من السنوار إلى عز الدين القسام.. المقاومة مستمرة والمحتل إلى زوال
ما أشبه الليلة بالبارحة.. مقبلًا غير مدبر في مواجهة محتل إسرائيلي غاصب، هكذا لقي يحيى السنوار ربه، في خاتمة تعيد إلى الذاكرة مشهد استشهاد شيخ شيوخ الجهاد الفلسطيني، عز الدين القسام، الذي حاصرته وأحد عشر من رفاقه قوة كبيرة من جيش الاحتلال البريطاني، وطلبت منهم الاستسلام، لكنهم رفضوا، واشتبكوا مع القوات البريطانية في معركة غير متكافئة، دامت ست ساعات، وانتهت باستشهاد الشيخ القسام وأربعة من رفاقه، وجُرح وأُسر الآخرون، في العشرين من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1935، ليخلد فعله مقولته “إنه لجهاد؛ نصرٌ أو استشهاد”.
استشهاد شكَّل رمزًا في وجدان القضية الفلسطينية
في السادس عشر من أكتوبر/تشرين الأول 2024، وبعد نحو 89 عامًا من استشهاد الشيخ عز الدين القسام، يستشهد يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، واثنان آخران كانا معه، بالطريقة نفسها، في مواجهة مباشرة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، لتُختم حياة السنوار كما تمنى تمامًا، وليصبح استشهاده أيقونة جديدة للمقاومة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، الذي ليس سوى امتداد للاحتلال البريطاني والوريث الشرعي له متمثلًا في الولايات المتحدة الأمريكية.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالبحث عن “بوب وودورد” المصري..!
صراع السرقة في سوريا بين الكبتاغون والملوخية
“المصري” بقايا أغنية قديمة
مشهد استشهاد يحيى السنوار جعل منه رمزًا سيظل محفورًا في وجدان القضية الفلسطينية، وفي قلب كل عربي حر وسائر أحرار العالم.
خاتمة مشرّفة في ساحة المعركة كان يبحث عنها السنوار، خلّدت اسمه مع كبار المجاهدين الذين قادوا معارك عسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي، أمثال قائد المجاهدين عبد القادر الحسيني، الذي دعا إلى الثورة الفلسطينية الكبرى، التي شكَّل استشهاد الشيخ عز الدين القسام الشرارة الأولى لإطلاقها.
ورغم مسيرته القصيرة في قيادة المقاومة، فإن السنوار أنجز خلالها ما لم يسبقه إليه غيره من معاصريه في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وقوى الاستعمار الغربي الصهيوني الداعمة له؛ مما يضعه جنبًا إلى جنب مع أولئك الذين واجهوا الاستعمار الغربي القديم، مثل الشيخ عز الدين القسام، وعمر المختار، والأمير عبد القادر الجزائري، وغيرهم من المجاهدين.
رجل أرهق جيوش قوى كبرى
ومنذ هجوم “طوفان الأقصى” الذي هندسه مع رفاقه، ومنهم محمد الضيف وأبو عبيدة، تحوّل السنوار إلى المطلوب الأول للاحتلال الإسرائيلي، الذي سخّر كل قدراته العسكرية والمعلوماتية والتقنية، مستعينًا بكامل القدرات الاستخبارية للولايات المتحدة الأمريكية وباقي القوى الغربية الكبرى، إضافة إلى جهات إقليمية؛ ليصبح بحق ذلك الرجل الذي أرهق جيوش قوى كبرى، ولم يصلوا إليه، ولكن كان مقتله في مواجهة مع قوات الاحتلال، التي لم تكن تعلم أنها تشتبك معه.
وخلال عام منذ “طوفان الأقصى”، أدى الإعلام الغربي والإسرائيلي والإعلام المتصهين في المنطقة دورًا بارزًا في شيطنة المقاومة والسنوار شخصيًّا، في مشهد يحمل كثيرًا من الدلالات والمفارقات، خاصة في تلك المعركة التي مثّل الإعلام فيها سلاحًا متقدمًا، قد يفوق في أهميته الأسلحة التقليدية.
تعليقات كاشفة للقادة الغربيين
تعليقات القادة الغربيين على استشهاد السنوار كانت كاشفة عما كان يشكله هذا الرجل في تصور هؤلاء، خاصة أولئك الذين ولغوا في دماء الفلسطينيين مع الاحتلال الإسرائيلي.
كان تعليق الرئيس الأمريكي جو بايدن على مقتل السنوار أكثر التعليقات دلالة على ما وصلت إليه الأخلاق السياسية للنخبة الأمريكية، التي يُعَد بايدن أبرز مثال لها في الحقبة الأمريكية الحالية.
لقد رحَّب بايدن بقتل السنوار، ووصف يوم مقتله بأنه “يوم جيد لإسرائيل والولايات المتحدة والعالم”، وقال إن موت السنوار أزاح عقبة أساسية أمام التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، وإطلاق سراح الأسرى المحتجزين لدى المقاومة، وكأن السنوار كان عقبة أمام وقف إطلاق النار في غزة، وخفض تصعيد الحرب في المنطقة!
ومن ناحية أخرى، كان تعليق بايدن استمرارًا لنهج إدارته نفسه الذي قلب الحقائق رأسًا على عقب، لكنه في هذه المرة سعى أيضًا لاستثمار مقتل السنوار سياسيًّا، عبر تجييره انتخابيًّا في معركة انتخابات الرئاسة الأمريكية، التي تخوضها نائبته كامالا هاريس ضد دونالد ترامب!
ماذا بعد استشهاد السنوار؟
بعد إعلان قوات الاحتلال الإسرائيلي مقتل السنوار، كان لافتًا ذلك التناول الكثيف والتركيز الإعلامي الغربي الصهيوني على الحدث، جنبًا إلى جنب مع تصريحات النخب السياسية الغربية، في محاولة لخلق حالة من النصر الزائف للاحتلال الإسرائيلي.
حاول البعض استثمار مقتل يحيى السنوار رئيس حركة حماس؛ لخلق حالة من اليأس والقنوط لدى المقاومة والجماهير الداعمة لها، بهدف تشكيل رأي عام وقناعة بأن المقاومة قد انتهت، باعتبار مقتل السنوار نقطة تحول استراتيجية لن تقوم للمقاومة قائمة بعدها، وفي ذلك قفز على حقيقة أن المقاومة لا تعتمد على أشخاص أو قادة بعينهم، فإذا استشهد قائد جاء غيره، و”إذا غاب سيّدٌ قام سيّدُ”!
ومن ناحية أخرى، سعى الاحتلال وداعمه الأمريكي لاستغلال استشهاد السنوار كورقة ضغط في المفاوضات مع حماس وفصائل المقاومة لإملاء الشروط الإسرائيلية.
يرى البعض أن استشهاد السنوار جعل الحرب تدخل نقطة تحوُّل، على أساس أن غياب السنوار عن المشهد قد يسمح للاحتلال الإسرائيلي بإنهاء الحرب، ومن جهة أخرى، قد يوفر لحماس فرصة مرونة أكبر بعد رحيل قائدها الذي شكَّل مسارها وتوجهها خلال الفترة الماضية.
لكن الحقيقة التي ينبئ بها المشهد، سواء كان السنوار على قيد الحياة أو استشهد، أن تصعيد الحرب لن يتوقف؛ لأن ذلك لا يحقق مبتغى الاحتلال الإسرائيلي وداعميه.
ختامًا
لا شك أن مشهد استشهاد السنوار حرم الاحتلال الإسرائيلي من توظيف كان يتمناه باستثمار مقتله، وألقى بسرديته في مزابل التاريخ.
لقد انضم السنوار إلى قائمة مفتوحة ولن تُغلَق إلى ما شاء الله، من أولئك الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلًا، هؤلاء الذين على أيديهم سيُكتب صك تحرير الأمة من أشكال الاستعمار المباشر وغير المباشر.
فمن استشهاد عز الدين القسام إلى استشهاد يحيى السنوار تبقى الرسالة الأهم، هي “إنه لجهاد؛ نصرٌ أو استشهاد”، تلك هي الرسالة التي ما زال صداها يدوي منذ تسعة عقود مضت حتى الآن، فالمقاومة لا تزال مستمرة، والمحتل إلى زوال، والنصر المنتظر والمحقق يقينًا ثمنه غالٍ ويُدفع بالأرواح والدماء.