من سيناء إلى غزة.. بشائر نهاية المشروع الصهيوني!
مر عام على ” انتفاضة الأقصى”، وقد أصابنا غمٌ لما يحدث من دمار في لبنان بعد غم المجازر التي شنها العدوان الإسرائيلي على غزة، فحولها إلى ركام، واستشهد على أثرها 42 ألف فلسطيني، وتشرد مليوني إنسان.
جاء الغم بعد الغم، لنشم من ريحهما بشريات نصر قادم، بينما تتعمق أزمة وقع فيها الاحتلال الإسرائيلي، مع رغبته المحمومة بتحقيق أي مظاهر للفوز في معركة غير محسومة، قبل الذكرى الأولى لعمليات طوفان الأقصى.
يخشى نتنياهو الحياة بيومي الانتصار العربي المبين، في 6 أكتوبر 1973، حيث عبرت القوات المصرية قناة السويس، و7 أكتوبر بمعركة” طوفان الأقصى” دون أن يكون بحوزته نصر يجعله يستهزئ بجنرالاته ويردد كلمته الشهيرة بالكنيست بأنه “سيد الأمن” القادر على حماية شعب إسرائيل.
يتمنى نتنياهو وحلفاؤه من اليمين اليهودي المتطرف، أن يختفي يومي 6 أكتوبر و7 أكتوبر من قائمة أيام الشهر، وأوراق التاريخ، فالانتصار الأول يذكره بعبور القوات المصرية خط بارليف الذي زعموا أنه لا يقهر، فأسقط حكم الجنرالات بينما في الثاني اخترقت الفصائل الفلسطينية “الهالة التي لا تقهر”، فأسقطت المشروع الصهيوني برمته، في عيون “الشعب المختار”، وأزالت هيبة إسرائيل في عيون الأصدقاء قبل الخصوم.
انتصار زائف
حرص بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي عقب شنه غارات وحشية مكلفة على جنوب لبنان الأسبوع الماضي، على توجيه رسالة للعرب، يؤكد فيها أن يد إسرائيل قادرة على الوصول إلى أي دولة بمنطقة الشرق الأوسط. جاءت كلمات نتنياهو، مواكبة لتصريحات وزراء من أعضاء التحالف الحكومي المتطرف بأن غزو جنوب لبنان غرضه احتلال أراضي الجنوب وضمها مع الضفة الغربية وغزة، لدولة إسرائيل الكبرى إلى الأبد، مهددين الأردن -والإشارة بلا نص على مصر- بأن الدور عليها قادم، بعد إتمام مهمتهم القذرة في لبنان.
يروج نتنياهو لانتصارات زائفة، ولا يعترف بالهزيمة الساحقة التي حققها “طوفان الأقصى” بجيشه وحكومته. يضرب لبنان بعنف، ويسحق غزة، ولديه استعداد لشن حرب واسعة ضد إيران، ويضغط على مصر والأردن، مهددا بإعادة تقسيم الشرق الأوسط.
يردد نفس الأفكار الضالة التي روج لها اليمين الأمريكي المتطرف بقيادة جورج بوش الابن، وبدعم من الجماعات الصهيونية بواشنطن وتل أبيب وإنجلترا، عندما غزا العراق عام 2003، للتبشير بولادة شرق أوسط جديد، فأسفر عن فوضى واسعة، قلبت موازين القوى بالمنطقة، أبعدت الولايات المتحدة عنها لمدة عقدين، وأدخلت الدواعش وسمحت بتغول روسيا وإيران بالمنطقة العربية إلى أن تحولت إلى فريسة تتخطف من الصين والغرب.
المطبوعون العرب
تثير تهديدات نتنياهو مخاوف أنظمة وساسة اعتادوا التكسب باستمرار من “أزمة القضية الفلسطينية”، دون حل منذ ولادتها، وقيادة الدول عبر أنظمة استبدادية معادية لأي تحول ديمقراطي، باسم الحفاظ على اللحمة الوطنية، لمواجهة العدوان.
أصبحت بعض الأنظمة حليفة للعدو، وأخرى تطلب المودة والقربى مع المتطرفين الصهاينة، ليسمحوا لها بالمشاركة في إدارة الأزمة دون القدرة -وأحيانا الرغبة- بالتوصل إلى حل نهائي للقضية، بحثا عن علاقات مع الداعمين الدوليين للاحتلال، وتأمين سلطتهم.
المطبعون والسائرون نياما في اتجاه الاعتراف بالكيان الإسرائيلي، يتجاهلون أن نظام “تل أبيب” العنصري البغيض لم يترك خيارا أمام العرب غير احتلال أرضهم والفلسطينيين، إلا الطرد أو الإبادة أو العيش تحت إذلال ورقابة محكمة على مدار الساعة.
لا يدرك هؤلاء قيمة الانتصارات التي تحققت على أيدي أبطال أكتوبر في سيناء وغزة، رغم ما بين المعركتين من زمن بعيد.
كسرت حرب 6 أكتوبر شوكة “الجيش الذي لا يقهر” فأدت إلى تغيير استراتيجية الحروب فيما بعدها. أذهلت العقيدة القتالية التي امتلكها المصريون أثناء عبور قناة السويس وتوظيف الإمكانات العسكرية البسيطة لاقتحام خط بارليف المانع المائي العظيم بينما الإسرائيليون في غفلة غرور القوة، ولم ينصتوا إلى تحذيرات الجواسيس وحقائق أظهرتها أجهزتهم تكشف عن تجهيز مصر لحرب واسعة على طول القناة.
اكتشف الخبراء أن عقيدة الجنود في 6 أكتوبر هي نفس العقيدة التي امتلكتها قوات حماس والفصائل عند تنفيذ خطة “طوفان الأقصى” التي مكنتهم من تحقيق هجوم كاسح، أدى إلى مقتل 1200 إسرائيلي وأسر 250 آخرين بوقت قياسي، وأن غفلة إسرائيل هي التي دمرتها، رغم ما تملكه من وسائل تدمير شامل وتكنولوجيا الرقابة والعملاء المنتشرين ليل نهار بأنحاء غزة والقطاع وما حولهما.
غرور القوة ظل العامل المشترك في الحربين، لذا يحاول نتنياهو كسب حرب في ساحة المعركة على طريقة أسلافه في حادث الثغرة الذي أدخل قوات إسرائيلية غرب قناة السويس يوم 14 أكتوبر 1973، ليظهر كالمنتصر بنهاية المشهد في لبنان وغزة.
هجرة عكسية لليهود
يدفع نتنياهو إلى توسيع نطاق الحرب مع إيران، دون مراعاة لمصالح واشنطن وحلفائه بالغرب الذين يدعمونه بالمال والسلاح والمعلومات العسكرية، ويشاركونه بإسقاط صواريخ طهران. لا يأبه لما ستسفر عنه من نتائج خطيرة على اقتصاد الصين التي يسميها “الصديق الحميم في الجنة” المستهلكة لــ 50٪ من إنتاج بترول دول الخليج بشاطئيه.
جنون نتنياهو يثير الخبراء في الغرب والعقلاء الذين أدركوا بعد “طوفان الأقصى” أنهم مختطفون في يد صهيوني وقح، يدفع بهم إلى التهلكة، ويتخذ من الحرب وسيلة للتهرب من مواجهة محاكمته بالفساد المالي والفشل العسكري والسياسي.
كتب رئيس تحرير جريدة هآرتس الإسرائيلية “ألوف بن” مقالا نشرته مجلة النخبة السياسية الأمريكية “فورن أفيرز” في 4 أكتوبر الجاري، داعيا نتنياهو إلى التوقف عن مغامراته الطائشة مع إيران وفي لبنان وغزة، مؤكدا أن النصر الحقيقي غير ممكن، في ظل الاستمرار باحتلال أراضي الغير بالقوة، وبدون سلام حقيقي، لولادة شرق أوسط جديد لا تنفرد إسرائيل بتحديد مساره.
يقول الكاتب: “تعاني إسرائيل من ركود داخلي وعزلة عالمية متزايدة وتوقعات اقتصادية كئيبة وشعور باليأس والإحباط منذ هجوم حماس، لم تغيره العمليات العسكرية في غزة ولبنان، حيث يظل المستوطنون في الشمال والجنوب غير قادرين على العودة إلى ثكناتهم، بينما يوسع نتنياهو الحرب بما يزيد الفجوة الاجتماعية والسياسية مع معارضيه”.
يبين “ألوف” أن اليمين المتطرف الذي بزعامة نتنياهو يقود إسرائيل في الاتجاه المعاكس لحل القضية الفلسطينية، ويحاول العودة لإدارتها بدون الرغبة بالحل، ينكر مسؤوليته عن هزيمة 7 أكتوبر ويجهد الدولة في أطول معركة وأكثرها غموضا، بينما يسعى إلى هدم المؤسسات الليبرالية، وإثارة الانقسامات الداخلية، ويدفع الليبراليين، خاصة الأكثر تعليما وثراء، إلى الرحيل بلا عودة.
دول سيئة السمعة
تبدو المخاوف من جنون العظمة لدى نتنياهو أكثر قيمة وخطرا عما يخشاه السلطويون العرب إذ ينظرون إلى فقدان إسرائيل الأمن و”سمعتها كدولة ديمقراطية بمنطقة تحكمها أنظمة استبدادية”، مع عدم قدرتها على حسم الحروب عبر عملية سياسية تنتهي باتفاقات وحلول سلمية دائمة.
تكشف انتصارات أكتوبر عن هشاشة دولة الكيان، التي تعيش بلا دستور وتتعايش بقوانين ولدت على يد أغلبية متطرفة غير قادرة على رسم حدود كيان لدولة تقتات على الحروب، وتعيش على الدعم المطلق من الغرب الذي سقط معها في مستنقع عنصرية متوحشة، ولا يتورع عن حماية أنظمة مستبدة ويكرس الاستبداد في أي دولة، ترضى عنها إسرائيل.