هل تصرخ إسرائيل أولا أم حزب الله؟

الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم
نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم (رويترز)

في إطلالته الثالثة، بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني سماحة السيد حسن نصر الله، أعلن نائب الأمين العام للحزب الشيخ قاسم نعيم (الثلاثاء)؛ الدخول في مرحلة “الإيلام” للعدو، في الحرب التي يشنها “الكيان الصهيوني” على لبنان واصفا إياه بالوحش، متوعدا بإعادته إلى الحظيرة.

وفي إطلالته السابقة (8 /10/ 2024)، قال عن هذه الحرب الجارية منذ يوم 17 /9/ 2024، بداية بموقعة البيجر، إنها حرب من يصرخ أولًا، وإنهم (الحزب) سيضحون ولن يصرخوا، متعهدا بإسماع الجميع صراخ العدو. الطيران الإسرائيلي يواصل الإغارة جويا، قتلا للمدنيين في جنوب لبنان، والبقاع، وبيروت، ومناطق لبنانية متفرقة، بعد تدمير الضاحية الجنوبية ببيروت معقل حزب الله، زاعما استهداف مخازن أسلحة، أو مقاتلين من حزب الله. على كل حال فالطيران هو مجال تفوق جيش الاحتلال، الأسوأ أخلاقيا على مستوى العالم، ولا سيما أنه يستظل بالحماية الأمريكية من المحاسبة الدولية.

40 ألف جندي إسرائيلي.. و9 مروحيات للقتلى والجرحى

وفقا لنائب رئيس أركان حرب الجيش اللبناني سابقا العميد حسن جوني في مداخلة (مساء الأربعاء) مع الإعلامي أحمد طه على قناة “الجزيرة مباشر”، فإن “الاحتلال” حشد خمس فرق عسكرية (40 ألف جندي) على خطوط التماس مع لبنان، لاجتياح الجنوب واحتلاله، وإن هذه الفرق الخمس، بكل عتادها، عجزت طوال عشرة أيام عن التوغل في الجنوب، سوى مئات الأمتار في “قرى حدودية” متروكة.

ويكمن مقاتلو حزب الله اللبناني فوقها، وخلفها، وفي محيطها للتصدي والاشتباك مع أي قوة متقدمة، وإيقاعها بين قتيل وجريح، أو إرغامها على الفرار. بحسب بيانات “جيش الاحتلال”، والتسريبات، فقد تكبد هذا الجيش عشرات القتلى ومئات الجرحى خلال اشتباكات الأيام العشرة، في جنوب لبنان.

وأفادت مصادر صحفية، بمشاهدة تسع طائرات مروحية لإجلاء القتلى والجرحى يوم أمس الأربعاء فقط، في اشتباكات بين جنود لواء غولاني ومقاتلي الحزب في بلدة القوزح الحدودية. وهو ما يؤشر على ضراوة الحرب البرية، وصعوبتها على “الجيش الإسرائيلي”، المُنهك بخسائره في الجنود والآليات، والمعنويات؛ جراء حربه المتوحشة على غزة، طوال عام كامل، من دون إنجاز الأهداف المُعلنة، بتصفية حماس، واستعادة الأسرى.

الشلل ورعب الملاجئ والأمراض النفسية

كيف يتم إيلام العدو؟ هناك أربع نقاط ضعف لدولة الاحتلال، يمكن منها تحقيق وعيد الشيخ نعيم قاسم بـ”الإيلام” للكيان.

أولها، الخسائر البشرية المرتفعة في صفوف الجيش، فقد اعتاد “الكيان”، على حروب خاطفة وقصيرة لا يخسر فيها كثيرا من القتلى والمصابين. ومع حرب غزة المستمرة منذ عام، فإنه تكبّد الكثير من الخسائر جندًا، وعتادً، أملًا في الحسم، والانتصار دون جدوى. وفي المقابل، يتكتم على هذه الخسائر، ويعمد إلى التقليل منها. ثانية نقاط ضعف الاحتلال، وهي أكثر إيلاما، “الشلل” الذي يضرب الحياة بفعل الصواريخ والمسيّرات. فالإسرائيليون تحت القصف يعيشون في رعب وفزع، وتحفّز للهروب إلى الملاجئ، وتفتك بهم الأمراض النفسية، مثل القلق، والاكتئاب (حسبما تنشر الصحف العبرية). كما تتعطل الأعمال والمصالح الخاصة، والمدارس، والجامعات، ويضطرون إلى النزوح مثلما حدث في الشمال، ويجري حاليا في حيفا.

في هذا السياق، فالبادي، أن حزب الله يواصل التصعيد بالقصف وينجز ضربات موجعة ومؤلمة، أهمها في الأيام القليلة الماضية، قصف غرفة الطعام في مركز تدريب لواء غولاني في بلدة بنيامينا بالقرب من حيفا، بطائرة مسيّرة انتحارية. وقد أسفر تفجير هذه المُسيّرة، التي أفلتت من الرادارات والاعتراضات، عن مقتل أربعة ضباط، وإصابة 67 جنديا (بحسب الجيش الإسرائيلي). ثالثة نقاط ضعف “جيش الاحتلال” هي الضعف المعلوم عنه في الحروب البرية، فقد هُزم في جنوب لبنان على يد حزب الله (لم يكن بقدراته الصاروخية الحالية)، عامي 2000، و2006. وخسر في هذه الحروب الكثير من القتلى والجرحى، والعتاد، وجرت مجازر لدبابة ميركافا الإسرائيلية. هذا الضعف نفسه، هو الكامن وراء الخسائر الفادحة التي مُنيت بها “قوات الاحتلال” في غزة، وفي محاولاتها الحالية للتوغل في الجنوب اللبناني من دون إحراز أي تقدم أو احتلال أي موقع ذي أهمية استراتيجية.

المدني الإسرائيلي مقابل اللبناني

أما نقطة الضعف الأهم، والأكثر “إيلاما” على الإطلاق، فهي الضربات التي تصل إلى المدنيين الإسرائيليين (لاحظ الفزع من العمليات الفدائية في الداخل الإسرائيلي)، وإن كان حزب الله يمتنع -حتى الآن- عن ضرب أهداف مدنية. هذا، رغم وعيد حسن نصر الله قبل استشهاده، بأن “المدني الإسرائيلي مقابل اللبناني”. وإن كان الشيخ قاسم في إطلالته الأخيرة (قبل يومين)، قال إن للحزب أن يضرب أي نقطة في إسرائيل، من دون أن يحدد ما إذا كانت تلك النقطة عسكرية فقط أم يشمل ذلك المدنية أيضا. الحزب في تجنبه لضرب أهداف مدنية ينطلق من دوافع أخلاقية إسلامية، تمنع استهداف غير المقاتلين. الواجب طرح هذه القضية للبحث، وصولا إلى الرأي الشرعي، في ظل إبادة الاحتلال للمدنيين، وتدمير الكنائس والمساجد والمدارس، والعمران في غزة ولبنان.

“الكيان الصهيوني” أعلن هدفا لهذا العدوان المتوحش على لبنان (كما في حربه على غزة) هو إعادة سكان الشمال إلى مستوطناتهم، وهو ما رد عليه نعيم قاسم، بأنه لن يحدث إلا عبر اتفاق -غير مباشر- مع المقاومة. لكن الأهداف الخفية لهذه الحرب تتمثل في محو حزب الله “المقاوم” من الخريطة اللبنانية، وتصفيته، ونزع سلاحه، واحتلال جنوب نهر الليطاني، وفرض نظام سياسي على لبنان، من الأقلية المناهضة للمقاومة، والموالية للكيان. فـ”نتنياهو” يحلم بإعادة تشكيل المنطقة على هواه، وتنصيب نفسه حاكما بأمره، وملكا لها، يأمر فيُطاع.. بالطبع هذا كله بمشاركة أمريكية فاعلة. فهل تنجح إسرائيل فيما تهدف إليه؟ وهل يصرخ حزب الله أم تفشل إسرائيل؟ وتتجرع كأس الهزيمة وتصرخ أولا؟

الإجابة للميدان.

نسأل الله النصر للمقاومة والشعبين اللبناني والفلسطيني.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان