المدخلية المتصهينة.. براء من المقاومة وولاء للخونة والعدو!!

صورة لزعيم حزب الله الراحل حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية التي تعرضت للتدمير بسبب العدوان الإسرائيلي (الأناضول)

على مدار أيام خلت كان الخلاف المستعر على وسائل الإعلام بشتى ألوانها، حول الحديث عن حزب الله، وما يدور في لبنان، وما حدث لأمينه العام ووفاته، ووفاة قيادات أخرى من الحزب، وأعداد أخرى من اللبنانيين المدنيين، والحديث عن المذهب الذي يعتنقه الحزب، والخلاف بين هذا المذهب ومذهب الأغلبية السنية.

لو جرى النقاش في سياق أقل حالا مما تعيشه الأمة، لاعتبره كثير من العقلاء ترفا فكريا، ليس هذا موضعه، فما بالنا والحال الذي نعيشه مآسٍ كبرى، كلما جاءت مأساة، كانت التي تليها أكبر منها، من حيث الحجم والأثر والمعاناة، مع قلة الحيلة، وضعف الإمكانات، واتحاد الأعداء ومن يؤازرهم سواء من خصومنا، أو ممن هم من بني جلدتنا شكلا، لكنهم جوهرا لا يفترقون عن العدو قيد شعرة.

المدخلية المتصهينة شيوخ وغيرهم

وقد اشتهر خطاب لطائفة عرفوا بالمداخلة، خطابهم دوما تعطيل لكل إصلاح في أي بقعة من بقاع الأرض، أو كما يقوله المثل المصري: يوقفون المراكب السايرة، وعندما جاءت محنة غزة الكبرى، وطوفان الأقصى، كانوا على نفس الخطى، بل زادوا بشكل فج، والخطاب يكتسي بالشكل الديني، فهناك آيات من القرآن، ونصوص من السنة، ونُقولٌ من التراث، يتم وضعها في سياق غير سياقها تماما، وتوظيفها لتخذيل المقاومة، والإرجاف في مجتمعها، فهم ما نطلق عليه: المدخلية المتصهينة. وما يقومون به على يد شيوخ بلحى أو عمائم، يقوم به آخرون بلا لحى، بل بحمالات أو غيرها، وربما بخطاب الدين، وربما بخطاب العقل والسياسة.

ففي ظل هذه الحرب المستعرة، والانتهاك المستباح للبلدان العربية والإسلامية، فجأة طفحت على سطح النقاش قضية مذهب المقاومة اللبنانية، وعلاقة المقاومة الفلسطينية بها، والإشارة إلى المذهب الشيعي، وصارت النقول تنتشر بشكل غريب، تارة نقلا عن ابن تيمية، وتارة عن ابن عبد الوهاب، وتارة عن فلان وعلان، وهو كلام يقدر في سياقه العلمي، وليس في سياق التوظيف والاجتزاء، ومع ذلك فإن ما قاله هؤلاء عن مخالفهم الشيعي بأنه مبتدع، ولا أدري أي دين يجيز للإنسان إعلان الحرب ولو كلاما على المبتدع، بينما يصمت تماما عن العدو المحارب المحتل الذي لا يختلف في كفره عقيدة؟!

لو كان المعيار لدى هؤلاء العقيدة، لرجحت كفة الصمت عن الشيعة في مقاومتها ضد الصهاينة، فالمعيار واضح والكفة راجحة بهذا المنطق، سواء كان منطقا دينيا أو سياسيا أو عقليا، لكن المسألة ليست بالمعايير هنا، بل لديهم بالأهواء، ولدى كثير منهم ببوصلة الموجه له، سياسة كانت أم دولة.

براء من المقاومة وولاء للعدو

ثم الأدهى والأمر، أنهم رفعوا في هذه المعركة شعار: الولاء والبراء، أي: موالاة المؤمنين، ومعاداة الكافرين، ويأبى الله إلا أن يفضح هؤلاء الناس المتاجرين بالنصوص، ووضعها في غير موضعها، فإذ بالإعلام، يعلن عن أنظمة ساعدت الكيان الصهيوني، ومد جسور تعين العدو الصهيوني من دول مسلمة.

وهي مسألة حكمها معروف في كل كتب هؤلاء الناس، لا خلاف في حرمتها، بل تصل عندهم للردة عن الإسلام، والخيانة العظمى لله ورسوله والمؤمنين، وفي كتب الأزهر وفتاواه كلام بنفس السياق، فلماذا خرجت أصوات المداخلة دينيا وسياسيا بالعواء على المقاومة، وصمتت على ما يعد بلغة الدين: خيانة لله ورسوله، وبلغة السياسة: خيانة للوطن والعروبة؟! لماذا الحديث عن المبتدع المقاوم هنا، والصمت عن الخائن الموالي لعدو الله والأمة؟!!

الانتصار لعرض عائشة الماضي والحاضر

وتراهم في سياق تبريرهم للهجوم على المقاومة الشيعية، يرفعون شعار: لن نتحالف مع من خاض في عرض عائشة رضي الله عنها، وهي قولة حق يراد بها باطل، فلم يثبت أن الشيعة بعمومهم يعلنون ذلك، أو يؤمنون به، وإذا قاله بعض غلاتهم، فهناك عقلاء كثر منهم ينكرونه ويرفضونه.

وعلى هذا المقياس الديني كذلك، فهم متاجرون بالأمر دينيا، من ناحيتين، من ناحية خلط الموقف بين ما يعتقده إنسان ولو كان باطلا، والوقوف معه في قضية نصرته عندما يظلم أو يقف مع قضية حق، فمعلوم شرعا في التحالفات السياسية أنها تكون على أساس المصلحة والمفسدة، لا على أساس التقارب الديني، ربما كان ذلك أحد عوامل التقارب، لكنه ليس شرطا فيه.

فالنبي صلى الله عليه وسلم، وهو زوج السيدة عائشة، عندما مات عبد الله بن أبي بن سلول رأس النفاق، وكان هو الرأس الذي خطط لحديث الإفك، فلما مات طلب ابنه عبد الله -وكان مؤمنا- من رسول الله أن يعطيه قميصه ليكفن أباه به، لعل ذلك يخفف من عذاب أبيه، فقبل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، لسببين: الأول: تكرمة لابنه المؤمن. والثاني: ردا لجميل كان لابن سلول، ففي غزوة بدر كان العباس رضي الله عنه أسيرا، وقد كان مشركا وقتها، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يكسوا الأسرى، فبحثوا عن قميص يناسب العباس، فلم يجدوه، فأعطاه ابن سلول قميصه يلبسه، فكان ذلك جميلا في عنق النبي صلى الله عليه وسلم، فرده له في وفاته، رغم أنه صاحب مؤامرة حديث الإفك، بالخوض في عرضه وعرض زوجه، فما قولهم في هذا الصنيع من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

أما الناحية الثانية، فهي أن هؤلاء يتجرون بهذا الكلام، وليس له ترجمة عملية في واقعهم، فلو كانت غيرتهم على عرض السيدة عائشة رضي الله عنها حقيقية، لغاروا على كل عرض ينتهك، فإن عائشة رضي الله عنها مصونة العرض، وقد برأها الله من فوق سبع سماوات، فماذا عن آلاف “العائشات” في أرض غزة وفلسطين، بين قتل واغتصاب، وتجويع، وإذلال، وماذا عن موقف من يعاون العدو على ذلك من أناس ينتسبون للعروبة والإسلام، وأصحاب هذه الأصوات والأقلام يصمتون عنهم، بل يسبحون بحمدهم، ويرجون رضاهم؟!

إن هذا الملف يتم فتحه عن عمد بشكل لا يتسم بالعقل والحكمة، ولا موازين الشرع، فمكانه الطبيعي في سياقه وساحات البحث العلمي المجرد مقدر محترم، لكن نقله بهذا الشكل في هذا السياق والواقع المهين والمخيف، ما هو إلا لون من التصهين القائم على قدم وساق في بلداننا ومجالنا العام، وحرف لبوصلة الأمة عن قضاياها.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان