إيران تودع الصبر الاستراتيجي!

في اجتماع لحزب المحافظين في بريطانيا بدا المندوبون في ذهول وهم يشاهدون الصورايخ الإيرانية عبر التلفاز (غيتي)

جاء الهجوم الصاروخي الإيراني العنيف، الذي طال كل مُناطق الكيان الصهيوني مرعبا، لكافة مستوطني الأراضي المُحتلة، الذين هرعوا خوفا، وهلعا، وفزعا إلى الملاجئ للاحتماء بها، مع سماع دوي صافرات الإنذار، في 1800 موقع ممتدة على مساحة فلسطين المُحتلة. وتحولت نشوة رئيس حكومة “الكيان” بنيامين نتنياهو، وساسته، إلى رعب وقلق من الصواريخ الإيرانية المتقدمة التي أمطرت الأراضي المحتلة. كان لافتا، أن جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي، سارع بإفادة للصحفيين، قبل مرور ساعة، على بداية “الهجوم الإيراني”، زاعما، بأنه غير فعال.. مع أن هذا الوقت القصير (ساعة)، لا يكفي لتقييم نتائج الهجوم. سوليفان يهدف للتقليل من شأن الضربة الإيرانية، وربما تهدئة إسرائيل، ودفعها إلى الاعتدال في الرد، تجنبا للتصعيد.

الفرط صوتي.. والمظلة الدفاعية الأمريكية

مسؤول بالبنتاغون (وزارة الدفاع الأمريكية)، أعلن عن إسقاط الدفاعات الأمريكية 11 صاروخا إيرانيا (فقط). بمفهوم المخالفة، فإن باقي الصواريخ أفلتت من المظلة الدفاعية الأمريكية (قواعد عسكرية، وقطع بحرية في المنطقة)، والغربية. هذا يُرجح تأكيدات “الحرس الثوري الإيراني”، بأن 80% من الصواريخ الفرط صوتية، والباليستية التي أطلقها (181 صاروخا)، قد أصابت المواقع العسكرية الإسرائيلية المُستهدفة.

على ذكر الصواريخ، المستخدمة في الهجوم، فالصاروخ الفرط صوتي هو من نوع “فتاح” الإيراني الصنع الذي تتجاوز سرعته خمسة أضعاف سرعة الصوت (تبلغ 1238 كم/ ساعة)، بمدى 2000 كم، مع قدرات عالية على المناورة، والتضليل، للإفلات من الرصد، والاعتراض، وصولا إلى هدفه. أما الباليستي فهو من نوع “عماد”، الإيراني الإنتاج أيضا (عام 2015) ومداه 1700 كم، ويحمل رأسا حربيا وزنه 750 كيلوغراما، ويزن أكثر من 17 طنا.، ويتميز بدقة الاستهداف، وإمكانية تغيير مساره قبل وصوله إلى الهدف.

مُحاكاة النهج الأمريكي.. وإنكار الخسائر

دولة الاحتلال الإسرائيلي، تُحاكي “النهج الأمريكي”، الذي عبر عنه سوليفان، حين تتعرض لأي هجوم، فقد أنكرت وقوع خسائر من الضربات العراقية بـ39 صاروخ سكود، أثناء حرب الخليج الثانية (1991). ثم اعترفت بالخسائر البشرية والمادية، بعد سنوات، كما تتجاهل ذكر خسائرها، بفعل الضربات والهجمات الصاروخية التي تتلقاها من حركات المقاومة (الفلسطينية، واللبنانية، واليمنية، والعراقية)، وتزعُم دائما أن منظوماتها الدفاعية اعترضت الصواريخ، وأسقطتها في مناطق مفتوحة.

أخيرا، فقد نفت وقوع خسائر جراء هجوم إيران الصاروخي، مساء الثلاثاء الماضي، ثم عادت واعترفت أمس (الأربعاء)، بتضرر بعض القواعد الجوية، وسنعرف الخسائر لاحقا. مثلما نفت وقوع إصابات مادية أو بشرية، نتيجة هجوم ليلة 14 /4/ 2024، الإيراني بالمسيّرات، والصواريخ المُجنحة (ردا على القصف الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية في دمشق).

الصبر الاستراتيجي.. وارتباك الحسابات

الهجوم الصاروخي على الكيان الصهيوني، يُعد إعلانا ناريا، بتوديع إيران لـ”سياسة الصبر الاستراتيجي”، التي اتبعتها سنوات طويلة. يعني هذا الصبر عدم الانسياق لردود  من شأنها النيل من مصالح البلاد، ومنجزاتها، والتورط في حروب ذات كُلفة عالية. مشكلة هذه السياسة أن مردودها يأتي معاكسا للهدف منها، فتزداد معها الخسائر، وتتراكم في عالم لا يحترم سوى الأقوياء الذين يُجيدون استخدام أوراقهم جيدا. ففي ظل هذه السياسة؛ توالت الضربات على إيران اغتيالا لعلماء برنامجها النووي، وهجوما على قوات وقادة “الحرس الثوري” في سوريا، واغتيال أمريكا لقائد الحرس قاسم سليماني (3 /1/ 2020) في العراق. ثم اغتيال إسرائيل لشخصية فلسطينية وازنة في ضيافتها، بحجم ومكانة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية (31 /7/ 2024).

حزب الله هو الآخر، التزم بـ”الصبر الاستراتيجي”، طوال عام كامل، في معركته لإسناد غزة مُسايرة لإيران، لكونها تقود محور المقاومة وترعاه؛ فكانت الويلات التي حلت به، وعلى لبنان معا.

تجرأ الاحتلال الإسرائيلي على اغتيال أمينه العام سماحة السيد حسن نصر الله (يوم الجمعة الماضي)، ومرافقه نائب قائد الحرس الثوري الإيراني العميد عباس نيلفوروشان. وسبق ذلك اغتيال رئيس أركان قوات الحزب القائد فؤاد شكر (30 /7/ 2024)، ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري (2 /1/ 2024) وهو في حماية وضيافة الحزب، ثم تفجير أجهزة البيجر واللاسلكي (17، 18 /9/ 2024).

لا يكفي أن تمتلك سلاحا قويا فعالا؛ فلا معنى لذلك ولا قيمة إلا بامتلاك “الإرادة” لاستخدامه، بالقدر الملائم، وفي الوقت المناسب، دون تهور واندفاع أو تهاون وتفريط. لذا، انهالت الضربات الإسرائيلية الثقيلة على “حزب الله”، نتاجا لتردده. وذلك، تمسُكا منه بما يُسمى قواعد الاشتباك التي تجاوزتها “الدولة الصهيونية” سواء مع الحزب، أو مع قيادة محور المقاومة (إيران)، فاندفعت مُتمادية في جرائمها، لكونها لا تفهم سوى لغة القوة فقط.

أبو عبيدة.. والرسائل الإيرانية

كل هذا دفع إيران إلى الانتفاض دفاعا عن أمنها القومي، والرد على الضربات التي تلقتها، ومعها حزب الله. فكان الهجوم الصاروخي الشرس، غير المسبوق، المحمول برسائل عدة. في مقدمتها استعادة الردع، والتوازن مع “إسرائيل”، لجمًا لها.. كي لا تتمادى إلى ما هو أكثر.

وجاء تهديد الحرس الثوري، برد ساحق، ماحق يستهدف البنى التحتية الإسرائيلية، إن تجاوزت الحدود في ردها بمثابة رسالة بأن إيران لا ترغب في الحرب، لكنها لا تخشاها.

وفي الإعلان الإيراني، بأن الهجوم رد على اغتيال الشهيدين إسماعيل هنية وحسن نصر الله رسالة قاطعة، بأنها تقف على خط النار، مع لبنان، وحزب الله، والمقاومة الفلسطينية.

في هذا، ما قد يدفع الكيان الصهيوني إلى مراجعة حساباته كلها. الناطق باسم كتائب عز الدين القسام أبو عبيدة التقط الرسالة مُباركا الهجوم الإيراني الذي طال كل جغرافيا فلسطين المحتلة، ووجه ضربة قوية إلى الاحتلال المجرم الذي ظن أن عربدته في المنطقة وعدوانه على شعوبها يمكن أن يمرّا دون عقاب.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان