني وقت صدور الرواية في عام 2007 من التزمت وضيق الأفق، والتضييق القاسي على الاختيار الحر، حتى أنه كان يرفض قبول أبسط القواعد الإنسانية.
بات الإنسان في رواية كانغ يدفع ضريبة اختيارات باهظة في مساحات شخصية وبسيطة لا تستحق هذه الكلفة المرهقة.
في كل المساحات الخاصة بأدب الإنسان وحياته وحقه في الاختيار، والقيود الاجتماعية والسياسية التي يتعرض لها، يبدو العالم العربي مؤهلًا للمئات من جائزة نوبل، إلا أن ذلك لم يحدث!
من العربي الذي يستحق الفوز بنوبل؟
في تدوينة صديقي طرح الكتاب والمثقفون أسماء لكتاب وأدباء عرب اعتبروها تستحق الحصول على الجائزة الشهيرة.
رشح المثقفون الذين تفاعلوا مع التدوينة أسماء الروائيين المصريين بهاء طاهر وصنع الله إبراهيم، والروائية اللبنانية حنان الشيخ والكاتب والروائي اللبناني ربيع جابر، والكاتب والروائي الأردني إبراهيم نصر الله، والأديب والروائي السعودي عبد الرحمن منيف وغيرهم، كأصحاب كتابات هامة ولها من الجمال الفني والتأثير ما يرشحها للفوز بالجائزة الأرفع في العالم.
في كل هذه الأسماء المهمة التي طرحت يبدو أن شيئًا ناقصًا.
قبل هذا الحوار كنت أؤمن دائمًا أن المثقفين العرب لا تنقصهم الموهبة للحصول على الجوائز العالمية، لكن ما ينقصهم هو المناخ الذي يسمح لمشروعاتهم الأدبية والفكرية أن تكتمل!
كل هذه الأسماء التي طرحت على تدوينة صديقي الموهوب تصلح للحصول على أرفع الجوائز، بل يمكن إضافة عشرات من الأسماء التي لا تقل عنهم موهبة وتأثيرًا، لكن يبقى المناخ الذي يدفع المثقف لكي يقوم بدوره وينثر أدبه وفكره على المجتمع غائبًا وبائسًا وعقيمًا.
البداية من السياسة:
في فوز الأديب المصري الأبرز وأسطورة الرواية العربية نجيب محفوظ بنوبل رسالة يمكن إدراكها ببساطة.
كتب نجيب الكثير من أعماله الشهيرة التي أهلته للفوز بالجائزة في مناخ مختلف، ليس ديمقراطيًا، لكنه كان يسمح للكاتب أن يتنفس، لا يحاصر الكتّاب ويحجب عنهم الهواء، ولا يضيق عليهم بالمنع والملاحقة، ولا يفرض عليهم قواعد وتقاليد مجتمعية بالية تجعل الأقلام تهتز وترتعش وهي تخط الكلمات على الورق، ولا يغريهم ويفسدهم بذهب المعز وأمواله وغنائمه لكي يسيطر عليهم وعلى أفكارهم ويدخلها إلى بيت الطاعة.
في بيت الطاعة يفقد الكاتب قلمه وأفكاره وتأثيره ويغدو أكثر أدبًا وتهذيبًا وأقل إنتاجًا وتأثيرًا.
وقت ثلاثية نجيب محفوظ (بين القصرين وقصر الشوق والسكرية) التي صدرت بين عامي 1956 و1957 كان مناخ المرحلة الليبرالية التي سبقت 23 يوليو/تموز 1952 لا يزال سائدًا بدرجة مقبولة، وقت زقاق المدق التي صدرت عام 1947 كان المناخ العام حرًا بدرجة تسمح بالكتابة والنشر، حتى أولاد حارتنا التي صدرت عام 1959 لم تصل الضجة الكبيرة التي أثارتها إلى مصادرتها أو إيذاء كاتبها وقت نشرها.
من السياسة التي تبني مناخًا عامًا حاميًا وضامنًا ومشجعًا على الكتابة والإبداع يبدأ الانطلاق إلى العالمية والجوائز والتأثير.
ومن القيود المفروضة على النشر، والحصار المفروض على الحريات العامة والتفكير والتنوع والاختلاف، ترتعش يد الكاتب ويجهَض مشروعه في منتصف الطريق مهما كان مبدعًا وموهوبًا ومميزًا.
في كل نماذج الكتاب والموهوبين المحبطين والمنسحبين من المشهد العام في وطننا العربي ما يوحي بما يحدث، وما يجيب عن السؤال: من أين نبدأ؟!
بمناخ عام مختلف وحر ومشجع يمكن للأدب العربي أن يصل للعالمية، فقضايا الإنسان في هذه المنطقة من العالم خصبة، وتناقضات المجتمع ذاته مادة جاذبة للكتابة والإبداع.
في قضايا الفقر والاستبداد والقمع الشديد وتأثيرهم على الإنسان والمجتمع ما يفتح الأبواب لأدب يتخطى المحلية ليصل إلى العالم أجمع.
لكن البداية هي قدرة المبدع على أن يكتب بلا خوف، ليس المطلوب ديمقراطية كاملة وحريات مطلقة، لكن الشرط البسيط والرئيسي في أي نجاح مطلوب هو التحرر من الخوف، من هنا يمكننا الإدراك أننا على الطريق الصحيح.
