رحل السنوار.. وماذا عن جيل السنوار؟

متظاهرون يحملون العلم الفلسطيني وصور السنوار (رويترز)

 

أكثر ما أثار انتباهي بعد الإعلان عن استشهاد يحي السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة (حماس)، والقائد العسكري للحركة، هو تعليق أحد الشباب نصًا: (الحمد لله أننا من الجيل الذي عاصر السنوار)، فيما يشير إلى روح معنوية مرتفعة، صاحبت الخبر، وليس العكس كما كان متوقعًا، خصوصًا مع ما تواتر من أنباء عن كيفية وملابسات الحدث، وكيف أن الرجل نال الشهادة كما كان يتمناها، في أرض المعركة، بالبدلة العسكرية، يحمل السلاح، يقاوم، في أكثر المناطق سخونة، وليس كما أشاع العدو، من أنه يختبئ في الأنفاق، أو يحتمي بالأسرى أو المدنيين كدروع بشرية، أو حتى أنه هرب إلى خارج القطاع!!

لا جدال في أن الروح المعنوية لدى الشباب العربي، في هذه المرحلة بشكل عام، منخفضة إلى حدها الأدنى، جراء المواقف الرسمية، أو بمعنى أدق حالة الخذلان السائدة، من حرب الإبادة في غزة، بما يجعل الجميع دون استثناء، يرى أن هذه المرحلة هي الأكثر انبطاحًا وانكسارًا في التاريخ المعاصر، إلا أن حالة شخصية واحدة، كحالة يحي السنوار، كانت كفيلة بتغيير هذا الشعور، على الرغم من الخسارة الكبيرة التي يمثلها فقدان هذا الرجل، لمحور المقاومة والدفاع عن الأرض الفلسطينية ككل، وليس لجبهة غزة فقط.

اقرأ أيضا

list of 4 itemsend of list

إن دراسة تاريخ السنوار ومسيرته، وهو ما سيقدم عليه الشباب اليوم بالتأكيد، كفيلة بتعبئة ملايين الشباب العربي نحو الجهاد والمقاومة وحب الشهادة، ذلك أن 23 عامًا قضاها الرجل في سجون الاحتلال، كانت كفيلة بأن يرفع الراية البيضاء، على اعتبار أنه أدى ما عليه تجاه القضية، وربما كانت هذه النقطة تحديدًا هي التي ارتكزت عليها سلطة الاحتلال، حين قررت الإفراج عنه عام 2011 في إطار صفقة تبادل شهيرة، إلا أن السنوار ومنذ ذلك التاريخ، قدّم النموذج في الفداء والعطاء والتضحية، والذي توّجهُ بعملية الطوفان، وهاهو ينال الشهادة، التي يتمناها كل الشرفاء والمجاهدين والمناضلين، ولا أحد غيرهم.

   مسيرة السنوار مستمرة

القضية الفلسطينية تحديدًا زاخرة بالشهداء المجاهدين في الماضي، منذ الشهيد عز الدين القسام عام 1935، وحتى الشهيد يحي عياش عام 1996، مرورًا بعد ذلك بالشيخ أحمد ياسين، وعبدالعزيز الرنتيسي في 2004 وغيرهما، وحتى إسماعيل هنية هذا العام، وليس انتهاءً بيحي السنوار، بما يشير إلى أن التضحية والشهادة أحد مواطن القوة في هذه القضية، التي حصلت الآن، بعد الإعلان عن استشهاد السنوار، على الزخم الأكبر على أرض المعركة، وأصبح الشباب يرى أن معاصرة السنوار في حد ذاتها دافعًا كبيرًا للجهاد وبذل النفس، ما دمنا أمام القضية الأكثر عدلًا في عالمنا المعاصر، ولمَ لا؟ وهي قضية القدس والأقصى.

ولأن الكيان الصهيوني يبحث عن أي حالة قتل أو اغتيال، ليطلق عليها انتصارًا، فهو لا يعتبر بالماضي البعيد أو حتى القريب، ليتوقف عن مثل هذه الممارسات، التي لم تنل من إرادة الشعب الفلسطيني يومًا ما، وها هو الكيان يجد نفسه اليوم أمام جيل  السنوار وتلامذته ورفاقه وأتباعه، الذين يواصلون مسيرة التحرير، ليس فقط، بل مسيرة الانتقام والثأر، إضافة إلى التشدد ورفض التنازل، في الوقت الذي أغلق فيه العدو، ومن خلفه المجتمع الدولي، كل أبواب الحوار الجاد.

ويمكن القول، إن ملابسات قتل السنوار، كما ظهرت من الجانب الإسرائيلي -عن غير قصد بالتأكيد- حيث كان الرجل يشتبك بنفسه مع قوات الاحتلال، إنما هي رسالة للجميع، داخل غزة وخارجها، داخل فلسطين وخارجها، بأن أرض المعركة هي الشرف الأسمى، وليس جدال “السوشيال ميديا” أو نعيق وسائل الإعلام، أو حتى مهرجانات الخطابة، وقصائد الشعر، وبكائيات الزجل والنثر، بما يعني أن حمل السلاح سوف يكون الهدف في المستقبل لأجيال الشباب، التي لم يسعفها التاريخ أن تشهد مثل هذا الشرف على نطاق واسع.

الشاهد في الأمر على سبيل المثال، أنه على عكس حسابات العدو، لعملية اغتيال السيد حسن نصر الله، زعيم (حزب الله) في لبنان، من توقعات بانكسار المقاومة هناك، كان رد الفعل عنيفًا ومكلفًا للعدو على الأصعدة كلها، مع القيادة السياسية الجديدة للحزب، والقيادة الجديدة على الجبهات أيضًا، بعد اغتيال وإصابة العديد منها، من خلال العمليات السيبرانية “للبيجر” والأجهزة اللاسلكية، وهو الأمر نفسه المتوقع بعد اغتيال السنوار، ذلك أنه لم يعد هناك أي مجال للتفاوض على أسرى أو هدنة أو أي شيء من هذا القبيل، بعد أن أصبح الشباب الفلسطيني المقاوم، يعي تمامًا أنه أمام عدو بلا رادع، وأن ما أخذ بالقوة لن يسترد بغير القوة.

النفاق الغربي الأمريكي

المثير للدهشة، هو ذلك النفاق الغربي الأمريكي، أو إن شئت قل: الغباء السياسي الغربي الأمريكي، الذي تنقصه هو الآخر قراءة التاريخ، وكيف أن حركات التحرر في كل أنحاء الكرة الأرضية كانت هي المنتصرة في نهاية الأمر، وكيف أن قادة هذه الحركات قد سجلها التاريخ بأحرف من نور، إلا أن العواصم الغربية قد ظهرت أمس، بمجرد الإعلان عن قتل السنوار، بما يؤكد أنهم مستمرون في النفاق والغباء في آن واحد، بعضهم كما حالة الولايات المتحدة، يعتبر أن النضال الفلسطيني قد توقف إلى غير رجعة، على اعتبار أن السنوار كان صاحب القضية مثلًا، والبعض الآخر، كما حالة فرنسا، يرى أن الرجل كان يقف عقبة أمام أي اتفاق سياسي، متجاهلين أن العقبة تتمثل في مواقف بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الكيان، بينما كانت ألمانيا الأكثر وقاحة، حينما طالبت بالإفراج عن الأسرى الإسرائيليين (فورًا) ما دام السنوار قد قُتل!!.

على أية حال، أعتقد من خلال ردود الأفعال الغربية المقيتة والمنحازة، بل والمشارِكة في الأحداث الراهنة، ومن خلال الصمت العربي على مجريات القضية منذ ما قبل “طوفان الأقصى” بسنوات طويلة، أن الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، في غزة والضفة، في المخيمات والشتات، أصبح يعي الآن أن القضية فلسطينية خالصة، شكلًا ومضمونًا، فلسطينية تاريخًا وجغرافيا، فلسطينية البذل والعطاء، هذا هو قدركم، كتب عليكم وحدكم قتال العدو، كتبت عليكم مواجهة العالم، عربًا وعجمًا، وأنتم أهلًا لها، إلا أن الأمر يتطلب الآن لم الشمل ونبذ الفرقة، فلم يعد هناك مجال للخلاف والتشرذم، لم يعد هناك مكان للصراع، لا وقت إذن للشقاق والمناكفة، حانت ساعة الوحدة، حتى يعي العدو أنه بالفعل أمام شعب الجبارين.

رحم الله يحي السنوار، وكل المجاهدين والمناضلين، الذين أفنوا حياتهم من أجل تحرير الأرض وصون العرض، ولعنة الله على المتخاذلين والمتواطئين أيًا كانوا، وأينما كانوا.

المصدر: الجزيرة مباشر