بعد الهجوم الإسرائيلي على إيران.. هل يتحقق الردع ويتوقف التصعيد؟

الصراع الممتد بين إيران وإسرائيل منذ قيام الثورة الإيرانية 1979
هل تتوسع المواجهة بين إسرائيل وإيران؟ (الجزيرة)

بعد الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران، الذي جاء بعد ستة وعشرين يومًا من الرد الإيراني على الهجوم الإسرائيلي السابق، يبدو المشهد معقدًا، وهذا ما يستدعي محاولة استكشاف الصورة في ظل عمليات الرد والرد المتبادل.

بعد الضربات الإسرائيلية على إيران، يطرح سؤال نفسه، وهو: هل حققت إسرائيل هدفها باستعادة الردع؟ وهل يمكن أن تشهد المنطقة تصعيدًا في المواجهة بين إيران وإسرائيل، وخاصة بعد التصريحات الإيرانية بالتمسك بحق الرد؟

واشنطن تدير المشهد

قبل الهجوم الإسرائيلي على إيران، كان الرئيس الأمريكي جو بايدن وإدارته يؤكدون باستمرار حق إسرائيل في الرد دفاعًا عن نفسها، ولكنهم كانوا يحثون تل أبيب على أن تكون الضربات دقيقة وتحد من الخسائر المدنية.

وعقب الهجوم، وصف المسؤولون الأمريكيون الضربات بأنها نوع من الرد المتناسب، وكانت مُعدَّة بعناية، وتحد من الخسائر المدنية.

وقد بدا واضحًا -وفقا للمعلومات المتوفرة بعد الضربات الأخيرة- أن إسرائيل قد التزمت في تنفيذها بالمحددات الأمريكية، بل يبدو واضحًا أن واشنطن هي التي أدارت عملية الرد الإسرائيلي وحددت توقيتها والمواقع المستهدَفة، وهذا في حد ذاته يُظهر مدى قدرة الولايات المتحدة على ضبط التحركات الإسرائيلية متى أرادت ذلك، وفقًا لمصالحها الاستراتيجية؛ مما يطرح سؤالًا بشأن عدم تفعيل هذه القدرة في منع عمليات الإبادة التي تمارسها إسرائيل في غزة والضفة ولبنان.

إسرائيل والردع المفقود

منذ طوفان الأقصى دعمت الولايات المتحدة الأمريكية تل أبيب بشتى السبل الممكنة؛ لتمكينها من استعادة صورة إسرائيل في الردع والقوة، التي تُعَد امتدادًا لصورة الردع الأمريكي والغربي في المنطقة، التي أطاح بها طوفان الأقصى وضربات المقاومة والضربات الإيرانية على إسرائيل.

لكنَّ عامًا مضى منذ بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية على غزة، يؤكد أن الردع الإسرائيلي بات مفقودًا، ويبدو أنه ذهب إلى غير ذي رجعة، رغم الوحشية التي تمارسها القوات الإسرائيلية في غزة ولبنان.

يأتي الهجوم الإسرائيلي على إيران في 26 من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وأحد أهدافه الرئيسية استعادة صورة الردع والقوة في مواجهة إيران، ولكن هل استعادت إسرائيل هذا الردع؟ هذا ما تسوقه إسرائيل وتدندن عليه، ولكن ماذا تخبر المعطيات على الأرض؟

بعد طوفان الأقصى، أدركت قيادة الاحتلال الإسرائيلي أن منظومتها الردعية قد اهترأت، وأن الجدار الحديدي الذي بنته في المنطقة على مدار عقود قد انهارت أعمدته.

لقد كان أحد الأهداف الرئيسية للهجوم الإسرائيلي على إيران، هو ترميم صورة إسرائيل واستعادة مكانتها الإقليمية.

لقد بُنيت صورة إسرائيل على أساس أنها الأقوى عسكريًّا والأكثر تفوقًا في المنطقة، وكان هذا التفوق هو ما تستثمره وتعتمد عليه إسرائيل في بناء علاقات التطبيع مع دول المنطقة، من منطلق أن قوتها هي الدافع لدخول دول المنطقة في علاقات تطبيع معها، وأن ضعفها لن يدفع أحدًا إلى التفكير في ذلك.

هل حققت إسرائيل هدفها باستعادة الردع؟

لقد أرادت إسرائيل عبر الهجوم الأخير على إيران أن توجه رسالة إلى المحيط الإقليمي بأنها الأقوى في المنطقة، فهل استطاعت فعلًا أن تحقق ذلك؟

بنظرة تحليلية للتصريحات الرسمية للقادة الإسرائيليين منذ الضربة العسكرية الإيرانية في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، نجد أن سقف الأهداف كان عاليًا، بل في أعلى درجاته على الإطلاق.

كانت تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت مؤشرًا واضحًا إلى السقف المرتفع لأهداف الهجوم على إيران، إذ قال “ضربتنا لإيران ستكون مميتة ودقيقة”. وأضاف “العالم سيدرك ما قامت به إسرائيل من استعدادات، بعدما تضرب إيران”.

لقد جعلت التصريحات الرسمية الإسرائيلية على المستويين السياسي والعسكري من هذا الهجوم على إيران عملًا استراتيجيًّا، وكأن إسرائيل ستغيّر وجه المنطقة بتلك الضربات.

ووفقًا للمعطيات على الأرض، واستخلاصًا مما أعلنه الطرفان الإسرائيلي والإيراني؛ فإن نتائج الهجوم على أرض الواقع بعيدة تمامًا عن سقف الأهداف التي روجت لها تل أبيب.

ويبدو واضحًا أن الإسرائيليين حتى اللحظة ليس لديهم علم بتفصيلات النتائج على الأرض، أو أن الكشف عن حقيقة هذه النتائج سيُظهر التراجع عن السقف العالي للغاية الذي روجت له إسرائيل قبل الهجوم.

ولذلك فإن خلاصة الهجوم على إيران، هي أنه لم يعزز صورة الردع كما أراد الإسرائيليون، بل إنه على العكس من ذلك يصب في مسار الإضعاف، ويضيف شرخًا جديدًا لصورة إسرائيل في الردع والقوة.

هل تتوسع المواجهة بين إسرائيل وإيران؟

بالنظر إلى الهجوم الإسرائيلي الأخير، ومن قبله الضربات الإيرانية على إسرائيل في الأول من أكتوبر، يبدو أن الطرفين لا يسعيان في الوقت الحالي لحرب شاملة في هذه المرحلة، وأن المواجهة المباشرة غير مرجَّحة في الوقت الحالي.

وقد نقل موقع أكسيوس الأمريكي أن إسرائيل أرسلت عبر أطراف عدة رسالة تحذيرية إلى طهران قبل تنفيذ هجومها الجوي فجر السبت.

وأشار الموقع إلى أن الإسرائيليين أوضحوا للإيرانيين سلفًا “ما الأهداف التي سيهاجمونها، وما الذي لن يهاجموه”.

وقد ذكر الموقع -وفقًا لمصادره- أن الرسالة الإسرائيلية كانت محاولة للحد من الهجمات المتبادلة المستمرة بين إسرائيل وإيران، ومنع دخول المنطقة تصعيدًا أوسع نطاقًا.

ووفقًا لما سبق، يتضح أن الهجوم الإسرائيلي جاء وفقًا لقواعد الاشتباك التي وضعتها إيران بضربتيها السابقتين على إسرائيل، إذ أبلغ الإيرانيون تل أبيب بتلك الضربات قبل تنفيذها.

بعد الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران، يبدو واضحًا أن معادلة توازنات القوى ما زالت نشطة وتحكم المشهد في المنطقة، وتحرص الولايات المتحدة على الحفاظ عليها، عبر إدارة مشهد الضربات الإسرائيلية الأخيرة على إيران.

ومن الواضح أن إيران وإسرائيل لن يذهبا نحو حرب شاملة في المدى المنظور، لكن دائرة الرد والرد المضاد بين الطرفين في حدود قواعد الاشتباك قد تحكم المشهد في الفترة القادمة.

ختامًا

ما بين محاولات إسرائيل استعادة الردع المفقود من خلال هجومها على إيران، والخوف من توسُّع المواجهة والتصعيد، تبقى المنطقة دائمًا على صفيح ساخن، وهذا ما تديره واشنطن وفقًا لمصالحها الاستراتيجية، وتسخّر له إسرائيل.

ويبقى الخاسر الأكبر من كل ذلك دول المنطقة المغلوبة على أمرها، التي تدور بين نار القرب من إسرائيل، ولهيب الخوف المرضي من الجارة الإقليمية، الذي تؤججه الولايات المتحدة الأمريكية.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان