السوريون في تركيا بين التهديد بالترحيل وحظر الهجرة!

الجواز التركي (منصات التواصل)

إعلان وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا التوقيع على مذكرة تفاهم مع العراق بشأن تنظيم مسألة عودة اللاجئين العراقيين إلى بلادهم طوعا، وتوسيع نطاق التعاون بين البلدين في مواجهة الهجرة غير الشرعية، أعاد مجددا فتح ملف اللاجئين السوريين في تركيا، ليتصدر المشهد العام عقب تصريحات أدلى بها رؤساء أحزاب المعارضة، الذين وجهوا انتقادات حادة للسياسة التي تتبعها الدولة تجاههم، لتشتعل مجددا حدة المواجهة بين الجانبين.

المعارضة والبحث عن مخرج

التطورات المتلاحقة في المنطقة، وما تشهده من مواجهات عسكرية، وحروب إبادة، التي يمتد أثرها على الداخل التركي أمنيا واقتصاديا واجتماعيا وضع الأتراك في حالة ترقب مشوب بقلق، من إمكانية أن تصبح بلادهم في أية لحظة أحد أطراف الصراع الآخذ في التمدد على حدودها، مما جعلهم أكثر حرصا على التهدئة داخليا، والعمل على ضمان استقرار الأوضاع بها خاصة بعد التحذيرات التي أطلقها الرئيس أردوغان بشأن أطماع الكيان الصهيوني في مناطق من تركيا لإحكام سيطرته، وفرض هيمنته على دول المنطقة، وتحقيقا لأحلامه التوسعية.

حالة الهدوء تلك وضعت أحزاب المعارضة التركية في موقف لا تحسد عليه، مع زيادة الشعور لديها بأن حلم العودة إلى مقعد السلطة الذي داعب خيالها على مدى عقود بدأ يتبدد، وأن البساط يسحب مرة أخرى من تحت أقدامها، مع تراجع الزخم الشعبي الذي حظيت عقب الانتخابات المحلية، ونتائجها التي وضعتها في المقدمة، مما رفع معنوياتها بعد أصبحت قاب قوسين أو أدنى من تولي حكم البلاد، بزيادة ضغوطها على الحكومة لإجبارها على إجراء انتخابات عامة مبكرة.

وكما يفعل التجار حينما يفلس -كما تقول الأمثال الشعبية- بدأت المعارضة التركية في البحث بدفاترها القديمة، لتعيد مرة أخرى إنتاج الحديث عن اللاجئين السوريين، والتأثير السلبي لوجودهم على الاقتصاد التركي، والغلاء الفاحش الذي يعانيه الأتراك بسببهم، مستغلة في ذلك العفو الرئاسي الذي أصدره الرئيس السوري بشار الأسد، وهو ما يتيح لمن يرغب منهم العودة إلى وطنه، دون خوف من ملاحقات قانونية أو اعتقالات.

مكاسب سياسية ضيقة

أوزغور أوزيل رئيس حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، دعا الرئيس أردوغان إلى وضع خطة تضمن إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم في أسرع وقت ممكن، مؤكدا أن الاستمرار في اتباع السياسات القديمة التي سمحت لهم بالبقاء في البلاد على مدى السنوات الماضية أدت إلى استنزاف موارد الدولة، وزادت من حجم الأعباء الاقتصادية الملقاة على كاهل المواطن التركي الذي يئن ليل نهار تحت وطأة الغلاء والارتفاع المستمر في الأسعار.

زعيم المعارضة التركية ألمح إلى أن المواطنين من أصحاب الدخل المحدود هم أولى باهتمام الحكومة، وأن رفاهيتهم يجب أن تتصدر أولويات سياسة الدولة، مشيرا إلى أن الوقت حان لإلغاء جميع القوانين التي منحت امتيازات للسوريين بتركيا على حساب المواطن التركي، ومشددا على أن أهم أولويات حزبه حال توليه السلطة سيكون حل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعانيها المواطنون.

وردا على تصريحات أوزيل أعلن الرئيس أردوغان أن أبواب بلاده ستظل مفتوحة لاستقبال اللاجئين الباحثين عن ملاذ آمن سواء من سوريا، أو لبنان، أو التركمان، وأن تركيا ستستمر في سياستها الخاصة باحتضان اللاجئين ولن تتراجع عنها، رافضا اتخاذ خطوات تخالف هذا النهج.

بدوره، سعى بلال أردوغان، نجل الرئيس ورئيس الاتحاد العالمي للرياضات التقليدية، إلى تفنيد ادعاءات زعيم المعارضة حول الآثار السلبية للاجئين على الاقتصاد في تركيا، مؤكدا أنهم لعبوا خلال السنوات الماضية دورا إيجابيا في إدارة عجلة اقتصاد البلاد، وأن توظيفهم بصورة صحيحة، واستغلال خبراتهم المهنية، وإمكاناتهم العلمية من شأنه المساهمة في تعزيز الاقتصاد وزيادة قدراته الإنتاجية، موضحا أن هناك من يحاول استغلال هذا الملف وتوظيفه لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة على حساب معاناة هؤلاء اللاجئين، وطالب الجميع بالنظر لمصلحة البلاد أولا، وما يمكن تحقيقه من مكاسب اقتصادية في حال تم إدماجهم بالمجتمع بطريقة فعالة تجعلهم عنصرا مهما في تنميته ورخائه.

دعاوى قضائية لسحب الجنسية

حزب الجيد الذي يكافح من أجل تحسين مكانته على الساحة السياسية، وتوسيع قاعدته الجماهيرية بعد رحيل ميرال أكشنار رئيسته السابقة، واختيار مساوات درويش أوغلو رئيسا جديدا له، قرر الإقدام على خطوات عملية، ذات صدى أكبر إعلاميا، وبما يحقق له رواجا شعبيا، وعدم الاكتفاء بالتصريحات النارية ضد سياسات الحكومة تجاه اللاجئين، أو مداعبة أحلام الجماهير الراغبة في العيش برفاهية.

وتحقيقا لهذا الهدف رفع دعويين قضائيتين، الأولى أمام المحكمة الإدارية العليا للمطالبة بإلغاء القرار الرئاسي الذي يسمح بمنح الجنسية التركية للأجانب مقابل الاستثمار، سواء كان استثمارا عقاريا أو وضع مبلغ مالي بالعملات الأجنبية في البنوك التركية.

مساوات درويش أوغلو أعلن أنهم يسعون لسحب الجنسية التركية التي حصل عليها مئات الآلاف من الأجانب، مؤكدا أن هذه الجنسيات التي تم منحها بصور استثنائية تمثل انتهاكا صارخا لدستور البلاد، وتسيء لمكانة الجنسية التركية، وتحط من قدرها وقيمتها.

والدعوى الثانية أمام محكمة أنقرة الإدارية للمطالبة بإلغاء الجنسيات الممنوحة ل 238 ألف سوري، مؤكدا أنهم تقدموا بهذه الدعوى لاقتناعهم التام بأن هذا التصرف من جانب الحكومة غير صائب، بل ويخالف الدستور والقوانين المعمول بها في البلاد.

تحذيرات أممية وعجز قاتل

إعادة ملف اللاجئين السوريين إلى الواجهة في تركيا، والتحركات التي تقوم بها أحزاب المعارضة التركية حاليا، والضغط على الحكومة لإجبارها على ترحيلهم عن البلاد، والخطوات الفعلية التي تهدف لترحيل أكبر عدد منهم إلى مناطق الشمال السوري وضعت اللاجئين بتركيا في موقف صعب، إذ لم يعد لديهم شعور بالأمان في ظل تصاعد العنصرية تجاههم بالمجتمع التركي، وتزايد حالات استهدافهم من جانب المتشددين الأتراك، إضافة إلى أنهم لا يستطيعون فعليا العودة إلى بلادهم خشية تعرضهم للاعتقال أو الاختفاء القسري من جانب الأجهزة الأمنية، أو القتل على أيدي العصابات التي أصبحت منتشرة هناك.

إذ يعتقد كثير منهم أن العفو الرئاسي الذي صدر به الكثير من العوار، ويحتاج إلى دقة في الطرح، وإيضاحات أكثر في الصياغة، في ظل تعرض بعض من عادوا فعلا إلى الاعتقال والخضوع للتحقيق من جانب الأجهزة الأمنية السورية، في حين يتم احتجازهم من جانب الأمن التركي، والتصدي لأية محاولة تبذل من جانبهم بحثا عن دول بديلة لتركيا، أو أماكن أخرى تصلح للعيش بصورة أكثر إنسانية وآدمية من مناطق الشمال، حيث يعتقل كل من يحاول منهم النجاة والهجرة إلى أية دولة أوروبية بحثا عن حياة أكثر أمنا واستقرارا، ليتم ترحيله إلى الشمال السوري لاحقا.

مناطق الشمال السوري، أو ما تطلق عليه تركيا “المناطق الآمنة”، هي نفسها لا تعد الخيار الأمثل أمام هؤلاء في ظل انهيار الاقتصاد هناك، وغلاء الأسعار، وعدم وجود مصادر حقيقية للدخل، وزيادة معدلات البطالة بين المقيمين واللاجئين، واختفاء الخدمات الأساسية.

فقد حذرت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة من تردي الأوضاع، وتفاقم الأزمة الإنسانية في مناطق الشمال السوري التي تؤوي 13 مليون سوري، نتيجة المعارك المتزايدة هناك، إلى جانب ارتفاع معدلات عمليات انتهاك حقوق الإنسان ضد المواطنين في شمال غرب سوريا، مما أدى إلى قتل وجرح المئات منهم، معظمهم من الأطفال والنساء، واندلاع التظاهرات بين الباحثين عن مأوى آمن، ورغيف خبز.

ليقف اللاجئون عاجزين عن التصرف، فلا هم يعرفون ماذا يفعلون، أو إلى أين يذهبون، ولا كيف يستأنفون حياتهم في ظل هذه الظروف التي تطحنهم، وتسرق منهم أيامهم وأحلامهم وما تبقى لهم من عمر، وتغلق أمامهم أي أمل في المستقبل.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان