حرائق الشرق الأوسط ورصاصة الرحمة على الأمم المتحدة!

فوضى وحرائق تُشعلها إسرائيل بدعم أمريكي غربي، تقود المنطقة نحو حرب إقليمية مفتوحة بلا ضوابط، في ظل عجز دولي مستفحل، تتجلى أوضح صوره في انعدام قدرة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي التابع لها على موقف يُلجم إسرائيل ويمنعها من التمادي في إرهابها.
حرب جديدة
قبل انقضاء عام على طوفان الأقصى وحرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، تولد حرب جديدة، تتمدد من خلالها جرائم إسرائيل ضد الإنسانية، بشراكة أمريكية غربية كاملة لا لبس فيها، ويتكرر حرفيا في جنوب لبنان ما حدث في غزة، على مرأى ومسمع من العالم أجمع، في ظل صمت عربي وإسلامي مخزٍ ومخجل، وعجز دولي أطلق رصاصة الرحمة على مصداقية الأمم المتحدة والشرعية الدولية.
خلال الجلسة الطارئة لمجلس الأمن، في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، التي انعقدت بطلب من فرنسا غداة الهجوم الصاروخي الإيراني على الاحتلال الإسرائيلي، حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن “الحرائق المشتعلة في الشرق الأوسط تتحول بسرعة إلى جحيم”، مطالبًا بوقف هذه “الدورة القاتلة من العنف المتبادل” وفقا لتعبيره.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالصين تنزع القناع عن العلامات التجارية الأمريكية الفاخرة
التحديثيون والمحافظون: الحالة التونسية
«طلعت حرب راجع».. مؤتمر وصاحبه غائب
ولم يفت الأمين العام للأمم المتحدة، بعد أن أعلنت إسرائيل أنه شخصية غير مرغوب فيها، لعدم إدانته الهجوم الإيراني بشكل كاف، أن يندد بشدة بالهجوم الصاروخي الضخم الذي شنته إيران على إسرائيل، وفي الوقت نفسه لم يتطرق إلى إدانة أعمال الإبادة التي تمارسها إسرائيل في غزة والضفة ولبنان.
وكان من بين ما طالب به غوتيريش، وقف إطلاق النار والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن، ووقف الأعمال العدائية في لبنان، وفقا لتعبيره!
منظمات فقدت شرعيتها واستنفدت أغراضها
واقع أممي بائس مستمر منذ سنين، أقل ما يوصف به الآن أنه أصبح شديد العبثية، وهذا ما أكدته فعاليات الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي انعقدت في سبتمبر/أيلول 2024.
وقد زاد من عبثية المشهد، خطاب الرئيس الأمريكي جو بايدن، وحضور رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المتهم بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية، وإلقاء كلمته أمام الجمعية العامة، وهو ما كان بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة على الأمم المتحدة والهيئات التابعة لها؛ إذ أصبحت لا شرعية لها ومستنفدة لأغراضها.
على خشبة مسرح الأمم المتحدة، وقف القاتل وشركاؤه الأصليون، وقد تقمصوا دور الواعظين، بينما يستمع ممثلو دول العالم وهم جلوس في مقاعد المتفرجين.
مشهد أممي أقصى ما يملك فيه الرافضون للجرائم الإسرائيلية، هو الانسحاب من القاعة، وكلمات عن واقع الحال، تخاطب ضمائر عساها ما زالت حية، وتقرع أجراس الخطر، وتنبه إلى ما يفتك بالشرعية الدولية، ولكنها في كل الأحوال لا تجاوز حدود القاعة التي ترددت فيها، في ظل مجتمع دولي آثرت غالبيته وضع الرؤوس في الرمال، وحصر دعمهم للحق في ثنايا الكلمات بعيدا عن الأفعال، ضاربين عُرض الحائط بالأخلاق والقيم الإنسانية، في مشهد يؤكد أنه لا اعتبار إلا لمنطق القوة، ولا عزاء للقوانين والمواثيق الدولية!
خطاب بايدن بين الوعظ والقتل
في خطابه أمام الأمم المتحدة، تقمص الرئيس الأمريكي جو بايدن دور الواعظين ودعاة السلام، في الوقت الذي تستمر فيه أسلحة الدمار الأمريكية التي لا تنقطع عن إسرائيل في حصد أرواح الآلاف من الأبرياء، وتدمير الممتلكات، وحرق الأخضر واليابس في غزة ولبنان؛ مما يجعل الولايات المتحدة فاعلا أصليا وليس شريكا في جرائم القتل والإبادة.
جاء خطاب بايدن الأخير في الأمم المتحدة محملا بالعناوين العريضة والطابع الوعظي الممل، وجاءت كلماته تحديدا عن غزة ولبنان عابرة، وعلى نفس نهج إدارته المستمر منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، ومحملة بكثير من المغالطات بخصوص المقاومة الفلسطينية.
في ذات الوقت، كانت كلمات بايدن القافزة على جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان، والمبررة لإسرائيل بدعوى حق الدفاع عن نفسها، بمثابة صك على بياض؛ لتواصل الحكومة الإسرائيلية جرائمها، وكانت تمهيد أرض لنتنياهو قبل إلقاء كلمته، ليواصل وعصابته الصهيونية تنفيذ جرائمهم في غزة ولبنان، في ظل ضمانته للدعم الأمريكي والصمت العربي والدولي.
وبينما كان الرئيس الأمريكي جو بايدن يُلقي كلمته في الأمم المتحدة مرتديا مسوح دعاة السلام والواعظين، كانت إسرائيل مستمرة في تجاهلها الدعوات العالمية إلى وقف إطلاق النار في غزة ومع حزب الله، وتواصل قصف غزة ولبنان، وتتوسع في المجازر والاغتيالات بلا بمبالاة للمجتمع الدولي.
وفي الوقت نفسه، يعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن أن الولايات المتحدة ستواصل دعمها لإسرائيل، بعد أن حصلت تل أبيب على مساعدات عسكرية جديدة بقيمة 8.7 مليارات دولار من واشنطن، ومعلنا رفض “الخطوط الحمراء” للهجمات الإسرائيلية على غزة ولبنان.
مجرم حرب على منصة الأمم المتحدة
من ناحية أخرى، ليس هناك من وصف للعار الذي لحق الأمم المتحدة باستقبال مجرم حرب مثل بنيامين نتنياهو، يطلق وعيده وتهديداته غير مبال بأي قانون دولي.
وبدلا من أن تمنع الأمم المتحدة نتنياهو من دخول مقرها؛ لكونه مجرم حرب، ويجب اعتقاله وإيقافه بشتى الوسائل المتاحة؛ إذ بها قد منحته منصة تغذي غطرسته وغطرسة الكيان الذي يقوده.
لم يكن حضور نتنياهو للأمم المتحدة وإلقاء خطابه إلا إعلانا واضحا للفشل الذريع للمجتمع الدولي، واستباحة رخيصة للقانون والمواثيق الدولية، ويقف وراء ذلك كله الغرب والولايات المتحدة الأمريكية تحديدا.
كان خطاب كل من بايدن ونتنياهو في الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، بمثابة تدشين للتصعيد الإسرائيلي وتوسيع الحرب. وكان موقف غالبية دول العالم من الجرائم الإسرائيلية في غزة والضفة ولبنان عاكسا للوجه المقيت لنفاق دولي، تغذيه تحالفات جيوسياسية، تطعن القانون الدولي في مقتل، وتنهي شرعية المنظمات الدولية.
ستظل الدورة التاسعة والسبعون للجمعية العامة للأمم المتحدة علامة فارقة في تاريخ النظام الدولي المعاصر، حيث شهدت إطلاق رصاصة الرحمة على الأمم المتحدة والشرعية الدولية، وما الحرائق المشتعلة في الشرق الأوسط بسبب الجنون الإسرائيلي، التي تتحول بسرعة إلى جحيم، بحسب تعبير أنطونيو غوتيريش، إلا مجرد تأكيد على أن الضحية قد لفظت أنفاسها الأخيرة.