ماذا لو أعلن الكيان انتصاره في المعركة؟

نتنياهو (الفرنسية)

التدمير الواسع والمجازر والحرائق البشعة التي ينفذها جيش الاحتلال حاليًا في شمال غزة وخاصة مخيم جباليا بهدف تفريغه من سكانه هي جزء من حالة الجنون التي أصابته، وهي فيما يبدو خطوة تمهيدية لإعلان انتصار وهمي تأخر كثيرًا في إعلانه رغم مرور عام على بدء عدوانه الواسع.

مثل شمال غزة وخاصة مخيم جباليا الذي أنشئ عقب نكبة 1948 شوكة في ظهر جيش الاحتلال منذ العام 1967، وشهد العديد من المواجهات والمذابح الكبرى منذ ذلك التاريخ، ومنه انطلقت الانتفاضة الفلسطينية الأولى في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 1987 حتى أُطلق عليه اسم مخيم الثورة، وحين بدأ جيش الاحتلال اجتياحه لقطاع غزة عقب طوفان الأقصى كان شمال القطاع من أولى المناطق التي تم اجتياحها، واستهداف كتائب القسام وقادتها فيه، وكان من أوائل الشهداء نسيم أبو عجينة قائد كتيبة بيت لاهيا، وإبراهيم البياري قائد كتيبة الخلفاء، وكذا  قائد لواء الشمال أحمد الغندور، ونتيجة لذلك زعم المتحدث باسم جيش الاحتلال دانيال هاغاري يوم 6 يناير/كانون الثاني 2024 نجاح جيشه في تفكيك الجهاز العسكري لحركة حماس في شمال غزة.

لم يهنأ الكيان بمزاعمه حول تطهير شمال غزة، إذ سرعان ما عادت الزخات الصاروخية لتضرب قلب الكيان منطلقة من شمال القطاع، كما عادت الحياة المدنية، والأسواق بشكل معقول خلال فترات الهدنة التي واكبت عمليات تبادل الأسرى، وهذا ما أفسد على العدو ادعاءاته.

سر صمود الشمال

لم ينس جيش الاحتلال لشمال غزة ما فعله به، وعاد لتنفيذ ما يسمى بخطة الجنرالات التي وضعها عسكريون سابقون، تقضي بتحويل شمال القطاع إلى “منطقة عسكرية مغلقة” وإجلاء السكان منها، وقطع المساعدات الأساسية عنها، بهدف القضاء بشكل كامل على أي تواجد لحركة “حماس” في تلك المنطقة، حيث لا يزال جيش الاحتلال مقتنعًا بوجود مقرات وقواعد عسكرية لحماس تحت أرض الشمال.

صمد أهل شمال غزة طيلة عام كامل من الحصار والتجويع، والمجازر والتدمير للحجر والبشر، وبقي في الشمال أكثر من مائتي ألف مواطن رغم كل ذلك، هؤلاء كانت لهم حسبة بسيطة، أن الموت الذين سيفرون منه سيلاقيهم حيث اتجهوا، وبالتالي قرروا البقاء في أماكنهم، حتى لو استشهدوا فإنهم يستشهدون في بيوتهم وشوارعهم.

نشعر بآلام أهلنا في غزة، ونشعر بالتقصير نحوهم، ونقبل أي لوم، أو اتهام منهم لكل العرب والمسلمين بخذلانهم، أو حتى المشاركة في حصارهم وقتلهم، ونثق أن شمال غزة سيظل جزءًا منها مهما حاول العدو فصله، وتفريغه من سكانه، قتلًا وتهجيرًا، ونؤمن أن تضحيات أهله لن تذهب هباء على طريق الخلاص النهائي من الاحتلال، الذي لن يرحل إلا بهكذا تضحيات كما حدث في كل تجارب الاستعمار الاستيطاني العالمية الأخرى.

الكذب صناعة إسرائيلية

لقد فشل العدو حتى الآن في تحرير أسراه المتبقين في غزة، وفشل في إيقاف الضربات التي تخرج من غزة، وفشل في إعادة مستوطني غلاف غزة، كما فشل في إعادة مستوطني الجليل الأعلى، وسيفشل في زراعة مستوطنات جديدة شمال غزة كما تقضي خطة الجنرالات، ولكنه قد ينجح في تفريغ الشمال مؤقتا من سكانه بالقوة النيرانية، وسيحاول تقديم ذلك لشعبه باعتباره انتصار تاريخي، مدعومًا بآلة إعلامية قوية محلية ودولية.

الكذب صناعة إسرائيلية خاصة في الحروب التي يدعي الكيان دومًا انتصاره فيها، ففي حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 زعمت الرواية الإسرائيلية انتصار جيشها على الجيش المصري، وروجت هذه الرواية في الغرب، رغم أن الحقيقة ساطعة على الأرض، فقبل 6 أكتوبر كانت إسرائيل تحتل سيناء كاملة، ومعها المجرى الملاحي لقناة السويس الذي أوقفت الملاحة فيه تمامًا، وبعد الحرب حرر الجيش المصري المجرى الملاحي، كما حرر مساحات من سيناء، ولم تفلح الثغرة التي أحدثها جيش الاحتلال بين الجيشين الثاني والثالث، وتوغل من خلالها عدة كيلومترات غرب القناة في تغيير الحقائق على الأرض، إذ انتهت الحرب ومن بعدها المفاوضات السياسية بتثبيت وجود الجيش المصري شرق القناة، وهذا هو عنوان الانتصار المصري الذي قلبه الكيان انتصارًا له.

الحلم الفلسطيني لن يموت

طوفان الأقصى بدوره هو هزيمة جديدة للعدو مهما فعل بعدها، فلا قتل عشرات الآلاف من أبناء غزة، ولا تدمير بيوت ومنشآت غزة، ولا تفريغ الشمال من سكانه، أو إقامة منطقة عسكرية إسرائيلية فيه سيغسل عار يوم 7 أكتوبر 2023، ولن يعيد الأمان لسكان المستوطنات، أو يقنعهم بالعودة إليها، ومع ذلك يسابق جيش الاحتلال الزمن لصناعة صورة نصر يلهي بها شعبه المأزوم، والذي فقد الكثيرون فيه الثقة بجيشهم وأمنهم، وحتى بكيانهم.

لا قيمة إذن لأي إعلان إسرائيلي بتحقيق نصر زائف، بينما الفشل هو عنوانه حتى الآن في تحقيق أهدافه المعلنة للحرب سواء في غزة أو في لبنان، ولا يعني تفريغ جزء أو أجزاء من القطاع من سكانه نهاية للحلم الفلسطيني، سيتواصل النضال الفلسطينيين، وسينجب الشعب الفلسطيني مزيدًا من المقاومين، وسيبدع مزيدًا من أدوات المقاومة، حتى يحرر أرضه، ويقيم وطنه المستقل الذي ستكون غزة هي عاصمته الاقتصادية بمينائها ومطارها، وخبرة أهلها التجارية المعروفة، ويومئذ يفرح أهل غزة وكل أهل فلسطين والأحرار في العالم بنصر الله.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان