بعد “السنوار”.. إسرائيل لن تعرف الأمن ولن تسعى للسلام!
الذين يراهنون على أن أوراق إحلال السلام مع إسرائيل ما زالت بيد الولايات المتحدة، عليهم أن يراجعوا عقيدتهم. فالدعوة التي أطلقها الرئيس الأمريكي جو بايدن، الخميس الماضي، بأنه سيرسل وزير خارجيته أنتوني بلينكن إلى تل أبيب خلال أيام للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة والإفراج عن الأسرى، ورغبته في التوصل إلى تهدئة سياسية، قبل منتصف نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، جاءت في إطار ابتهاجه باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد يحيى السنوار.
قال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان إن معلومات استخبارية أمريكية أسهمت في تعقُّب واغتيال السنوار لأنه كان يعوق التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، ويسهم في تأجيج الفوضى، وأن اغتياله قد يشكل فرصة لتحرير” الرهائن” والتوصل إلى تهدئة في المنطقة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsلماذا كان السقوط سريعا؟
دون حكم ديمقراطي رشيد.. أوطاننا في خطر
الاقتصاد السوري.. عجز تجاري سلعي وخدمي مزمن
كلمات الصهيوني المتعصب، رددها أكثر من مسؤول أمريكي، على رأسهم وزير الدفاع، واللافت تكرارها في أوروبا، وعلى لسان وزيرة خارجية ألمانيا، في ظاهرة وصفها رئيس تحرير ميدل إيست مونيتور ديفيد هرست، بأنها “تحيي تحالفًا صليبيًّا غربيًّا جديدًا”.
أعلن بايدن أن عملية الاغتيال تمثل “يومًا جيدًا لإسرائيل وأمريكا”. يتعجل بايدن إعادة الأسرى قبل الانتخابات الأمريكية، والترويج لتصور لغزة بدون حماس، ومواجهة الأصوات والفصائل التي تطالب بتحرير المسجد الأقصى ودعم القضية الفلسطينية، ومخطط يبتر أذرع القوات المدعومة من إيران بكل من لبنان وسوريا واليمن والعراق.
ترعى واشنطن خطة واضحة لاستمرار حالة الحرب في المنطقة لمدة طويلة، بالتوازي مع ما أعلنه قادة الكيان المتطرفون بأنه لا وقت لتهدئة الحرب، ويصعّدون من عدوانهم العسكري على غزة ولبنان وسوريا.
لن تخرج الحرب عن الحدود المرسومة في البيت الأبيض، فلن تجرؤ تل أبيب على مهاجمة طهران بمفردها، لعدم امتلاكها قدرة عسكرية تمكنها من هجوم عنيف وضخم، على مسافة هائلة، دون دعم أصدقائها في الخليج، على منصات البترول أو المنشآت النووية، أو أسطول بحري أو قوات مشاه لغزو إيران.
ستدعم الولايات المتحدة شن عمليات تخريبية ضد إيران واغتيالات ينفذها عملاء الموساد، على غرار اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية، أو هجوم سيبراني يعطل البرنامج النووي. قال بايدن “أعرف طريقة وتوقيت الرد الإسرائيلي على الهجمات الصاروخية الإيرانية”. أنهى دعم واشنطن المطلق للعدوان الإسرائيلي الوحشي دورها كوسيط نزيه في أي اتفاق للسلام، بينما تعكس تصريحات سفير الاتحاد الأوروبي في تل أبيب امتنان الاتحاد باغتيال السنوار معتبرًا ذلك فرصة لإطلاق سراح “الرهائن”، واستسلام حماس وإنهاء الحرب.
لا تملك الصين القدرة على تحريك عملية السلام، بل ستصب مآسي الحرب المحدودة في مصالحها، بعد أن تتحول المنطقة إلى مستنقع كراهية للولايات المتحدة، قد تثير الشعوب وتنهي هيمنتها المزمنة على الشرق الأوسط، بينما روسيا المتصالحة مع كل الأطراف لا تملك القدرة على التدخل.
تحية للشهيد
لم يعد هناك أمل في الجامعة العربية وأعضائها للقيام بأي مهمة تعيد عملية السلام إلى مسارها المعطل منذ سنوات، خاصة بعد أن أظهرت الحرب الخذلان العربي للقضية للفلسطينية، إما بالانقسام أو لقلة الحيلة بعدم امتلاك وسائل تجبر المعتدي على احترام الحقوق العربية، ومنعه من مواصلة مجازر قتل فيها 42 ألفًا و500 إنسان، وأصيب 100 ألف أكثرهم من الأطفال والنساء.
أظهر اغتيال السنوار وقوف دول عربية بصفوف الشامتين في اغتياله، وآخرين إما ضعفاء أو غير قادرين على إدانة الاغتيال والترحم على قائد نال شهادة تقدير من أعدائه قبل محبيه الذين أعلنوها بوضوح في تل أبيب، ونشروها بالصحف والقنوات.
أدى كثير من الشباب والعسكريين الأجانب التحية العسكرية للسنوار، لدوره البطولي في قيادة معركة غير متكافئة لمدة عام، مع جيش نظامي مدعوم بقوة من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ووفاته بين جنوده في ساحة المعركة.
هؤلاء يُبدون اعجابًا باستشهاده مرتديًا زيه العسكري، ممسكًا بسلاحه، مقبلًا على عدوه، وهو يقاتل وسط رجاله، متقدمًا جنوده، فلم يهرب مثل نتنياهو الذي يفر كالفئران إلى الأنفاق كلما سمع دوي إطلاق النيران على مسكنه أو مقر حكومته. ميتة الشهيد المقاتل حرمت الكيان من ترويج أكاذيبه، ورواية مضللة رددها الصهاينة عن وجوده في أنفاق غزة متحصنًا بالأسرى.
فتح اغتيال السنوار شهية المتطرفين اليهود والقادة العسكريين للانتقام مِن كل مَن يفكر في استعادة الأراضي الفلسطينية، أو التصدي لمحاولات إسرائيل السيطرة على ما تبقي للسلطة من مناطق داخل الحزام الأخضر، وما ترغب في احتلاله جنوبي لبنان والجولان.
يرفض نتنياهو دعوة بعض أنصاره إلى الاستفادة من اغتيال السنوار، بإبرام صفقة تسوية سياسية كبرى في غزة وجنوبي لبنان، والتهدئة مع إيران. أعلن نتنياهو “مواصلة الحرب إلى أطول مدة ممكنة”، لأن وقف الحرب رسميًّا من وجهة نظره وعصابته العنصرية، قد تمكنهم من تحرير الأسرى عبر إغراءات قدموها لمن يسلمهم أحدهم، بينما يصرون على إعادة احتلال غزة عسكريًّا، ويخشون تدخل المجتمع الدولي لإعادة إعمار ما دمرته أيديهم، والأهم بالنسبة لنتنياهو أن يبقى في السلطة عبر حكومة عسكرية، تحميه من محاكمته عن فساده المالي وجرائم القتل ضد الإنسانية، وفقًا للائحة اتهامه في المحكمة الجنائية الدولية.
جنون الصليبيين الجدد
وسط جنون الحرب الذي يوظفه بايدن وحلفاؤه لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي والغربي من الركود، لم يفقد العقلاء الأمل في السلام. كتب المدير بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي ستيفن كوك “من المهم أن نفهم أنه في حين أن حماس في وضع حرج بعد اغتيال السنوار، فإن وفاته لا تعني تحقيق انفراجة في الحرب بين إسرائيل وحماس، فلن يغيّر مقتله الكثير”.
أشار كوك إلى قتل الإسرائيليين قادة حماس من قبل دون أن يكون لذلك تأثير ملموس على أمنهم العام، وعلى مدار العام الماضي، أثبت السنوار أنه وحماس كانا خصمين هائلين لقوات الدفاع الإسرائيلية الأكثر قوة، حيث جر الجيش الإسرائيلي ببراعة إلى معركة حصرية صعبة أسفرت عن مقتل عدد كبير من الجنود الإسرائيليين، وألحقت الضرر بالمكانة الدولية لإسرائيل.
يؤكد كوك أنه من الممكن أن تتضاءل قدرات حماس لبعض الوقت بعد وفاة السنوار، ولكن يبدو من غير المرجَّح أن تنهار حماس تمامًا، وحتى لو حدث ذلك فمن المرجَّح أن تستمر الكوادر المسلحة للجماعة في القتال، وعلى المدى المتوسط إلى البعيد، قد تنشأ مجموعة جديدة لمواصلة القتال.
كتب جيمي ديتمر -محرر الرأي بصحيفة بوليتكو أوروبا- بعد اغتيال السنوار، مؤكدًا أن رحيله لا يعني أن الحرب انتهت، فهي مجرد بداية النهاية، مذكرًا بقول إسحاق رابين الذي كان يكره المستوطنين من المتطرفين اليهود “بصفتي خبيرًا عسكريًّا قضيت 32 عامًا في الخدمة، فإن أكبر خطأ ارتكبته إسرائيل هو عدم التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين، إنه أكبر خطأ وأكبر فشل للإسرائيليين”.
يشير ديتمر إلى أن نتنياهو لا يملك خططًا لليوم التالي للحرب، ولم يستطع توفير الأمن لإسرائيل، وهي الكارثة التي تتكرر من جيل إلى آخر، فيكرر الخطأ الذي ارتكبه أسلافه، وهو الذي حاول رابين تصحيحه؛ مما كلفه حياته (على يد المتطرفين)، مؤكدًا أن أي شخص يهتم بمستقبل إسرائيل، التي تعاني صراعات داخلية، لا بد أن يفهم أن إسرائيل لن تنجو إذا لم تُحل القضية الفلسطينية، لأن القصة بمقتل قادة حماس أو حزب الله لم تنته بعد.