رسالة العقيد عميروش إلى السنوار

الشهيد السنوار عقب اطلاق سراحه من السجون الاسرائيلية في أكتوبر 2011 (الفرنسية)

نبهني الزميل الكاتب الصحفي الجزائري عثمان لحياني مراسل صحيفة “الخبر” بتونس فور إعلان خبر اغتيال يحيى السنوار قائد حركة حماس إلى أن تكثيف الاستعمار الفرنسي لاغتيال قادة الكفاح المسلح ببلاده في خمسينيات القرن العشرين لم يحل دون استكمال طريق ثورة التحرير الجزائرية، وصولا إلى الاستقلال 1962. وأشار على نحو خاص إلى تشابه بين مسيرة ومصير بطل فلسطين الشهيد السنوار في رفح مع شهيد الثورة الجزائرية البطل العقيد عميروش في جبل ثامر شرقي البلاد، وكلاهما خلال قتال واشتباك بالسلاح مع المستعمر المحتل.

قبلها بأيام بمضي العام الأول على هجوم طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول كان بيننا حوار حول كتابه الجديد بعنوان “أسئلة الطوفان وأجوبة الثورة: أكتوبر الفلسطيني في ميزان التجربة الجزائرية”.

ذاكرة الثورة الجزائرية

وأكتوبر الفلسطيني

عندما راجعت أرشيفات الصحافة الجزائرية، عثرت في جريدة “الشروق”، منافس “الخبر” في الانتشار والتوزيع، على ما يفيد وعي مثقفين جزائريين علاوة على لحياني، بأن أكتوبر الفلسطيني يعد لحظة فارقة في إعادة إحياء القضية الفلسطينية، على طريق التحرر الوطني للشعب الفلسطيني، تماثل ما وقع في تاريخ حرب التحرير في بلادهم.

اقرأ أيضا

list of 4 itemsend of list

وعلى نحو خاص، يحضر للذاكرة اليوم هجوم 20 أغسطس/آب 1955 في قسنطينة بالجزائر، وقد شمل معسكرات ومرافق ومنشآت عديدة للاستعمار بالمدن والمستعمرين في مزارعهم بالأرياف، وأعقبته ثلاثة تحولات هي: أولا تصعيد المستعمر المحتل الفرنسي للتقتيل الجماعي والإبادة الإجرامية ضد الشعب الجزائري ومدنييه بهمجية غير مسبوقة. وثانيا موجة اغتيالات واختطاف وتعذيب لقادة المقاومة، كان من ضحاياها عميروش في 29 مارس/آذار 1959. وثالثا تصعيد وتطور في المقاومة المسلحة للاستعمار فيما أصبح حلقتها الأخيرة نحو الاستقلال والجلاء 1962.

واللافت أن الأكاديميات بالجزائر ما زالت تشتغل على دراسة وتحليل اغتيالات قادة الكفاح المسلح في بلادها إلى اليوم، ومثال ذلك دراسة الباحثتين وفاء دريدي ووسيلة مرزوقي المنشورة في دورية “المجاهد للدراسات الاجتماعية والإنسانية”، التي تصدر من جامعة باتنة (العدد 11 ديسمبر 2021).

65 عاما

بين الاغتيالين

بالرجوع إلى سيرة حياة العقيد عميروش تتبين تشابهات عديدة مع سيرة السنوار، على أصعدة الجوانب الإنسانية والقتالية الفدائية. فكلاهما تعرض لتجربة الاعتقال في سجون الاحتلال، وإن كان البطل الفلسطيني قد قضى بها مدة أطول بكثير، نحو 22 سنة. لكن أتيح للبطل الجزائري التنقل والإقامة فترات خارج الجزائر، وفي فرنسا نفسها. وهذا ما لم يكن للسنوار، الذي لم يغادر قطاع غزة، خارج الاعتقال، وظل مرتبطا بمخيماته التي ولد بها.

ولد السنوار في 1962 بعد نحو ثلاث سنوات من استشهاد عميروش، وبين مقتل الرجلين على أيدي عسكريي المستعمر المحتل نحو 65 عاما. وتأمّل نضالات الشعوب ضد الاستعمار والظلم والهمجية والعدوان على الإنسان والإنسانية، يسمح بأن نخمن ما كان سيقوله البطل الجزائري المقاتل بدوره حتى النفس الأخير للسنوار ورفاقه، وكل من يقدر مسيرته، وشهادته في سياقها، ووفق ملابساتها المعلومة.

ويتضح أن هذا التقدير عابر للانتماءات السياسية والأيديولوجية، بل والقوميات والأديان. ويمتد لينتشر بين أحرار العالم المخلصين لنضالات التحرر من شرق آسيا إلى أمريكا اللاتينية. وهو ما تأكد في تعبيرات عديدة بالكلمة والصورة وفي الفضاءات الخاصة والعامة بعد نبأ استشهاد السنوار، وهو يجاهد بسلاحه. ولذا بدأت تظهر وسريعا أوصاف للسنوار من قبيل: “جيفارا العرب والقرن الحادي والعشرين”.

يقول عميروش أحد قادة ورموز الثورة الجزائرية وكفاحها بالسلاح للسنوار:

ـ استشهادك ورفاقك، ومن قبل سلفك في قيادة حماس إسماعيل هنية، ضربة لنضال شعبك من أجل الحرية. لكنها سترتد إلى المستعمرين متعقبيك وقاتليك. وهذا لأن المقاومة بالسلاح، لا تموت طالما بقي الاحتلال والظلم. بل ستقوى وتشتد وتتطور إلى آفاق لم نعاصرها في حياتنا قبل الاستشهاد، وتمضي إلى تحقيق أهدافها، وحتى لو مرت بمراحل جزر وانحسار جراء المجازر والاغتيالات والقمع والحصار.

ـ يقول المستعمرون الصهاينة الإسرائيليون والأمريكيون ومن حالفهم إنهم قضوا على “إرهابي مخرب خطير”؛ مما سيغير مصير المعارك. وهذا تماما ما قالوه وادّعوه عن استشهادي ورفاقي خلال الاشتباك المسلح. وهو دوما ما يقولون ويدعون لتشويه كل المقاتلين من أجل الحرية في العالم. وهل ننسى ما ادعوا لعقود على نيلسون مانديلا الزعيم الجنوب إفريقي؟ وكيف عادوا للاعتراف والاحتفاء به؟

ـ إلى اليوم وإلى ما شاء الله، يحتفل ناسي وشعبي في عموم الجزائر بذكرى استشهادي وذكريات وتاريخ نضالي، وهو ما سيحدث لك ولأمثالك، وحتى ممن اختلفوا معك، أو تنكروا لك خضوعا لموازين قوى اللحظة، أو حملوك وكفاحك المسلح زورا وبهتانا المسؤولية عن زيادة معاناة شعبك، لاعتبارات السياسة والعلاقات الإقليمية والدولية. وتيقن أن كل هذا سيتبدل يوما ما، ولن يصح إلا الصحيح.  وفي الخواتيم لن يهزم التعايش مع الظلم ومجاراة الظالمين، في زمان جبروت لن يدوم، المبادئ والقيم.

ـ حملت عبء القيادة السياسية لحركتك المقاومة حماس بعد اغتيال الشهيد هنية، وأنت تقاوم بالسلاح والمستهدف المطلوب رقم 1 داخل فلسطين وتحت قصف الاحتلال المجنون، وسيطرته على الجو، وتمشيطه مرارا لكل بقعة في قطاع غزة.

ولعل قرار الحركة هذا سعى لاستلهام رمزية نضالك في ميدان القتال والاستقواء بها، وجاء انتصارا للمقاومين بالداخل، وفي أتون حرب الإبادة. لكن المقاومة الفلسطينية بالسلاح في حاجة إلى تدبر تجارب ثورة الجزائر وغيرها، لإعادة ترتيب البيت الداخلي بالوحدة، وتوزيع الأدوار بين الداخل والخارج، وبقيادة سياسية أكثر تحصينا من استهداف الأعداء. ولو كان ذلك بحكومة منفى وطنية خارج الأرض المحتلة، مناضلة بحق ومحل اتفاق بين المناضلين من أجل الاستقلال، وعلى غرار الحكومة الجزائرية المؤقتة بالقاهرة بين 58 و1962 برئاسة فرحات عباس ثم بن يوسف بن خدة.

ـ تخوض وشعبك الفلسطيني، في هذه الحلقة المهمة من تاريخ نضالكم التحرري الطويل، هذه المعركة الممتدة منذ 7 أكتوبر 2023 في ظروف أكثر صعوبة وقسوة مقارنة بما كنا عليه بالجزائر، ونحن نقاوم استعمارا استيطانيا، لكن لم يكن إحلاليا يقوم على طردنا من بلادنا. وهي أيضا ظروف أكثر صعوبة وقسوة نظرا إلى:

أولا: غياب ظهير ودعم إقليمي عربي بإمدادات السلاح يماثل ما توفر لثورتنا، وخاصة من دول، وأكرر دول، مصر وتونس والمغرب.

وثانيا: غياب حلفاء مؤثرين على المسرح العالمي بقوة ما كان لنا من دعم الاتحاد السوفيتي.

وثالثا: التطور التكنولوجي في صناعة السلاح ووسائل الدمار عند الأعداء، الذي لم يكن قائما في زماننا.

ورابعا: استلاب مجموعة لشرعية التمثيل الوطني الفلسطيني، بعدما اعترفت بالاحتلال وتنكرت للكفاح المسلح، وما زالت تعمل “جندرمة” بخدمته ضد المقاومين.

لكن هل المعارك الكبرى المفروضة على الشعوب والأحرار تخاض في ظروف مثالية وكأن كل شيء على ما يرام بكل المستويات؟ وهل الحسم رهن اعتبارات وموازين الراهن والمنظور؟ ومحدثك نفسه لم يدرك نصر استقلال الجزائر، الذي جاء بعد ثلاث سنوات من استشهاده ورفاقه.

*

على هذا النحو، جاءت الرسالة الافتراضية المتخيلة من العقيد عميروش الشهيد المقاتل البطل الوطني بجبل ثامر في الجزائر 1959 إلى السنوار الشهيد المقاتل البطل الوطني بحي السلطان في رفح فلسطين 2024، ولأنصاره ولمن يستكمل طريقه.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان