الحرب الخفية.. هل تدفع دولة الاحتلال الإسرائيلي نحو الانهيار؟!

غالانت انتقد عدم وجود أهداف واضحة للحرب
غالانت (غيتي)

إدارة الصراع تحتاج إلى قراءة متعمقة للعلاقات بين القوى السياسية والاجتماعية داخل الدولة، وتأثيرها في قدرتها على الحياة؛ فتماسك المجتمع هدف لا يقل أهمية عن قدرة الجيوش على القتال على الجبهات؛ ولذلك تعمل الدولة على حماية جبهتها الداخلية من التفكك.

وهناك الكثير من المؤشرات على أن الصراعات الداخلية يمكن أن تؤدي إلى الانهيار الاقتصادي؛ فمهما كانت قوة النظام السياسي؛ فإنه يمكن أن يقف عاجزا عندما يفقد تأييد جزء من شعبه، وتدور رحى حرب خفية داخل المجتمع لأسباب أيديولوجية.

لذلك فإن علماء استشراف المستقبل يجب أن يهتموا بدراسة الحروب الخفية داخل الدول؛ حيث إنها يمكن أن تؤدي إلى انهيارها؛ خاصة بعد أن تتعرض لهزيمة أمام عدو خارجي.

حرب أيديولوجية داخلية!

تفتح دراسة ماريف سونسزين خبير الشؤون الإسرائيلية في مجموعة الأزمات الدولية -التي نشرتها مجلة الشؤون الخارجية (فورين أفيرز)- عن الحرب الخفية في إسرائيل مجالا جديدا لتطوير علم إدارة الصراع، واستشراف المستقبل عن طريق دراسة العلاقات بين القوى السياسية داخل المجتمع.

وكانت أهم النتائج التي توصل إليها أن المعركة الأيديولوجية سوف تحدد مستقبل إسرائيل.. كيف؟!

يبدأ سونسزين دراسته بالإشارة إلى مذكرة قدمها رونين بار رئيس جهاز الأمن العام (الشين بيت) إلى مجلس الوزراء المصغر (الكابنيت)؛ فهذه المذكرة التي لم يهتم بها أحد تذهب إلى قلب الأزمة التي تعانيها إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023؛ حيث حذرت من الهجمات المكثفة التي يشنها المستوطنون ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، ووصفت هذه الهجمات بـ”الإرهاب اليهودي” الذي يشكل تهديدا للأمن القومي الإسرائيلي.

عار على اليهودية

وصف بار في مذكرته هذا الاتجاه بأنه يشكل عارا على اليهودية؛ حيث تحول المتطرفون اليهود إلى مليشيا لا تكتفي بشنّ هجماتها على الفلسطينيين؛ بل تعتدي على قوات الأمن، ولا تلتزم بالقوانين، ومع ذلك تقوم الحكومة بإضفاء الشرعية عليها. وقد تزايدت هجمات المستوطنين مع العدوان الإسرائيلي على غزة؛ حيث سجلت الأمم المتحدة 1400 حادثة اعتداء على الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ 7 أكتوبر 2023، وشملت هذه الاعتداءات إطلاق النار بشكل مباشر؛ مما أدى إلى تشريد 1600 فلسطيني من منازلهم، وهذا يوضح أن عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين يتزايد.

كما حذر مسؤولون في وزارة الدفاع وأجهزة الأمن من أن الضفة الغربية على حافة الانفجار، وهذا يهدد بتزايد أزمة إسرائيل، وأنها يمكن أن تواجه جبهات متعددة، وأن أجهزة الأمن لا تستطيع مواجهة التحديات.

يفسر سونسزين الصراع بين المستوطنين واليمين المتطرف من ناحية، وأجهزة الأمن من ناحية أخرى بأنه صراع حول الهوية. فهل ستأخذ إسرائيل بتحذيرات مسؤولي الأمن، أم أن اليمين المتطرف سيقودها إلى المزيد من سفك الدماء؟!

إن الكثير من الإسرائيليين ما زالوا يرون أن دولتهم علمانية ليبرالية ديمقراطية، وأن صراعهم مع اليمين المتطرف صراع وجود، وهذه المعركة بين الليبراليين واليمين المتطرف ستشكل السياسات الإسرائيلية، وتؤثر في الأمن.

اليمين يشجع على العنصرية

بدأ الكثير من المسؤولين عن الأمن يحذرون من أن اليمين المتطرف يعمل ضد مصلحة البلاد خاصة سموتريتش وزير المالية الذي يمثل حركة الاستيطان، وإيتمار بن غفير وزير الأمن العام، فاليمين يشجع على العنصرية وعنف المستوطنين؛ لضم الضفة الغربية، وإعادة احتلال غزة لتحويلها إلى مستوطنات. لذلك يدعو بن غفير إلى طرد بار وغالانت وزير الدفاع، بعد أن اتهمهما بالفشل في منع هجوم حماس في 7 أكتوبر.

هكذا يتصاعد الصراع بين اليمين والأجهزة الأمنية إلى درجة غير مسبوقة، بعد أن ربط النتن ياهو نفسه باليمين المتطرف، وترى الأجهزة الأمنية أن طموح اليمين لضم الضفة الغربية سيزيد أزمة إسرائيل، أما الجيش فيطالب بعقد صفقة تبادل أسرى مع حماس، ووضع نهاية للحرب في غزة.

إنه هراء خطابي!

هاجم غالانت النتن ياهو ووصف رغبته في تحقيق النصر الكامل بأنها “هراء خطابي”؛ بينما اتهم النتن ياهو غالانت بأنه يتبنى سردية معادية لإسرائيل، وتزايد الصراع عندما قام النتن ياهو بإلغاء زيارة غالانت للولايات المتحدة لتنسيق الرد على إيران.

كما أن النتن ياهو دمر إمكانية التوصل إلى صفقة بعد أن أصر على احتلال معبر فيلادلفيا، وهو ما رفضته مصر وحماس، وبذلك عمل لاستمرار الحرب إرضاءً لحلفائه اليمينيين، لكن غالانت يصر على الانسحاب من معبر فيلادلفيا لإتمام الصفقة.

التضحية بالأسرى لإرضاء اليمين!

وبعد العثور على جثث 6 أسرى اندلعت أكبر احتجاجات في تاريخ إسرائيل؛ حيث بلغ عدد المتظاهرين نصف مليون في تل أبيب وحدها مطالبين النتن ياهو بعقد صفقة لتخليص من بقي من الأسرى. لكن جريدة هآرتس قالت: إن المسؤولين في وزارة الدفاع يتهمون الحكومة بالتضحية بالأسرى بهدف احتلال غزة.

وهناك عامل آخر يزيد الصراع؛ حيث يعمل اليمين المتطرف للسيطرة على المسجد الأقصى، وإعادة بناء الهيكل، ويقوم بن غفير بتشجيع اليهود على الصلاة في المسجد الأقصى بأعداد كبيرة، وترى الأجهزة الأمنية أن ذلك سيشعل غضب الفلسطينيين والأردن والعالم الإسلامي كله. وتقول تلك الأجهزة إن الحكومة لا تستمع إليها، وإن اليمين يعمل لضم الضفة الغربية وغزة؛ مما يفتح على إسرائيل جبهات متعددة، وإن النتن ياهو يعتمد على اليمين المتطرف للبقاء في السلطة، لذلك سيجلب كارثة إلى إسرائيل!

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان