الاقتصاد العراقي.. هل يتحمل تصعيد المقاومة؟

وزير الخارجية الإيراني سيد عباس عراقجي (يسار) يلتقي بوزير الخارجية العراقي فؤاد حسين (يمين) في بغداد (الأناضول)

في ضوء تزايد عمليات الإبادة الجماعية الإسرائيلية بكلّ من لبنان وغزة، وموقف اللامبالاة من قبل الدول العربية والإسلامية التي اقتصر موقف بعضها على بيانات الشجب والتنديد، وتنسيق بعضها مع إسرائيل، ومع اقتصار إسناد غزة ولبنان حاليا على عمليات الحوثيين باليمن والمقاومة العراقية، ومن باب التعلق بأي جهد عسكري للتخفيف عن غزة ولبنان، يتساءل البعض عن مدى إمكانية تصعيد عمليات المقاومة العراقية اتجاه إسرائيل، المستمرة على فترات منذ الشهر الأول من العام الحالي.

ولعل هؤلاء يستندون إلى كون العراق يمثل الدولة التي ظلت تحارب إيران مدة ثماني سنوات من 1980 حتى 1988، وكونه يمثل الاقتصاد الثالث عربيا من حيث الحجم في العام الماضي بعد السعودية والإمارات ومصر، وكونه قد احتلّ المركز الثالث عربيا كذلك في الصادرات السلعية، وهي الصادرات التي تمكنه من تحقيق فائض تجاري منذ عدة سنوات، الأمر الذي أتاح له تكوين احتياطيات من العملات الأجنبية بنحو مئة مليار دولار حتى يوليو/تموز الماضي، في نفس الوقت الذي بلغت فيه ديونه الخارجية أقل من 23 مليار دولار بنهاية العام الأسبق.

لكن تلك الصورة تخفي وراءها الكثير من المشكلات الهامة التي يعاني منها الاقتصاد العراقي، وأولها اعتماده على النفط مصدرًا رئيسيًّا للنقد الأجنبي ولموارد الموازنة؛ مما يجعله تحت رحمة تغير أسعار النفط، وكذلك يجعله مهددا بشكل خطير عندما تتعرض المنشآت النفطية به لأي أخطار عسكرية، ردًّا على العمليات التي تقوم بها فصائل المقاومة العراقية ضد المدن الإسرائيلية، التي تستخدم فيها الصواريخ والطائرات المسيّرة.

إذ تشير بيانات المصرف المركزي العراقي إلى أن صادرات النفط الخام والمكرر قد مثلت نسبة 99.6% من إجمالي قيمة الصادرات السلعية العراقية العام الماضي، لتبقى نسبة أربعة بالألف فقط لقيمة صادرات باقي السلع، التي تقتصر على المواد الغذائية والمواد الخام غير الغذائية، وهذا الاستحواذ الكبير للنفط على الصادرات أمر مستمر منذ سنوات طويلة، بل إن نسبة الأربعة بالألف الخاصة بنصيب الصادرات غير البترولية، تمثل أعلى نسبة في السنوات الثماني الأخيرة، حيث كانت النسبة واحدا بالألف فقط من عام 2016 حتى 2018، ثم زادت إلى اثنين بالألف ثم إلى ثلاثة بالألف لتعود إلى اثنين بالألف العام الأسبق.

عجز مزمن بالتجارة الخدمية

ولأن العراق يعاني من عجز مزمن في تجارته الخدمية، نتيجة زيادة تكلفة السياحة الخارجة منه مقابل قلة الدخل السياحي المتمثل غالبا بالسياحة الدينية بمدينتي كربلاء والنجف، فإنه في السنوات التي ينخفض فيها سعر النفط عالميا يتحول الميزان التجاري السلعي إلى حالة العجز، لتصبح التجارة السلعية والخدمية معا في حالة عجز، مثلما حدث عام 2020 مع انخفاض سعر النفط إلى 42 دولارا للبرميل، وفي سنوات أخرى انخفض فيها سعر النفط تراجعت قيمة الفائض بالتجارة السلعية إلى أقل من العجز بالتجارة الخدمية مثلما حدث عامي 2009 و2016.

وفي العام الماضي مثلت الإيرادات النفطية المتجهة إلى الموازنة الحكومية نسبة 91% من إيرادات الموازنة، بينما كان نصيب الضرائب على كل من الدخول والسلع نسبة 4.3% فقط من إيرادات الموازنة، ونظرا لتوسع الموازنة للإنفاق على أجور العاملين التي تستحوذ على 40% من الإنفاق، ودعم البطاقات التموينية المستمر منذ عام 1990 وأقساط وفوائد الدين الداخلي، تحتاج الموازنة العراقية إلى سعر نفط مرتفع وبدون ذلك تصاب الموازنة بالعجز.

فرغم كون العراق دولة بترولية بامتياز فقد شهدت السنوات الإحدى عشرة الممتدة بين 2013 و2023، سبع سنوات حدث فيها عجز بالموازنة العراقية كان آخرها العام الماضي، وها هو صندوق النقد الدولي يتوقع عجزا بالموازنة العام الحالي بنسبة عالية، نظرا لحاجة الموازنة لسعر نفط يفوق تسعين دولارا للبرميل خلال العام، وهو ما لم يحدث، حيث دار السعر حول ثمانين دولارا ثم انخفض عن ذلك الشهر الماضي وحتى الآن.

وهكذا فإن من يكتفي بالتعامل مع العراق بوصفه دولة بترولية احتلت المركز الخامس عالميا بإنتاج الخام العام الماضي بعد أمريكا والسعودية وروسيا والصين، أو احتلت المركز الرابع بصادرات الخام بعد السعودية وروسيا وأمريكا، يجب أن يوسع نظرته بمعرفة احتلال العراق مركزا متأخرا بصادرات المشتقات، حيث مثلت صادرات المشتقات نسبة 5% فقط من مجمل صادراته النفطية، بنصيب 198 ألف برميل يوميا للمشتقات من إجمالي 3.664 ملايين برميل يوميا، إلى جانب أن العراق لا يكتفي ذاتيا من المشتقات حيث ما زال يستورد كميات من البنزين وزيت الغاز وغيره.

   انخفاض مياه نهري دجلة والفرات

كما أن العراق لا يشغل كل طاقة محطاته للتكرير، حيث بلغت نسبة إنتاجها إلى طاقاتها الإنتاجية 58% العام الماضي، وإذا كان يحتل تلك المكانة في تجارة النفط فإنه دولة مستوردة للغاز الطبيعي، حيث استورد نصف احتياجاته من الغاز العام الماضي، لتشغيل محطات إنتاج الكهرباء الغازية، ويتسبب نقص الغاز في استفحال مشكلة انقطاع الكهرباء المستمرة عبر العشرين عاما الماضية، ولا يتوقع حلها قبل سنوات طويلة وتؤثر سلبا في الصناعة والزراعة.

وهكذا يحتاج العراق إلى إيرادات النفط للوفاء بشراء كافة مستلزمات المعيشة من الخارج، حيث تسبب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 في التدمير المتعمد لكافة قطاعاته الصناعية والزراعية والخدمية، وهذه النتيجة تشير إليها بيانات المنظمة العربية للتنمية الزراعية لعام 2021، حين بلغت نسبة الاكتفاء الذاتي من الحبوب 66%، التي زادت إلى 80.5% في القمح والدقيق، وانخفضت إلى 48% في الذرة الشامية و38% في الأرز و35% في اللحوم، و5% في البقول و2% في زيوت الطعام، وأقل من نصف بالمئة في السكر، و53% في كلّ من الخضراوات والفواكه.

وربما يتساءل البعض أين نتاج الأراضي الخصبة ببلد نهري دجلة والفرات؟ وهنا تبدو المشكلة الأخطر المتمثلة بتراجع حصيلة المياه الواردة عبر النهرين بسبب السدود التي تبينها دول الجوار، والتغير المناخي وانخفاض الأمطار وزيادة الحرارة والتصحر، وهكذا يحتاج العراق إلى ارتفاع سعر النفط حتى يستطيع الوفاء بقيمة الواردات المتنوعة، التي ترتفع تكلفتها مع انخفاض سعر صرف الدينار العراقي كما حدث عامي 2021 و2022.

في بلد خاض العديد من الحروب أعوام 1980 و1990 و2003، وعانى من الحصار والعقوبات الدولية منذ عام 1990؛ مما أدى إلى ارتفاع نسب الفقر، وها هي بيانات الإحصاء العراقية للبطالة لعام 2021، تشير إلى بلوغ نسبة البطالة 16.5%، ترتفع بين الإناث إلى 28%، كما ترتفع بعدد من المحافظات، إذ تصل إلى 33% بنينوى، و27% بالمثنى، و26% بذي قار، و24% بدهوك، و22% بالبصرة، كما بلغت نسبة البطالة بين الشباب 35.8%.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان