عام من البلطجة الإسرائيلية.. وماذا بعد؟
ليس معنى مرور عام على البلطجة الإسرائيلية في المنطقة، بدعم غربي أمريكي، أن الأعوام السابقة، كانت دون بلطجة، ذلك أن 76 عامًا مرت على احتلال دولة فلسطين، وإنشاء ذلك الكيان البغيض، كانت كفيلة بإطلاق تعبير “الكيان الإرهابي” على كل ممارساته، التي لا يخجل من إلصاقها بالآخرين، حتى تحت سقف منظمة الأمم المتحدة، من خلال وصلة من الأكاذيب، ردح بها أخيرًا بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الكيان، على مرأى ومسمع العالم، وسط تصفيق عشرات الصهاينة الذين أتى بهم خصيصًا لهذا الغرض.
البلطجة الإسرائيلية تمثلت هذه المرة في حرب إبادة لسكان قطاع غزة تحديدًا، على مدى عام كامل، بسلاح أمريكي غربي في معظمه، ومرتزقة من جنسيات مختلفة، وصمت دولي رسمي إلا ما ندر، وإثبات حضور شكلي للمحاكم والمنظمات الدولية، وهو ما دعا جبهات مقاومة أخرى إلى التدخل، في محاولة لردع العدوان، كان آخرها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بعد استنفارها باستهداف مسؤولين إيرانيين بالقتل، قبل تتويج ذلك باغتيال إسماعيل هنية زعيم حركة حماس، على الأراضي الإيرانية، في استخفاف بالغ بكل المواثيق والقوانين الدولية.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsجريمة الاغتصاب تزيد الحالة السودانية بشاعة
سارة نتنياهو.. المرأة الشريرة في إسرائيل
الذين عادوا من الفضاء!
العام المنصرم، من أكتوبر/تشرين الأول 2023 حتى أكتوبر 2024 حمل الكثير من الأحداث والتطورات على صعيد ذلك الكيان تحديدًا، كان أهمها أنه كشف للعالم، من خلال ممارساته، عن أمرين على قدر كبير من الأهمية، الأول منهما: هو حجم الخداع والتزييف الذي ساقته وسائل الدعاية العالمية المرتبطة به، على مدى عقود، حول وداعته وأحقية وجوده، وهو ما جعل مظاهرات الإفاقة لا تهدأ، من شرق العالم إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، والأمر الآخر هو: أن العالم اكتشف أيضًا أنه أمام كيان لا يستطيع الصمود، ولو قليلًا، أمام أي مقاومة حقيقية تبحث عن العدالة، إلا بالدعم الأمريكي الغربي المتواصل على مدار الساعة، ماديًّا وعسكريًّا وتكنولوجيًّا.
المرتزقة يتقدمون الصفوف
وإذا علمنا أن جيش ذلك الكيان، يعتمد في صفوفه الأولى على قوات من المرتزقة، يقارب عددهم 20 ألفًا، من إفريقيا وآسيا ودول شرق أوروبا، برواتب أسبوعية تزيد على 4000 ألف دولار، إلى جانب قوات مساعدة رسمية، أمريكية غربية؛ فسندرك بالفعل كم أننا أمام كيان هشّ، حانت نهايته، بحكم التاريخ والجغرافيا وقراءة الواقع، والأهم من ذلك بحكم ممارساته التي لا يمكن استمرار القبول بها إقليميًّا وأخلاقيًّا، وهو ما يحتم، بمرور الوقت، دخول جبهات أخرى على خط المواجهة، إن عاجلًا أو آجلًا، خصوصًا أننا أمام حرب طويلة الأمد، وجودية، لن تنتهي باتفاقيات، أو بإذعان أي من الأطراف للآخر، إنما بتحقيق انتصار هنا أو هناك لا يقبل الشك.
كل مجريات الأحداث، على مدى عام كامل، تؤكد أننا أمام كيان مدمر للأخضر واليابس، يستهدف الأطفال والنساء، والشجر والحجر، وكل شيء تقريبًا، امتثالًا لنصوص شيطانية مزيفة، يعتقدون أنها توراتية إلهية، وهو ما أسفر في عام واحد عن قتل أكثر من 40 ألفًا في غزة وحدها، فضلًا عن أكثر من عشرة آلاف جثة تحت الأنقاض، ونحو 100 ألف جريح، وها هو يعاود الكرّة، في لبنان، بالسلاح الأمريكي نفسه، ونفس الدعم الغربي اللامحدود، وغياب القانون الدولي، الذي يمكن تفعيله فقط إذا أصبح ذلك الكيان في خطر.
ومع بداية عام جديد من العدوان على أكثر من جبهة، أعتقد أن المراوغات السياسية الأمريكية، المتعلقة بما تطلق عليه اتفاقيات التهدئة الوشيكة، بهدف منح الاحتلال الفرصة لتحقيق أهدافه، يجب أن تصبح بلا معنى، بمعنى عدم التعامل مع هذه المراوغات في العواصم العربية المعنية، على أنها ذات قيمة، أو مع الموفدين الرسميين الأمريكيين، على أنهم وسطاء يتمتعون بالنزاهة، أو يرغبون بالفعل في التوصل إلى تسوية عادلة على أي صعيد؛ ذلك أن شحنات السلاح الداعمة للكيان برًّا وجوًّا وبحرًا، لم تتوقف يوما واحدًا على امتداد العام الماضي، وهو في حد ذاته دليل كافٍ على عدم المصداقية.
العرب والعام الجديد
في الوقت نفسه، بدا وضحًا أن العام المقبل لن يحمل جديدًا، فيما يتعلق بالموقف الرسمي العربي من الحرب أو من العدوان، حتى في حالة دخول طرف عربي جديد على خط المواجهة، أو أكثر من طرف، لأسباب عديدة، يتعلق أهمها بالحفاظ على العرش أو النظام الحاكم، هنا أو هناك، في ظل اقتناع واضح بأن كل العروش في المنطقة، يتم تحريكها، من البيت الأبيض الأمريكي، وهو أمر مشين، خصوصًا إذا علمنا أن الأجندة الإسرائيلية، متخمة بالأطماع، التي لن تستثني أحدًا، وها هي خرائط التوسع الصهيونية يتم تداولها ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، جهارًا نهارًا، خصوصًا بعد سلسلة الاغتيالات في لبنان، وآخرها اغتيال الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، بعدما اعتبرت التصريحات الرسمية، أن ذلك بداية تحقيق الأهداف.
أعتقد أن تقارير مراكز الدراسات السياسية والاستراتيجية، في العالم العربي، المتعلقة بالأحداث الجارية، وتقارير الأجهزة المخابراتية والسيادية بشكل عام، يجب أن توليها القيادة السياسية اهتمامًا كبيرًا، في كل قطر على حدة، بل يجب التكامل فيما بين الأقطار في هذا الشأن، خاصة أنها تحمل بالضرورة تصورها لما يجري على الساحتين الدولية والإقليمية، ومدى الخطر الذي يحيط بالمنطقة كلها، في ضوء الممارسات الإسرائيلية والأمريكية بشكل خاص، وفي ضوء استمرار ذلك الكيان “النووي” على أراضٍ محتلة، دون رادع، بأطماعه اللامحدودة، وسلوكياته النازية.
في كل الأحوال، نحن أمام عام حاسم في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، الذي سوف يصبح بحكم تطور الأحداث صراعًا عالميًّا إسرائيليًّا، على الرغم من استمرار الدعم الأمريكي الغربي، وبشكل خاص البريطاني الألماني الفرنسي، وبمرور الوقت لن تقبل الأحداث أنصاف المواقف، ولا أنصاف العرب، ولا حتى أنصاف الرجال؛ ذلك أن الكلمة الأخيرة سوف تكون للشعوب، التي يحق لها تقرير مصيرها، وليست أبدًا للبيت الأبيض، أو لقوات فرض النظام، وهو ما يوجب التعامل مع قضية الكيان الصهيوني تحديدًا، بما يتناسب مع حجم الأخطار الصادرة عنه، التي أصبحت تهدد الحاضر والمستقبل، لمن يريد أن يعي، ومن يريد أن يفهم، وإن غدًا لناظره لقريب.