«المُسيرة” أسقطت نظرية أمن إسرائيل

ملصق يصور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن القومي إيتامار بن غفير مكتوب عليه "يا رب، ساعدني على النجاة من هذه القضية المميتة"، في تل أبيب (رويترز)

لم يكد تمر 36 ساعة على زهو نتنياهو رئيس وزراء عصابة الاحتلال الصهيوني أمام الكاميرات وتمطعه وهو يقول “لقد أصبح العالم أفضل” في إشارة إلى استشهاد البطل يحيى السنوار، وما تبعه من نفس الزهو للرئيس الأمريكي بايدن وأتباعه في ألمانيا وبريطانيا، حتى كان نتنياهو نفسه يبحث لنفسه عن ملجأ خروج من بيته في قيسارية في قلب تل أبيب بعد أن تمكنت مسيرة لبنانية من اختراق أجهزة الدفاع الجوي للكيان، وعبرت داخل العمق الإسرائيلي 70 كم، وتخطت قبتهم الحديدية ومنظومة الدفاع الجوي (ثاد) القادمة من الولايات المتحدة لتضرب بيت نتنياهو وتصيبه مباشرة.

كانت قوات الدفاع والطائرات الحربية وأعداد كبيرة من سيارات الشرطة والجيش تهرول في السابعة صباحا لتطمئن أن رئيس وزراء العصابة لا يزال حيا وزوجته على قيد الحياة. حالة من الرعب اجتاحت الكيان الصهيوني فرغم أن طائرات وصواريخ حزب الله والمقاومة الإسلامية اللبنانية والعراقية، واليمنية طالت عمق الأراضي المحتلة خلال الأسابيع الماضية، لكن وصول مسيرة إلى منزل نتنياهو أصاب الجميع بالهلع، وأعلنت أجهزة الأمن الإسرائيلي عن إجراءات من أجل رئيس الكيان ووزراء الحكومة حتى لا تتكرر وصول الطائرات المسيرة إلى مخادعهم كما حدث مع نتنياهو.

النهاية الأسطورية للسنوار

لم يكن في استطاعة أي كاتب درامي أن يرسم نهاية لبطله القادم من عالم الأساطير الإغريقية، او اليونانية القديمة، أو أبطالنا في الملاحم الشعبية، والملاحم الواقعية لأبطال التاريخ الإسلامي أن يصل بنهاية يحيى إبراهيم السنوار إلى تلك النهاية التي خطها له القدر وخطها السنوار نفسه في روايته الوثائقية (شوك وقرنفل) وهو في السجن، ونشرت 2004 لقد رسم أبو إبراهيم لحظة استشهاده كأنما رآها رؤى العين ” الآن جاء الموعد يا أمّاه، فلقد رأيتُ نفسي أقتحم عليهم مواقعهم، أقتلهم كالنعاج ثم أستشهد. ورأيتني بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنات النعيم، وهو يهتف بي مرحى بك، مرحى بك ” ختام رواية السنوار (شوك وقرنفل)

لقد رأيته كذلك وهو يدرك النهاية بعد أن قاوم بكل ما يملك من سلاح هذه القوة التي اشتبكت معه، فقد أدرك أنها النهاية وكان عليه أن يوزع المهام الأخيرة على رفيقيه في هذه المبنى بعد إصابته جراء الطلقة المدفعية الأولى، ثم اشتبك مع القوة القادمة بسلاحه الرشاش وأصاب أحدهم إصابة قاتلة، وعندما أدرك وأيقن بعد إصابة يده اليمنى وربطه لها بأحد الأسلاك حتى يوقف النزيف أن لحظة الشهادة التي رآها قد حانت، اتخذ وضعيته باتجاه القبلة وصلى صلاة مودع، وبينما هو غارق في صلاته على كرسيه المفضل له، دخلت مسيرة تصوير تستطلع من بالداخل فقذفها بعصاه التي بشماله وهو ينظر بعين محركها متحديا المسيرة، ومن خلفها من قادة الكيان اللقيط، ومعلنا تحديه حتى النهاية بعصاه وبيده اليسرى وبقوة عينيه، مات موتة الرجال  والمجاهدين الأبطال.

مات المناضل المثال/ يا ميت خسارة عَ الرجال

مات الجدع فوق مدفعه وسط الغارات/ جسّد نضاله بمصرعه ومن سُكات

“من قصيدة جيفارا مات لأحمد فؤاد نجم”

لم تكن تلك النهاية الأسطورية القادمة من أعماق الأساطير تخطر على بال أي من قادة الكيان الصهيوني والغرب الأمريكي الأوروبي. لقد صنعت اللقطات التي سربها الجيش الصهيوني من السنوار أسطورة عالمية لم يتخيلها نتنياهو أو بايدن وغيرهم من الأتباع عجما وعربا من الساعين إلى الرضاء الأمريكي الصهيوني فأصابهم الخلل وغابت لحظات انتشائهم لتتحول إلى كابوس يؤرقهم بفعل نهاية القائد الشهيد الأسطورية، أصبح السنوار بطلا لدى العالم الإنساني سيبقى وتزول دولة قاتله، وكما كانت الضربة الإيرانية صباح يوم حزين على الأمة باغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله جاءت المسيرة اللبنانية صباح ليلة إنسانية مليئة بالحزن على القائد المقاوم الشهيد يحيى السنوار.

وتتساقط أقنعة الصهيونية

لم تكن الضربة التي وجهتها المقاومة الإسلامية في لبنان (حزب الله) السبت 19 أكتوبر/ تشرين الأول عبر أكثر من 150 صاروخا وثلاث طائرات مسيرة نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة تهدف إلى إشغال القبة الحديدية، وضرب عدة قواعد عسكرية، ومناطق داخل العمق الإسرائيلي فقط، بل أرادات المقاومة ورجال حزب الله أن يؤكدوا نظرية الأمين العام الشهيد حسن نصر الله أن الضاحية بالشمال، وبيروت بتل أبيب، والقادة بالقادة، هكذا جاءت الطائرة المسيرة التي هزت الكيان الصهيوني بعنف، وأصابت نظرية الأمن الإسرائيلي في مقتل، ووضعت كل الأفكار التي بني عليها المجتمع الصهيوني في وحل السقوط.

كان هروب نتنياهو وزوجته من منزله وبحثه عن ملجأ، وانتقال هذا الهروب والبحث عن ملجأ لقادة عصابة الكيان الصهيوني، وانتقال الرعب إلى جيران رئيس الوزراء الذين لم يسمعوا صفارات الإنذار بينما المسيرة اللبنانية تحلق فوقهم هو أهم نجاحات المسيرة اللبنانية، وبعيدا عن فرحة كل شريف في العالم العربي والإسلامي بوصول الطائرة إلى منزل نتنياهو وأمنياتنا أن تكون قد أصابته فقد أصابت المسيرة مستقبل الكيان نفسه، هذا المستقبل الذي سينهيه نتنياهو بنفسه لاستمراره في جذب المنطقة إلى حرب إقليمية قد تمتد لعالمية ثالثة.

لقد خرج نتنياهو في تصريح مقتضب بعد ساعات من إصابة منزله ليقول إنهم مستمرون في حربهم. نعم كان نتنياهو مهزوزا، ولغة جسده توحي برعبه إلا أنه أصر على المضي قدما سواء في مجازره في شمال قطاع غزة وخاصة مخيم جباليا الذي يتعرض لإبادة جماعية وليس فقط مذبحة، أو في محاولاته في جنوب لبنان، أو سعيه لضرب إيران. نتنياهو الآن لا يدرك إلى أين يمضي وكل ما يسعى إليه حفظ مكانته لدي أتباعه في المنطقة. هؤلاء الذين يشمتون في استشهاد قادتنا، وذبح أبنائنا وأهلنا، ولكن ما يفعله نتنياهو الآن أنه يمضي بنفسه وبالكيان إلى نهايته.

لقد تساقطت أقنعة الكيان الصهيوني كاملة، فالكيان الذي سوّق نفسه للعالم أنه واحة الديمقراطية أصبحت صورته في العالم الكيان المجرم قاتل الأطفال والنساء، الذي يحرق الإنسان حيا. الكيان الذي ادعى أنه مثال للقوة العسكرية الكبرى في المنطقة ها هي حركات المقاومة العربية في فلسطين، لبنان، اليمن، العراق تقول له إنك أوهن من بيت العنكبوت. القادة الذين قالوا لليهود والصهاينة في العالم ها هم يبحثون عن مخبأ لهم يتخفون فيه من مسيرات المقاومة اللبنانية.

سقطت نطرية أمن المواطن الإسرائيلي إلى غير رجعة مهما فعل الكيان بعد ذلك، ومهما كانت تضحيات أهلنا في غزة والضفة، والجنوب اللبناني، وبيروت، فإن تلك الدماء الطاهرة للقادة والشعوب ستكون نهاية الكيان وتحرير فلسطين من البحر إلى النهر، ومعها يكون بعثا جديدا لأمتنا العربية والإسلامية، إن نصر الله قريب.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان