ما بين الاقتصاد اللبناني والإسرائيلي!
يتشابه الاقتصاد اللبناني مع الاقتصاد الإسرائيلي في وجود عجز تجاري سلعي مزمن، ووجود فائض بالتجارة الخدمية، وكون الدخل السياحي يمثل أحد روافد النقد الأجنبي الهامة، وفي الاعتماد على الخارج بمجال الطاقة خاصة النفط، وفي غلبة العجز المزمن على الموازنة الحكومية.
وعلى الرغم من أن سكان إسرائيل يشكلون حوالي ضعف سكان لبنان، ونفس الأمر في قوة العمل وفي المساحة الجغرافية، فإن الأداء الاقتصادي لإسرائيل يمثل عدة أضعاف أداء الاقتصاد اللبناني، حيث تمثل قيمة الاقتصاد الإسرائيلي حسب الناتج المحلي الإجمالي بسعر الصرف، في العام الماضي 28 ضعف قيمة الاقتصاد اللبناني في نفس العام، كما يزيد متوسط دخل الفرد بإسرائيل من الدخل القومي على 15 ضعف متوسط دخل الفرد اللبناني، وكانت قيمة التجارة السلعية الإسرائيلية العام الماضي تمثل حوالي تسعة أضعاف التجارة السلعية اللبنانية.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالديمقراطية تتراجع.. والاستبداد يقفز إلى السماء!
غزوات الرسول ﷺ وسرايا القدس (2/1)
“الحرب” كما يرويها بوب وودورد
وحسب بيانات البنك الدولي فقد بلغت قيمة الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل العام الماضي 510 مليارات دولار، بالمركز الثامن والعشرين دوليا ولم يسبقها من الدول العربية سوى السعودية ومن الدول الإسلامية غير إندونيسيا وتركيا فقط، بينما بلغ الناتج المحلي الإجمالي للبنان 18 مليار دولار لتحتل المركز 126 بالعالم، وبلغ متوسط نصيب الفرد بإسرائيل من الدخل القومي 55 ألف دولار لتحتل المركز التاسع عشر دوليا، ولم يسبقها من الدول العربية سوى قطر التي جاءت بالمركز الثاني عشر، بينما بلغ نصيب الفرد اللبناني من الدخل القومي 3740 دولارا بالمركز 136 دوليا، أي أقل كثيرا من المتوسط العالمي البالغ أكثر من 13 ألف دولار.
التجارة الخدمية تسعة أضعاف لبنان
وحسب بيانات منظمة التجارة العالمية فقد بلغت قيمة الصادرات السلعية الإسرائيلية، العام الماضي 67 مليار دولار لتحتل المركز الخمسين دوليا، وصادرات لبنان 3 مليارات و83 مليون دولار بالمركز 138 دوليا، لتمثل الصادرات الإسرائيلية حوالي 22 ضعفا للصادرات اللبنانية، خاصة مع كبر نسبة الصادرات الصناعية ذات المكون التكنولوجي بإسرائيل، وبلغت قيمة الواردات السلعية لإسرائيل 91.3 مليار دولار وللبنان 15.3 مليار دولار، لتصل قيمة التجارة السلعية لإسرائيل 158.2 مليار دولار مقابل 18.4 مليار للبنان.
وإذا كانت إسرائيل تستورد غالب استهلاكها من النفط والفحم فقد تحولت لدولة مُصدرة للغاز الطبيعي، بينما ما زال لبنان مستوردا للنفط والفحم لغالب استهلاكه المحلي.
وبالتجارة الخدمية العام الماضي كانت صادرات إسرائيل 83.2 مليار دولار ولبنان أقل من 8 مليارات، وإذا كانت صادرات لبنان الخدمية تعتمد على السياحة أكثر، فقد كان اعتماد إسرائيل على خدمات رجال الأعمال وخاصة خدمات برامج الكمبيوتر، وبلغت الواردات الخدمية لإسرائيل 42 مليار وللبنان 6.6 مليارات دولار، لتصل التجارة الخدمية لإسرائيل إلى 125.2 مليار دولار وللبنان 14.5 مليار دولار، لتشكل التجارة الخدمية لإسرائيل حوالي تسعة أضعاف التجارة الخدمية اللبنانية.
وهكذا ساهم كبر النشاط الاقتصادي بإسرائيل في تشغيل الأيدي العاملة وتوفير جانب كبير من السلع المُستهلكة محليا، لتصل نسبة البطالة بإسرائيل العام الماضي 3.4% وبلبنان 11.6%، كما بلغت نسبة بطالة الشباب في سن ما بين 15 و24 سنة بإسرائيل 6%، تزيد إلى 6.1% بين الذكور وتنخفض إلى 5.9% بين الشابات، بينما كانت نسبة البطالة بين الشباب بلبنان 23.7%، ترتفع إلى 24.6% بين الذكور وتنخفض إلى 22% لدى الشابات، ومن الطبيعي أن تتسبب هجرة سكان الجنوب اللبناني بسبب أعمال القصف الإسرائيلي في زيادة معدلات البطالة.
تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية
وفي العام الماضي بلغت نسبة التضخم بإسرائيل 4.2% بينما بلغت بلبنان 221%، وفي أغسطس/آب من العام الحالي بلغت نسبة التضخم بإسرائيل 3.6% وبلبنان 35%، وهي النسبة المتوقع ارتفاعها بلبنان مع استمرار العدوان الإسرائيلي نتيجة تأثر الأنشطة السياحية والتجارية والزراعية، وتأثر حركة النقل الجوي والبحري حيث أوقفت كثير من شركات الطيران رحلاتها إلى كل من لبنان وإسرائيل مؤقتا بسبب أعمال الحرب.
وتأثر لبنان بالأزمة المالية التي تفاقمت منذ عام 2019 وما تلاها من أحداث أبرزها انفجار مرفأ بيروت عام 2020، وتسببت في صعوبة حصول المودعين على ودائعهم الموجودة بالبنوك، الأمر الذي زاد من معدلات الدولرة لتصل نسبتها إلى 95.8% العام الماضي؛ مما أفقد لبنان تميزه بنظام سعر الصرف الثابت لسنوات طويلة عند 1507 ليرات للدولار.
فقد تحرك السعر الرسمي إلى 15 ألف ليرة للدولار بداية فبراير/شباط من العام الماضي، ليتم تعديله إلى 89.5 ألف ليرة في مايو/أيار الماضي، ومن المتوقع استمرار انخفاض سعر صرف الليرة بالسوق الموازية بسبب تداعيات الحرب، حيث وصل إلى 89.719 ليرة في الثاني من الشهر الحالي، بينما ظل سعر صرف الشيكل الإسرائيلي عند 3.71 شيكلات للدولار بنهاية الشهر الماضي مقابل 3.67 بالعام الماضي.
وتشير المقارنة بين نصيب الفرد من الإنفاق بالموازنة الحكومية، إلى بلوغ نصيب الفرد من الإنفاق الحكومي بإسرائيل 19.882 دولارا عام 2022 وبلبنان 334 دولارا عام 2021، ونصيب الفرد من نفقات الدفاع بإسرائيل 2451 دولارا عام 2022، وهذا بالطبع فضلا عن المعونات العسكرية من الولايات المتحدة والدول الغربية، بينما كان نصيب الفرد اللبناني من نفقات الدفاع 139 دولارا عام 2021، وكان نصيب الفرد من نفقات التعليم بإسرائيل 3510 دولارات عام 2022، مقابل 72 دولارا بلبنان عام 2020، وكان نصيب الفرد من نفقات الصحة بإسرائيل 2958 دولارا وبلبنان 89 دولارا.
ورغم تكرار وكالات التصنيف الدولية خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل، الذي وصل مؤخرا حسب وكالة موديز إلى (بي أ أ 1) وحسب فيتش إلى (أ) وحسب استاندر آند بورز إلى (أ)، فإنها تصنيفات ما زالت أعلى كثيرا ليس من تصنيف لبنان بل ومن كثير من الدول العربية ومنها مصر، بينما ما زال تصنيف لبنان منذ عام 2020 لدى موديز عند (سي)، وعند فيتش (آر دي) وعند استاندر آند بورز عند (دي)، وكلها درجات بالغة التدني لا تجذب استثمارات خارجية أو تدفع المقرضين إلى إقراض الدولة.
وهكذا تزيد تداعيات الحرب الدائرة حاليا من تفاقم المشاكل التي كان يعانيها الاقتصاد اللبناني من قبل، والتي تتطلب المزيد من الدعم العربي والدولي، سواء لمواجهة متطلبات إعاشة حوالي مليون شخص نزحوا من أماكن سكنهم بسبب الحرب، أو لمواجهة متطلبات استيراد السلع الأساسية للسكان، وخاصة الوقود الذي تسبب نقصه في تكرار ظاهرة انقطاع الكهرباء، خاصة أن صندوق النقد الدولي يربط إقراضه للبنان الذي أعلن عنه في أبريل/نسيان عام 2022، بالقيام بسلسلة من الإصلاحات الاقتصادية زادت تداعيات الحرب على السكان من صعوبة القيام بها حاليا.