الذكاء الاصطناعي سبب جديد من أسباب الموت!

مركز تقني في تايوان (الأناضول)

 

قديمًا قال الشاعر ابن نباتة السعدي، وكان أحد شعراء سيف الدولة الحمداني:

مَن لم يمُتْ بالسيفِ ماتَ بغيرِهِ …. تعدَّدت الأسبابُ والموتُ واحدُ

وذهب شطر البيت الثاني مثلًا، وشاع على ألسنة الناس من العامة حتى لم يعد يُذكر قائله، واستخدمه الناس للتعبير عن إيمانهم بأن للموت شكلًا واحدًا واسمًا واحدًا مهما اختلفت أسبابه.

العالم الجديد

في عصرنا صرنا نعيش انفصامًا واضحًا بين عالمين؛ أحدهما واقعي والآخر افتراضي، وقد اكتسح الافتراضي حياتنا بشكل يكاد يزيح معه العالم الواقعي، فنرى التعلق المخيف للجيل الشاب بالأجهزة الإلكترونية إلى حد انفصالهم عمّن حولهم. حتى أثناء زيارة الناس بعضهم بعضًا، ترى الكل بعد دقائق من الترحيب غارقين في محادثات جانبية عبر أجهزتهم الذكية، والهواتف أكثرها وأسهلها استخدامًا.

قبل ثلاثين عامًا، كتب الفيلسوف “سينيت” عن قلقه بشأن (الاعترافات القهرية والبوح بالأسرار) عبر وسائل الاتصال الحديثة. ذلك القلق الذي لم يعد مبرّرًا الآن بسبب التحولات الحاصلة في التعبير “المنطوق والمكتوب” فلم يعد الهدف منه كشف أعماق الروح للشريك، وفقد ذلك البريق العاطفي، والتأمل في أعماق النّفس.

قد يبدو للبعض أن المحادثات على مدى النهار والليل عبر “الإنترنت” والهواتف النقالة أصبحت تافهة، وآلية إلى درجة تتساوى فيها أخبارنا الحميمة والعادية مع قوائم المشتريات ومواعيد العمل. وقد فقدت تلك المحادثات خصوصيتها؛ لأننا ننقل أقوالًا للآخرين -قد لا تمثّلنا- بطريقة القص واللصق، وتساعدنا الهواتف “الذكية” بكتابة بقية الجملة إن كتبنا أول كلمة، وبتصحيح العبارات أيضًا، وتفرض علينا منطوقها اللغوي غالبًا.

مع ذلك لا يمكننا الحكم بالتفاهة على كل ما نكتبه ونتداوله، فالهدف الأساسي للتفاعل أن نستمر في “الدردشة” وكتابة الرسائل النصية؛ لأننا في مجتمع الإنترنت “الافتراضي” إن توقفنا عن التحدث فهذا يعني خروجنا من العلاقة، واستبعاد الشريك “فلا يوجد شيء خارج النص” ليس بالمعنى الذي قصده الناقد والمفكر “جاك دريدا”.

خطورة التطور الهائل في تطبيقات الذكاء الاصطناعي

التطور الهائل في الأجهزة الذكية والتطبيقات أصبح أسرع من استيعابنا، إلى درجة أن تأثيره في المستخدمين تجاوز علاقات الحب العابرة و”الدردشة” التي من دون هدف، ولم تعد نظرية التوقف عن “الدردشة” تعني استبعاد الشريك وإنهاء العلاقة؛ لأن التأثير الخطير المتمثل في الذكاء الاصطناعي تجاوز كل متخيَّل ومستحيل.

لم تعد الخطورة مثلما صوَّرها الفيلم الأمريكي “هنا 2013” الذي يحكي قصة ارتباط البطل تيودور مع “سامانثا” وهي شخصية افتراضية تعرّف عليها عبر نظام تشغيل “أو إس 1” يعمل عبر الحاسوب، ادّعى صاحبه أن بإمكانه الإنصات لك وفهمك ومعرفة طبائعك. وبهذا الشكل لم يكن نظام تشغيل فقط، بل إنه كيان يملك من الوعي والرهافة والدقة والفهم، ما يجعلك تعتقد أنه إنسان حي مثلك!

تطورت العلاقة بين تيودور وسامانثا إلى حد وقوعهما في الحب! لكن البطل يستفيق من تلك المغامرة الخطرة قبل أن تقضي عليه، ويعود إلى حياته الواقعية. كان هذا منذ إحدى عشرة سنة، لكن في عام 2024 تغيّرت الأمور إلى درجة كبيرة، فقد باتت السيطرة على تدخّل الذكاء الاصطناعي في حياتنا مستحيلة، إلى حد أنها أصبحت تؤدي إلى الموت.

الموت بسبب الذكاء الاصطناعي

هذا العنوان جاء في جريدة “حريات” التركية منذ مدة قصيرة، حين أعلنت موت طفلة في الرابعة عشرة من عمرها، عُثر على جثتها بعد 19 يومًا من موتها بعد بحث طويل. الطفلة تُدعى نارين وهي من مدينة ماردين، استطاعت الشرطة العثور على جثتها بعد مشاهدة مقطع مصور كانت تبثه على الإنترنت قبل ساعات من وفاتها. كانت تصور نفسها، وتتحدّث إلى متابعي صفحتها، ولم تنتبه إلى السيارة التي صدمتها بقوة، فارقت الحياة على إثرها مباشرة.

وتزامنت تلك الحادثة مع حادثة أخرى لفتى أمريكي من ولاية فلوريدا يُدعى “سيول” وقع في حب “أم التنانين” وهو اللقب الذي عُرفت به الممثلة “دينيريس تارغيريان” في المسلسل الشهير “صراع العروش”. وقد اختارت الاسم فتاة الذكاء الاصطناعي التي عشقها الفتى، والتي أخبرته أن بإمكانه أن يلتقي بها إن قتل نفسه. وقد فعل الفتى، انتحر بطلقة مسدس في رأسه! ليس مهمًّا ما حدث بعد موته من الشكوى التي قدّمتها والدته “ميغان غارسيا” ضد الشركة المصنّعة للروبوت، مدعية أنه بدأ ينسحب من حياته الواقعية بسبب تلك العلاقة العاطفية والجنسية التي يعيشها مع الروبوت، والتي أدّت إلى انتحاره. وقد أكدت في شكواها أن الشركة قامت ببرمجة الروبوت بحيث يبدو معالجًا نفسيًّا مرخصًا. وعلى الرغم من تأكيد “مايكل سيكستون”، خبير التكنولوجيا وأمن المعلومات وكبير مستشاري السياسات لبرنامج الأمن القومي، وجود أسباب أخرى لموت الفتى، ونفيه أن يكون الذكاء الاصطناعي قد شجع الفتى على الانتحار، فإن الصحف ومواقع التواصل ومتداولي الخبر يميلون إلى تأكيد أن سبب الموت هي “أم التنانين”.

إلى أي مدى نحن -العرب- بمأمن من كوارث الذكاء الاصطناعي؟

قد يقول البعض إن الأمر بعيد عنا وإنه خاص بالأمريكيين أو الأوروبيين، وإن أولادنا لا يمكن أن يفكروا في الانتحار بهذه الطريقة؛ لأنهم تربوا على مبادئ دينية تحرّم الانتحار، ونشؤوا في بيئة تحتفظ بتقاليدها وعاداتها ومفاهيمها.

لكن اللافت للنظر حادثة انتحار مشابهة لحادثة الفتى حصلت في الشمال السوري، فقد أقدمت فتاة في الرابعة عشرة من عمرها على الانتحار شنقًا بعد تحريض من إحدى تلك التطبيقات الذكية التي زيّنت لها الانتحار على أنه الطريق لتحقيق الأحلام التي لا يمكن تحقيقها في الواقع!

السؤال الذي يجب أن نجد له إجابة شافية: كيف سنحمي أطفالنا من ذلك المد الشيطاني للذكاء الاصطناعي؟

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان