مات السنوار.. وبقيت حماس!
جاءت نهاية الشهيد يحيى السنوار، رئيس حركة حماس، تشبهه تماما، فهو أراد الشهادة في وسط الميدان، ونالها مقبلا غير مدبر، فلم يستشهد السنوار في نفق، أو وسط المدنيين، أو في غرفة قيادة محصّنة.
إن الشهيد يحيى السنوار كان مدركا لمصيره منذ إطلاق عملية “طوفان الأقصى” في 7 من أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكنه اختار الموت مقاتلا بدلا من الاختباء، كما أن استشهاده يمنحه بطولة يستحقها؛ حيث قُتل وسلاحه في يده، وليس في ظروف تتسم بالاختباء، أو محاطة بالمدنيين.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsمن «هند» إلى نتنياهو: سنلاحقكم
غزوات الرسول وسرايا القدس 2\2
جريمة الأقصر وذبح المُسن المريض.. لماذا كل هذا العنف؟
وعلى الرغم من أن استشهاد السنوار يمثل ضربة أمنية قوية لحماس، فإن الحركة قادرة على تجاوز هذه الأزمة، كما فعلت بعد استشهاد قيادات سابقة، وقد تصبح حماس أكثر راديكالية في المستقبل.
استشهاد السنوار ورواية نصر زائفة
جاء موت السنوار بشكل غير مخطط؛ مما يُفقِد إسرائيل فرصة تعزيز الرواية اعتادتها حول النصر خلال عمليات الاغتيال، وقد يدفعها ذلك إلى التوجه نحو المفاوضات بعد مقتل الهدف رقم واحد بالنسبة لها، حسب ما جاء في تصريحات قياداتها، وكذلك القيادات الأمريكية، وكأن السنوار هو العقبة التي كانت أمامهم لإبرام صفقة، أو الجلوس للمفاوضات.
وتواجه إسرائيل حاليا تحديا في تقديم رواية نصر، خاصة بعد أن قتل السنوار في اشتباك عادي، وليس نتيجة عمل استخباري معقّد؛ مما يشعل التساؤلات حول قدرة نتنياهو على استعادة الأسرى، ووقف الحرب.
وتأتي الروايات غير الرسمية لتؤكد أن السنوار قُتل في اشتباك مع القوات الإسرائيلية في تل السلطان برفح، وهو ما يثبت أنه لم يكن مختبئا، كما ادّعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كثيرا.
إن الشهيد السنوار كان يمثل هدفا استراتيجيا إسرائيليا حتى من قَبل معركة “طوفان الأقصى”، حيث كان يمثل الجناح العسكري في حركة حماس، وكان يتكلم بعفوية وجسارة، ويعلم عن العدو الكثير بحكم مكوثه في سجون الاحتلال فترة طويلة، وخرج محررا من سجون الاحتلال في صفقة الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط؛ حيث خرج من السجن لينضم إلى صفوف الحركة مقاتلا شرسا.
لقد كان السنوار هو المخطط لمعركة “طوفان الأقصى” في 7 من أكتوبر 2023؛ حيث استطاعت حركة المقاومة حماس -ولأول مرة- تحقيق العبور نحو الأراضي المحتلة، وإيقاع الهزيمة بالعدو -لأول مرة أيضا- داخل ما يدَّعي أنها أرضه في عملية خاطفة، استطاع فيها السنوار أن ينصب السيرك لجنود العدو، واستخباراته وقياداته، وليثبت للكيان أنه أوهن من خيط العنكبوت.
ولم تكن عملية استشهاد السنوار هي العملية الأولى للقيادات الفلسطينية -خاصة من حركة المقاومة الإسلامية حماس- فقد سبقتها عمليات قذرة من العدو الصهيوني ضد قادة حماس، أبرزها عملية اغتيال زعيم الحركة الشيخ أحمد ياسين.
وكذلك بعده بشهرين عبد العزيز الرنتيسي، قائد الحركة في قطاع غزة، وإسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي للحركة الذي استشهد في 31 من يوليو/تموز من العام الحالي أيضا، ولكن لم تضعف الحركة، ولم تخمد المقاومة، بل ظلت تقاوم حتى الآن.
إن استشهاد السنوار في معركة مع العدو قد يمنح إسرائيل نصرا عملياتيا، لكنه في الوقت ذاته يلحِق بها هزيمة نفسية؛ لأنها لم تغتله، بل استشهد بطلا محاربا، كما أراد، وكما تمنى أكثر من مرة.
وأتذكر الآن كلمة للشهيد السنوار في مايو/أيار 2021، قال فيها إنه يتوقع اغتياله في أي لحظة، وهو ما يتمناه أفضل من أن يموت على فراشه، أو بمرض، أو بجلطة، حسب ما قال، وتمنى أن ينال الشهادة على أيدي العدو أفضل من أن يموت “فطيسا”، كما قال؛ لذا كان جسورا، لا يهاب شيئا، فهو كان شهيدا يمشي على الأرض.
لذلك، فإن ما حدث لم يكن انتصارا إسرائيليا؛ ولكنه معركة وجولة تعقبها جولات في قضية التحرر الفلسطيني، فهم يريدون حصر القضية في حماس والسنوار، وبعض القيادات، ولا يعلمون أنها قضية شعب كامل، وما السنوار وحماس إلا جنود من رحم فلسطين، أخذوا على عاتقهم مقاومة العدو.
لذلك، بَدَت غريبة التصريحات التي أطلقها نتنياهو، والكثير من القيادات الإسرائيلية والأمريكية، وهم يخاطبون بها أهالي قطاع غزة ودول المنطقة، بأنّ هناك إمكانية لعقد مفاوضات، مع تحميل السنوار وحركة حماس جميع الجرائم التي حدثت، وأنهم هم من تسببوا في مقتل الآلاف من الفلسطينيين والإسرائيليين.
مستقبل المقاومة
إن استشهاد السنوار لن يغير شيئا من ثبات المقاومة، وحركة حماس، فقد تعودوا على ذلك؛ لأن حركة المقاومة تعتمد على فكر وأيديولوجية في الوقوف ضد العدو لن يغيرها استشهاد قيادي أو غيره، فهي تعرف هدفها، وتسعى لتحرير الأرض، وهو ما أثبتته بوقوفها وحدها ضد الكيان منذ أكثر من سنة دون سند من أي دولة مجاورة، ورغم الحصار استطاعت أن تكبّد العدو خسائر بشرية ومادية كبيرة.
ورغم كل ذلك، يبقَى السؤال المهم هنا عن الأهداف التي أعلنها العدو؛ هل حقق منها شيئا؟!
فهو لم يستطع تصفية حماس، وكذلك لم يحرر أسراه، وأيضا لم يُعِد مواطنيه في غلاف غزة، ولم يُعِد كذلك مواطنيه في الشمال إلى مستوطناتهم، وكل هذه الأهداف التي فشل في تحقيقها كان السبب فيها هو وقوف المقاومة، وصمودها هذه المدة الطويلة، رغم استعانة العدو بأمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، وغيرها من الدول الغربية.
لذلك، ستظل المقاومة حائط الصد أمام الكيان، ولن يضعفها استشهاد البطل يحيى السنوار أو غيره؛ فقد عودتنا الحركة أن كل قائد يستشهد يأتي بعده ألف قائد، فهذه أرض تنبت شهداء في كل لحظة.