مراجعة مصر للاتفاق مع الصندوق هل تخفض الأسعار؟

اتفاق مصر مع صندوق النقد يتضمن العمل على تخفيض الدعم الحكومي للوقود
صندوق النقد الدولي (غيتي)

عقب تنفيذ مصر لمطالب الاتفاق مع صندوق النقد الدولي بخفض الدعم، وقيامها برفع أسعار الوقود ثلاث مرات بالعام الحالي، ورفع أسعار كل من الكهرباء، والقطارات، ومترو الأنفاق، والخدمات الطبية، والأدوية، والخبز المدعم، وهو ما تسبب بارتفاع أسعار الخضر والفاكهة والغذاء، الأمر الذي زاد معاناة جموع المصريين خاصة أصحاب الدخول الثابتة، دعت الإدارة المصرية للإعلان مؤخرا عن مراجعة الاتفاق مع الصندوق بشأن مد آجال فترة رفع الدعم المتفق عليها عن الوقود، التي كان مقررا لها أن تنتهي بنهاية العام المقبل حين تصبح أسعار الوقود تمثل قيمة تكلفتها، وهو ما استجابت له مديرة الصندوق التي أعلنت زيارة مصر أوائل شهر نوفمبر/تشرين ثان لبحث التعديل المطلوب.

ويدور التعديل المطلوب على برنامج الصندوق المقرر انتهاؤه عام 2026، ما بين ثلاثة سيناريوهات أولها: طلب تمديد أجل الاتفاق ليصبح خمس سنوات بدلا من ثلاث، بحيث يمكن تنفيذ الخفض المطلوب للدعم بأجل أطول، والسيناريو الثاني: طلب وقف زيادات أسعار الطاقة عاما واحدا، والسيناريو الثالث: طلب تمويل إضافي من الصندوق بخلاف المليارات الثمانية من الدولارات التي تم الاتفاق عليها من قبل، بحيث يمكن توجيه قدر من ذلك التمويل الإضافي لإجراءات الحماية الاجتماعية.

ويظل السؤال هل يمكن أن تساهم السيناريوهات الثلاثة أو غيرها مما سيسفر عن زيارة مديرة الصندوق والمراجعة الرابعة، بخفض أسعار السلع والخدمات المرتفعة حاليا؟ والإجابة القاطعة لدينا بالنفي للأسباب التالية:

أولا: جرت العادة بمصر ومع عشوائية التجارة الداخلية على أن الأسعار التي ترتفع لا تعود للخلف مرة أخرى، ومبررات التجار أنهم قد اشتروا تلك السلع بأسعار مرتفعة، بخلاف العوامل الأخرى مثل ارتفاع أسعار الوقود والكهرباء، حيث زاد سعر السولار الذي يستخدم بسيارات النقل ثلاث مرات بالعام الحالي مجموعها 55%.

  الصندوق يواجه الأسعار بخفض السيولة

ويرتبط ذلك باستخدام مبرر زيادة الأسعار العالمية حيث شهدت الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، زيادة في أسعار اللحوم خاصة لحوم البقر والضأن وزيت النخيل، ومنتجات الألبان والبن والشاى والمطاط والنحاس والألومنيوم والزنك والقصدير، وارتفاع أسعار النقل من وإلى آسيا بعد أحداث التعرض للسفن المارة من باب المندب، حيث تشكل الواردات من الدول الآسيوية النصيب الأكبر من الواردات المصرية.

ثانيا: يركز الصندوق في سعيه لخفض نسبة التضخم بمصر على السياسة النقدية من خلال رفع سعر الفائدة للحد من الطلب، حيث يفترض الصندوق أن سبب ارتفاع الأسعار الرئيسي هو تكالب المواطنين على شراء السلع والخدمات، وهو أمر أكد كثير من الاقتصاديين عدم صحته حيث أدى ارتفاع نسبة الفقر، وتدني الدخول لانخفاض الطلب على السلع مع ارتفاع تكلفتها عن قدراتهم الشرائية، كما يرون أن السبب الرئيسي في ارتفاع الأسعار هو ضعف العرض، أي نقص الكميات المنتجة منها محليا، وبالتالي اللجوء لاستيراد كميات كبيرة منها..

وهو ما تكشفه بيانات جهاز الإحصاء الحكومي لعام 2022، حيث بلغت نسبة الاكتفاء الذاتي اثنين بالألف للعدس، و1.5% لفول الصويا، و22% للفول الجاف، و49% للذرة الشامية والبيضاء معا، حيث ترتفع النسبة عن ذلك بالذرة الصفراء المستخدمة في الأعلاف الحيوانية، و51% للقمح، و54% لزيت عباد الشمس، و64% للحوم الحمراء، و90% للأسماك.

وهكذا يسعي الصندوق لخفض التضخم من خلال الإجراءات النقدية بسحب السيولة من السوق، أي من أيدي الجمهور حتى يقللوا من الطلب على السلع والخدمات، وليس من خلال زيادة الإنتاج إذ إنه غير معني بعملية التنمية، وهنا نجد البنك المركزي يقوم بسحب السيولة من السوق من خلال مزادات أسبوعية للبنوك كي تودع فوائضها المالية لديه، لكنه في نفس الوقت يستمر في طبع النقود أو ما يسمي الإصدار النقدي، كإجراء معاكس لعملية سحب السيولة من السوق، حيث بلغت قيمة طبع النقود خلال النصف الأول من العام الحالي 183 مليار جنيه.

   ارتفاع تكلفة الإنتاج المشكلة الرئيسية

ثالثا: إن الهدف من مراجعة الاتفاق مع الصندوق يهدف للإبطاء من الخفض المطلوب لدعم الوقود وغيره، أي إنه أمر يتعلق بالفترة المستقبلية بحيث تقل معدلات ارتفاع التضخم خلالها، أي إن تلك الإجراءات لا شأن لها بواقع التضخم الحالي، الذي يقول جهاز الإحصاء إنه بلغ 26.4% بالمدن المصرية، فحتى إذا انخفض هذا المعدل بالعام المقبل حسبما ورد ببيانات صندوق النقد المنشورة مؤخرا إلى 21%، مقابل 33% بالعام الحالي، فإن هذا يعني أن معاناة المصريين مع الأسعار المرتفعة لن تنخفض.

وحتى لو انخفض التضخم لأقل من 10% بالربع الأخير من العام المقبل كما يستهدف البنك المركزي المصري، فإن هذا يعني أن الواقع الحالي للأسعار السائدة بالسوق للسلع والخدمات لن يتراجع، وإنما ستتراجع وتيرة صعودها بالعام المقبل، مع الأخذ بالاعتبار عدم ثقة غالبية المصريين ببيانات التضخم الحكومية حيث يرون أن المعدلات الحقيقية أعلى من ذلك.

رابعا: يعد السبيل الأكثر تأثيرا بالأسعار هو زيادة الإنتاج وخفض تكلفة الإنتاج، حيث أصبح ارتفاع تكلفة الإنتاج هو المشكلة الرئيسية لدي المنتجين الصناعيين والزراعيين، وهنا تتداخل عوامل عديدة تؤدي لصعوبة تحقيق ذلك أبرزها ارتفاع تكلفة النقل، وارتفاع تكلفة التمويل التي تدور حول نسبة الثلاثين بالمئة، وصعوبة خفضها بالأجل القصير، وتعثر غالب مشروعات الأمن الغذائي التي تبنتها الدولة سواء الصوبات الزراعية أو تسمين الماشية أو الأسماك، حيث بلغ إنتاج مزارع الأسماك 2262 طن عام 2022 تمثل نسبة واحد بالألف من استهلاك الأسماك…

وخروج رجال الأعمال المصريين للاستثمار بالخارج، وها هي استثماراتهم بالسعودية بالعام الماضي تصل إلى 1.5 مليار دولار، ويتوقع زيادتها عن ذلك بالعام الحالي، ويرافق ذلك تريث الاستثمار الأجنبي المباشر الذي يساهم بزيادة إنتاج السلع في القدوم لمصر، بينما حضر استثمار الحافظة أو ما يسمى بالأموال الساخنة بشراء أدوات الدين الحكومي المصرية التي تخرج سريعا مع أية فرصة ربح أعلى ببلد أخرى.

خامسا: تردد عن تجهيز الحكومة لإقرار زيادة بالأجور والمعاشات خلال أسابيع قليلة، وحتى في حالة حدوث ذلك فإنه لا يحد من معاناة المصريين من الأسعار الملتهبة، حيث يقتصر حصول العاملين بالحكومة والقطاع العام وقطاع الأعمال العام عليها، وهؤلاء يشكلون نسبة 18.4% فقط من المشتغلين، بينما يعمل 81.3% بالقطاع الخاص، وهو القطاع الذي لا يستجيب معظمه لتلك الزيادات، مما سيدفع قطاعات منه لرفع أسعار السلع والخدمات التي يقدمونها لمنح أنفسهم زيادة بالدخل تساعدهم على مواجهة ارتفاع الأسعار.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان