سراب النصر الخادع الذي يسعى إليه نتنياهو بلا جدوى

(1) في لبنان اغتيل القادة وعاشت المقاومة
كطائر العنقاء الأسطوري، نفض حزب الله الرماد العالق على جسده من جراء تفجيرات منظومة الاتصال في الحزب والاغتيالات التي طالت قادته وعلى رأسهم السيد حسن نصر الله رحمه الله، وبعث من جديد أكثر قوة وشراسة من أي وقت مضى في نزاله مع جيش الاحتلال، وصوّب صواريخه الباليستية ومسيّراته الانقضاضية إلى قلب إسرائيل ومدنها وبلداتها بدقة بالغة، متغلبا على أنظمة الدفاع الإسرائيلية حتى إن صفارات الإنذار دوّت في 194 بلدة ومستوطنة في إسرائيل، وهرع ما يقرب من مليوني إسرائيلي إلى الملاجئ.
وطبقا لما صرح به نائب الأمين العام لحزب الله السيد نعيم قاسم فإن الحزب استعاد تنظيم صفوفه ولم تعد هناك قيادات شاغرة بل أصبح لكل قيادة بديل وأكثر، كما غير الحزب إستراتيجيته مع العدو، فبعد أن كان مساندا لغزة فقط أصبح أيضا مدافعا عن لبنان المعتدى عليه، وتحول من الهجوم طبقا لقواعد الاشتباك إلى سياسة “إيلام العدو”، وكما استباحت إسرائيل لبنان جنوبا وشمالا فكل حدود دولة العدو أصبحت أهدافا مشروعة أمام حزب الله.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالصين تنزع القناع عن العلامات التجارية الأمريكية الفاخرة
التحديثيون والمحافظون: الحالة التونسية
«طلعت حرب راجع».. مؤتمر وصاحبه غائب
كل مظاهر الزهو والخيلاء التي ظهرت جلية في تصريحات نتنياهو وقيادات جيشه والتي تلت تفجيرات البيجر وأجهزة اللاسلكي واغتيال قيادات الحزب وأمينه العام ، تبدو الآن سرابا أمام رشقات حزب الله الصاروخية واستهدافه لتل أبيب وحيفا، حيث تم استهداف معسكر تدريب للواء غولاني في بنيامينا جنوب حيفا أثناء تناول جنوده العشاء في صالة الطعام، وأدى انفجار مسيّرة حزب الله إلى وقوع أربعة قتلى وعشرات المصابين، وهذه الضربة موجعة جدا لجيش الاحتلال؛ فهي أولا تظهر دقة مسيّرات حزب الله وقدرتها على الوصول إلى الهدف، وثانيا تبين قدرة حزب الله الاستخبارية ومعرفته لتفاصيل دقيقة عن الأهداف المنشودة وكيفية الوصول إليها، وصحة ما كان ينشره من فيديوهات الهدهد، وثالثا تؤكد أن هدف إسرائيل من تدمير قدرات حزب الله العسكرية لتأمين عودة سكان الشمال إلى منازلهم لم يتحقق بل حدث العكس، فلم يعد فقط الشمال هو المستهدف بصواريخ حزب الله بل كل أراضي دولة العدو.
خطة إسرائيل المدعومة أمريكيا، لتغيير الواقع السياسي في لبنان عن طريق إضعاف حزب الله والقضاء على قدراته العسكرية، وبالتالي خروجه من المعادلة السياسية والاستفادة من هذا الوضع لاختيار رئيس للجمهورية يتوافق مع هذا المخطط، يبدو أنها فاشلة، فما زال حزب الله متماسكا صلبا قادرا على الردع والإيلام والدفاع عن لبنان، وهو جزء من النسيج اللبناني لا يمكن إزاحته بقرار أمريكي إسرائيلي، وستبقى الحاجة إلى إشراك الحزب في أي عملية سياسية مستقبلية، ومحاولة إزاحته من المشهد عنوة يمكن أن تؤدي إلى عنف طائفي عرفته لبنان من قبل، وأي طرف داخلي أو خارجي سيحاول ذلك الآن سيقابل باستهجان وسيعد مواليا للعدو الإسرائيلي؛ حيث يمثل حزب الله الآن المقاومة المشروعة ضد الاعتداء الإسرائيلي الصارخ والمجنون على لبنان.
(2) غزة مقبرة الأمنيات الإسرائيلية
مضى أكثر من عام على طوفان الأقصى، وهذه أطول حرب تخوضها إسرائيل منذ الإعلان عن قيام دولتها على الأرض الفلسطينية، إذ اعتادت إسرائيل الحروب الخاطفة التي تعتمد في الأساس على سلاح الطيران المتقدم القادر على الوصول إلى أهدافه بدقة وإحداث أكبر قدر من الخسائر والتدمير لدى الخصم، لكن بعد عام من حرب الإبادة والتدمير في غزة بغرض القضاء على حماس، ما زالت المقاومة قادرة على القيام بعمليات نوعية تستنزف جيش الاحتلال وآخرها كمين جباليا، وكانت كتائب القسام قد أعلنت أنها في خضم حرب استنزاف طويلة مع قوات الاحتلال.
لم يعد لدى غزة ما تخسره أكثر مما خسرته، لكن ما زال أمام إسرائيل الكثير لتخسره، ويكفي شعور المواطن الإسرائيلي بانعدام الأمن والأمان وهو يتأصل ويتجذر يوما بعد يوم وخاصة بعد عودة العمليات الاستشهادية المباغتة وغير المتوقعة في قلب إسرائيل ومدنها الكبرى ومرافقها الحيوية، وهو ما جعل الهجرة إلى خارج إسرائيل تزداد عددا يوما بعد يوم.
لعنة العقد الثامن تتمثل أمام أعين الإسرائيليين وقادتهم وأمنية نتنياهو التي أعرب عنها قائلا: “سأجتهد كي تبلغ إسرائيل عيد ميلادها المئة، فالتاريخ يعلمنا أنه لم تُعمَّر دولة للشعب اليهودي أكثر من 80 سنة”، تبدو خيالا في حين تبدو نبوءة الشيخ أحمد ياسين بزوال دولة الاحتلال عام 2027 أقرب إلى الواقع. رغبة نتنياهو في استئصال المقاومة من غزة والقضاء على حماس للتأكد من عدم تكرار ما حدث في 7 أكتوبر لا أمل له في تحقيقها، فلو تم القضاء على حماس، لا قدر الله، فلن تموت روح المقاومة وسيظهر بين أبناء الشعب الفلسطيني من يحمل الراية ويجمع الأنصار ويستكمل المسيرة.
(3) هل تعلم إسرائيل ما ينتظرها في إيران؟
أعلن البنتاغون أنه تم تزويد إسرائيل بنظام “ثاد” الدفاعي إضافة إلى طاقم من الجنود الأميركيين لتشغيله يبلغ 100 فرد، لتعزيز الدفاعات الجوية الإسرائيلية ضد أي هجمات صاروخية باليستية إيرانية مستقبلية. حيث أثبتت الدفاعات الإسرائيلية عدم فاعليتها أمام الهجوم الصاروخي الإيراني مطلع هذا الشهر الذي تسبب في أضرار تقدر بنحو 53 مليون دولار في الممتلكات الخاصة، وكما تعهدت إسرائيل بالرد القاسي والمكلف لإيران، تعهدت أمريكا التزامها بحماية إسرائيل!
الضربة الإسرائيلية المتوقعة ستكون بتخطيط أمريكي مشترك، ولا صحة لما يصدر عن البيت الأبيض من أنه وضع خطوطا حمراء لإسرائيل بالنسبة لإيران، فلقد تعدت من قبل كل الخطوط الحمراء ولم تقم إدارة بايدن بردّ رادع لهذه التجاوزات الإسرائيلية.
إسرائيل تنتظر منذ سنوات الفرصة المواتية لضرب إيران ومشروعها النووي، وإيران تدرك ما ينتظرها فهي لن تواجه إسرائيل لكن في الحقيقة ستواجه أمريكا، ولقد أعلنت مرارا أنها لا تريد الحرب لكنها مستعدة للقتال. ولا أحد يعرف يقينا حدود الضربة الإسرائيلية الأمريكية وتوابعها، ولا كيف سترد إيران وما لديها من قدرات عسكرية لم تظهرها بعد.
هدف الضربة هو ردع إيران للتخلي عن دعم محور المقاومة وتقليص نفوذها الإقليمي والعودة إلى حدودها الجغرافية، ودرء خطرها على المشروع الصهيوني الغربي ومخطط الشرق الأوسط الجديد. فهل تفلح إسرائيل في تحقيق هذه الأهداف أم أنها ستجر المنطقة إلى حرب واسعة وينتهي الحال بأن تغرس مخلبها في قلب المصالح الأمريكية الغربية بدلا من غرسها في قلب إيران؟
تجاربها السابقة في غزة ولبنان تؤكد أن رهاناتها عادة تكون خاطئة، وأن ما ينتظرها لن يكون بالتأكيد انتصارا طال انتظاره.