عن الصواريخ الإيرانية وما بعدها

الصواريخ الإيرانية في سماء إسرائيل
الصواريخ الإيرانية في سماء إسرائيل (الأناضول)

قبل عام من الآن وفي السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 بدأ العدوان الصهيونى على قطاع غزة، ثم امتد بعد نحو 12 شهرًا ليصل إلى لبنان، ولتصبح الحرب الإقليمية أقرب إلينا من حبل الوريد بعد شد وجذب وتهديد ووعيد وقصف متبادل بين إيران والكيان المحتل.

إيران تقصف إسرائيل بشجاعة نادرة غابت عن الأنظمة العربية التي ظلت طوال العام الماضي تمارس دورها من موقع المشاهد حينًا، ومن موقع الوسيط أحيانًا!

في الضربة الإيرانية التي هزت أركان الاحتلال تطور مهم، وفي الرد الإسرائيلي المنتظر ما قد يفضي إلى مواجهة عسكرية شاملة تضع المنطقة بالكامل على حافة بركان قد يثور.

ما قبل اللحظة التي انطلقت فيها الصواريخ الإيرانية باتجاه تل أبيب ليس كما بعدها.

هذه حقيقة مؤكدة!

لماذا الضربة الآن?

بعد استشهاد إسماعيل هنية في طهران في يوليو/تموز الماضي توعدت إيران برد عسكري على تجرؤ دولة الاحتلال على أمنها القومي وسيادتها.

تأخر الرد الموعود حتى ظن البعض أن الوعيد الإيراني لم يكن أكثر من كلام والسلام!

كان استشهاد هنية في إيران حدثًا فارقًا وكبيرًا لفت أنظار المتابعين باتجاه إيران وقدرتها على الرد.

بعد مقتل رئيس المكتب السياسي لحماس وصل الانفلات الصهيوني لذروته بالنيل من أحد أهم حلفاء إيران.

قتلت إسرائيل الشهيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله في ضربة مزلزلة لما يعرف بمحور المقاومة في المنطقة.

في اللحظة التي اغتال فيها جيش الاحتلال نصر الله كانت إسرائيل تعلن نفسها حاكمًا وحيدًا لمنطقة خانعة وصامتة ومستسلمة إلا القليل.

بعمليات الاغتيال وباستغلال الانتصار المعنوي الذي حققته إسرائيل باتت لبنان هي الجائزة الكبرى.

قرر الكيان المحتل غزو الجنوب اللبناني في لحظة ظن أنها تشهد ارتباكًا في صفوف حزب الله اللبناني بعد استشهاد أمينه العام.

إيران كانت تتابع التحركات الصهيونية عن كثب بعد أن أدركت أنها أمام لحظة فارقة في مشهد الحرب الممتدة منذ عام.

بفهم استراتيجي لما يجري  حسمت الدولة الإيرانية قرارها بعد التأكد من أن الانفلات الصهيوني سيصل لأراضيها في نفس اللحظة التي سينتهي فيها من عمليته في لبنان.

بتراكم عمليات اغتيال هنية ونصر الله، ثم بغزو إجرامي للجنوب اللبناني قدرت طهران أن الخطر الزاحف نحوها بات أقرب من أي وقت مضى.

رفع نتنياهو خريطة الشرق الأوسط الجديد الذي يريده في الأمم المتحدة، وأكد رغبته في بناء هذا الشرق الإسرائيلي فأثار حفيظة الإيرانيين الذين اعتبروا أنفسهم مستهدفين ضمن خطط دولة الاحتلال.

باختيار توقيت الضربة العسكرية بعثت طهران برسالة رفضت فيها انكشاف أمنها القومي بعد أن استوعبت أن السكوت لم يعد ممكنًا، وحملت صواريخها رسالتها لجميع الأطراف بقدرتها على أن تطول كل مكان في إسرائيل.

في مشهد الصواريخ الإيرانية وهي تنجو من قبة إسرائيل الحديدية وتصل لأهدافها- لتثلج الصدور-  تفاصيل وحسابات وتقديرات ونتائج منتظرة.

ما حققته الضربة الإيرانية:

بعد ساعتين من الضربة الإيرانية ظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي مرتبكًا متوترًا كما لم يحدث منذ بداية العدوان في العام الماضي.

صورة اليد المرتعشة لنتنياهو وهو يقرأ بيان الرد على الضربة الإيرانية كانت كافية لتظهر الهدف الأول من الهجوم الإيراني.

أعادت الضربة بعضًا من توازن الردع المفقود، وحولت المشهدين السياسي والعسكري من مواجهة إسرائيلية مع جماعات مقاومة شجاعة إلى صدام أكثر قوة وأكبر ثمنًا ومع جيش نظامي للمرة الأولى.

كانت الرسالة الأولى على بساطتها عميقة ومهمة: لن ينفرد الجيش المحتل برسم خرائط المستقبل.

في حسابات المواجهة كان المطلوب ألا يرفع الكيان المحتل رايته على المنطقة منفردًا، وألا يضع نتنياهو وحيدًا خريطته الجديدة للشرق الأوسط.

منذ وصول الصواريخ  إلى الأرض المحتلة تجلت هذه المعاني بالتأكيد على أن صوتًا آخر يقول لن نذهب جميعنا إلى المذبح صاغرين!

بتفاعل شعبي واسع أحاط بالصواريخ التي أضاءت سماء فلسطين المحتلة كانت المقاومة على امتداد الأرض من فلسطين إلى لبنان ومن اليمن إلى العراق تستعيد زخمها المعنوي، وتسترد قدرتها على توجيه الضربات المؤلمة للعدو المنفلت.

ماذا بعد القصف الإيراني؟

في مشهد غير تقليدي كان المرشد الإيراني علي خامنئي يضع خريطة للقادم في صلاة الجمعة الماضية.

وسط آلاف المصلين بدا خطاب المرشد واضحًا وغير متردد، يدعو لوحدة الأمة، ويعلن القدرة على المواجهة مع الكيان المحتل، ويبشره بهزيمة سياسية واستراتيجية أمام قوى المقاومة.

كان الخطاب الذي اختار أن يكون نصفه الأخير باللغة العربية كافيًا لفهم أن الدولة الإيرانية تستعد لرد إسرائيلي قادم، وتحشد كل القوى العربية والإسلامية لمواجهة عسكرية تتوقعها وتستعد لها، وتبني حائط صد من الشعوب بخطاب وجهه الرجل الأول في إيران لجماهير يدرك جيدًا أنها غاضبة.

في المقابل كانت دولة الاحتلال تعلن أن ردها على الهجوم الإيراني قادم.

بضغوط أمريكية حاولت التهدئة من الانفلات المتواصل لحكومة التطرف الإسرائيلية بدت تصريحات قادة الاحتلال تصب في خانة نفي الرغبة عن قصف المنشآت النووية في إيران.

بدواعي القلق من الرد الإسرائيلي  هددت إيران بضربة مدمرة “للبنية التحتية” في إسرائيل إذا ما فكر جيش الاحتلال في قصف المنشآت النووية.

بحسابات السياسة فإن الرد الإسرائيلي قد يمر مرور الكرام دون حتى أن يدفع طهران إلى الرد عليه بشكل عاجل على الأقل، لكنه قد يكون من ناحية أخرى شرارة لحرب شاملة إذا تجاوز الخطوط الحمراء وتجاوز حدود قوة الضربة الإيرانية.

خلال أيام قليلة ستكون المنطقة على موعد مع تطور جديد، إما لتسكين- مؤقت على الأقل- في المواجهة بين طهران وتل أبيب، أو تحول المشهد إلى حرب أوسع ونجاح التطرف الصهيوني في جر المنطقة كلها لمزيد من الدماء.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان