رسائل “الوعد الصادق” الإيراني..!

إيرانيون يحرقون العلم الإسرائيلي احتفالًا بإطلاق الحرس الثوري صواريخه على دولة الاحتلال (رويترز)

 

مساء الثلاثاء، أول أكتوبر/تشرين الأول الجاري، نفذت إيران عملية “الوعد الصادق 2” حيث أطلقت صواريخها على إسرائيل، ردًّا على اغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله في بيروت، وقبله القيادي الفلسطيني إسماعيل هنية رئيس حركة حماس الذي اغتالته في طهران.

الوعد الصادق الأول جرى في 13 من إبريل/نيسان الماضي، ثأرًا لقصف إسرائيل مبنى القنصلية الإيرانية في بيروت ومقتل جنرالين كبيرين وخمسة ضباط إيرانيين خلال اجتماع لهم.

بين الوعدين الأول والثاني 170 يومًا، كانت آلة القتل الإسرائيلية تفتك بغزة، وتدمر الحياة تمامًا فيها، واستدارت إلى الضفة الغربية ونفذت اقتحامات في مدنها ومخيماتها، فقتلت وأصابت واعتقلت ألوفًا وخربت البنية التحتية.

وفي لبنان قتلت المئات من أفراد حزب الله، ودمرت مباني ومنشآت كثيرة في الجنوب والضاحية الجنوبية من بيروت، كما استهدفت مناطق يقطنها السُّنة أيضًا.

وكانت عمليتها الأخطر قصف المقرات المركزية لحزب الله واغتيال نصر الله بقنابل شديدة التدمير، تُصنَّف ضمن أحدث ما أنتجته أمريكا من أسلحة ذات قوة تفجيرية هائلة تخترق الأماكن المحصنة وتصل إلى أعماق الأرض.

وأمريكا ليست حليفًا سياسيًّا ودبلوماسيًّا لإسرائيل فقط، بل الداعم الأكبر لها عسكريًّا، وهى شريك أساسي في حرب الإبادة بغزة والضفة ولبنان، وقصف اليمن وسوريا، شريك في كل عدوان ترتكبه إسرائيل ضد العرب منذ عقود، هى العدو القاتل، وإسرائيل آلة التنفيذ، أو البندقية الوظيفية المستأجرة.

وما بين الوعدين الإيرانيين، استهدفت إسرائيل محافظة الحديدة اليمينة بضربات للميناء ومخازن النفط ومحطات الكهرباء والبنى الأساسية، ردًّا على مسيّرات وصواريخ يطلقها الحوثيون عليها إسنادًا لغزة.

النظام العربي وغياب الفاعلية

نحن أمام حرب تتصدر واجهتها إسرائيل، وخلف الستار تواصلها وتشعلها أمريكا وأوروبا وحلف الناتو وحلفاء لواشنطن هنا وهناك.

ومن المخجل القول إن العرب الرسميين ربما أقرب إلى هذا الحلف؛ إما بالصمت المخزي، أو عدم الفاعلية، أو غياب الموقف السياسي والدبلوماسي اللائق الذي يسجله التاريخ لهم دعمًا لغزة التي تقدّم تضحيات مهولة غير مسبوقة، وتضامنًا مع لبنان الذي يتعرض للعدوان، وتُقصف عاصمته، وتُخترق حدوده، وتعيد إسرائيل التوغل في جنوبه، وقد تكرر احتلال جزء من هذا الجنوب لتفرض واقعًا جغرافيًّا وسياسيًّا قسريًّا بذريعة إعادة سكان الشمال إلى بيوتهم وتوفير الأمن لهم.

وحلم الأمن لسكان إسرائيل في الشمال والجنوب، وكل منطقة من فلسطين المحتلة، لن يتحقق بالدم والنار، إنما فقط بالسلام، ولا شيء غير السلام العادل الذي يعيد الحقوق المشروعة إلى الشعب الفلسطيني، لكن هذا السلام صار بعيدًا جدًّا أمام حكومة نازية وأحزاب صهيونية شديدة التطرف.

حلف الشر الحقيقي

إسرائيل وحلفها، وهو حلف الشر والخراب الحقيقي، تواجه حلف المقاومة الشعبية في فلسطين ولبنان واليمن والعراق، ومن خلفهم إيران التي أصبحت -بعد عمليتي الوعد الصادق- في حالة حرب مع إسرائيل، فقد انتقلت من الحرب بالوكالة عبر المنظمات المسلحة المقاومة لتكون طرفًا مباشرًا في الحرب لأول مرة منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979، وبعد هجومها الثاني على إسرائيل يزداد وجودها في الحرب التي صنعها الصهيوني ويتعمد توسيعها.

طبيعة الرد الإسرائيلي المنتظر على الهجوم الإيراني الجديد الذي توعد به نتنياهو قد يجعل الحرب أخطر من أي تصور، لتدخل المنطقة في حريق هائل لن ينجو منه أحد حتى من سمّاه نتنياهو حلف الخير الذي يتشكل من عواصم عربية معروفة، مقابل حلف الشر المزعوم الذي يضم إيران وحركات المقاومة التي تربح شعبيًّا؛ عربيًّا وإسلاميًّا، لأنها وحدها تقاتل الصهيوني اليوم، وتدفع أثمانًا باهظة لمنع استفراده بالمنطقة كلها، ففي الاستفراد إذلال للجميع خاصة المعتدلين العرب الذين سيحولهم إلى تبع طائعين لا يمتلكون من أمرهم شيئًا، ويبتزهم بشكل كامل، ويجعلهم في خدمته بشكل مهين، وهذا الفريق من العرب سيكون قاد نفسه والمنطقة إلى هاوية سحيقة من الهوان.

مواجهة التغول الصهيوني

في هذه اللحظة، إذا استطاعت إيران وحلفاؤها مواجهة التغول الصهيوني وردعه، وإحداث التوازن معه، ومن خلفه حليفه وداعمه الأمريكي والأوروبي، فإن المنطقة ستنجو من شر مستطير يحوم حولها، وستخرج شبه آمنة من خرائط الشرق الأوسط الجديد، وربما تقسيمات جديدة لدوله، والخرائط جاهزة، وسيكون لإسرائيل الهيمنة وحدها دون منافسة.

وإسرائيل في الحقيقة هي مجرد واجهة للمستفيد الأول والأكبر من تغيير وجه المنطقة، وهو أمريكا التي ستكمل فرض نفوذها بصفاقة على كل العرب، واستنزاف جميع مواردهم، خاصة الطاقة، وسكينها الحامية ستمر في الشرق الأوسط الجديد كما تمر في قالب زبدة أو “كيكة طرية” بعد التخلص من كل مقاومة أو ممانعة أو معارضة مؤرقة أو مزعجة لها أو مقاتلة للإسرائيلي، وهو الواجهة لها.

والمؤلم أن فلسطين قد تضيع كلها، وتتحول العواصم العربية إلى حاميات صهيوأمريكية، في إعادة لمأساة ملوك الطوائف بالأندلس عندما كانت دولة موحَّدة قوية مرهوبة الجانب، وبالتناحر تفتت إلى ممالك، وبدأت الممالك تخضع للإسباني الذي كان مهزومًا متقوقعًا على ذاته في ركن قصي، وتدريجيًّا بدأ يقوى أمام تصارع الطوائف التي باتت تطلب حمايته وعونه للفتك بشقيقاتها حتى فتك هو بالجميع في النهاية.

والخطة التي باتت معروفة ومحفوظة تقوم على تمدد إسرائيل الكبرى من فلسطين إلى كل النطاق العربي المحيط بها حتى العراق، وربما بعده، وباعتبارها قاعدة أمريكية في شكل دولة، فإن هذه القاعدة ستكون اتسعت لتشمل الشرق الأوسط كله دون مقاوم عربي أو منافس روسي أو صيني أو حتى أوروبي.

لهذا لا مناص من المقاومة فكرة وممارسة، ففيها النجاة للعرب جميعهم، والانسحاب والانسحاق العربي يمنح الفرصة للأمريكي والإسرائيلي للتوسع الخطير، أو يجعل إيران أكثر نفوذًا ما دامت تجازف وتواجه وتردع وحدها.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان