ينتقمون لخسائر الحرب بالمذابح والاغتيال

لافتة بصورة نتنياهو مرفوعة خلال تجمع مؤيد للفلسطينيين قبل الذكرى السنوية للسابع من أكتوبر خارج البيت الأبيض (رويترز)

 

اليوم الخامس على التوالي الذي يواجه فيه جيش الكيان الصهيوني صعوبة بالغة في الوصول إلى نقطة ارتكاز داخل الأراضي اللبنانية حتى لو كانت نقطة صغيرة، هذه النقطة التي ادعى القادة والسياسيون في إسرائيل أنهم حصلوا عليها في تصريحات وبيانات متعددة ليلة الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وثبت كذبها، لقد صار الإعلام سلاحا صهيونيا متقدما.

لم يتمكن جنود النخبة في جيش الاحتلال حتى الآن أن يستقروا على متر واحد من الأراضي اللبنانية، فكلما حاولوا الدخول تصدت لهم قوات الرضوان، أكثر قوة عسكرية لدى المقاومة الإسلامية تدريبا، وكبدتهم خسائر كبيرة.

لم يعد خافيا بعد خمسة أيام ممّا تصوره نتنياهو فرارا من انتكاسته وهزيمته في غزة صار جهنم لجنوده ومحرقة للدبابات الإسرائيلية. توالت الخسائر في قوات النخبة الأكثر تدريبا واحترافية في جيش الاحتلال.

تساقط القتلى وتضاعفت أعداد المصابين، أكثر من ثمانية قتلى باعتراف جيش الاحتلال في اليوم الثاني، وأعلن حزب الله أن ما لا يقل عن 17 قتيلا في اليوم الثالث، وفي اليوم الرابع أعلن الكيان أن عدد المصابين في قواته وصل إلى 38 جنديا في الساعات الـ24 الأخيرة فقط.

لم تكن خسائر الكيان الكبيرة في أرقام ضباط وجنود قوات النخبة هي خسارتهم الوحيدة، بل كان الصمود الكبير لأعداد عشرية من جنود الرضوان في مواجهة طلقات المدفعية وسلاح الجو الإسرائيلي حينما حاولت إنقاذ القتلى والمصابين مفاجأة كبيرة لهم، حتى أن نتنياهو اعترف بأنها أيام صعبة، وأدرك الكثير من وسائل الإعلام العبرية ذلك، وبدأت الجبهة الداخلية التي ظن البعض تكاتفها في العدوان البري على الجنوب تعود للانقسام مع توالي الخسائر.

لم يتوقف حزب الله والمقاومة الإسلامية في لبنان عن القصف الصاروخي الذي تصاعد، ووصلت أعداده إلى أرقام كبيرة باعتراف الجيش الصهيوني الذي أعلن عن 800 صاروخ في الأيام الأربعة الأولى من أكتوبر الجاري قد أُطلِقت من جنوبي لبنان، ثم كانت مرحلة تكثيف القصف إلى ضواحي تل أبيب، وقصف منصات الغاز في عسقلان، أي انتقل القصف إلى عمق الأرض المحتلة.

هكذا صار الدخول البري مكلفا للكيان أكثر مما تصور قادته، فالأفضلية -كما نوه لذلك الكثير من قادته القدامى- لأبناء المقاومة اللبنانية كما هو الحال بين أبطال المقاومة الفلسطينية من أبناء حماس والقسام وحركات المقاومة، فالأرض لأصحابها الذين يعرفونها كما يعرفون خريطة أياديهم يدركون كل شبر فيها، يعرفون أين مفاتيحها وأين تغلق.

هكذا يتكرر مأزق 2006 في لبنان، ولكن هذه المرة مع قوة عسكرية أقوى تدريبها أشد وعناصر حازت خبرات طويلة منذ عشرين عاما، أي أن المقاومة اللبنانية صارت أقوى، وهذا يتضح من حجم الخسائر المتتالية للكيان التي لا تتوقف بفضل عمليات صلابة المقاومين وكفاءتهم التي خلّفت العشرات من القتلى والمصابين، ومعهم أعداد من الدبابات المحترقة على طول الحدود الجنوبية للبنان.

تعويض بالمذابح وعمليات الاغتيال

لا يفلح الجندي الإسرائيلي في أي مواجهة وجها لوجه مع المقاتل العربي، شهد بذلك كل المعارك التي خاضتها الجيوش العربية مع جيش الكيان، ولعل ذكرى انتصار أكتوبر 1973 الذي يجيء اليوم يذكّرنا بهذه المواجهات التي أثبتت أن هؤلاء الصهاينة يرتعبون عند المواجهة، ولا ننسى أن ما حدث في حرب يونيو/حزيران 1967 من هزيمة عربية للجيوش كانت بفعل الضربات الجوية للطيران المصري على الأرض، ورغم الانسحاب غير المنظم والسريع فقد كانت مواجهات الجنود المصريين مع جنود جيش الاحتلال تشهد بضعف هؤلاء في المواجهة، وقد أكد انتصار أكتوبر ذلك بوضوح.

الوضع يصعب أكثر في مواجهات غزة والضفة الغربية، وكذلك في الجنوب اللبناني، لذا نجد هذه المعارك المذهلة التي يقوم بها المقاومون في غزة والضفة الغربية وجنوبي لبنان، يخرجون من تحت الأشجار، من الأنفاق، من المنازل، ويقومون بعمل الكمائن، ولا يجد العدو أمامه سوى الطيران لينقذ قتلاه والجرحى، هذا الطيران الذي لا يتوقف عن رحلات النقل لهم، ويسمع صرخات الجنود في كل مواجهة مع المقاومين.

لا يتوقف الطيران الصهيوني مع عمليات نقل القتلى عن الضربات الجوية والقصف التي يقوم بها، أطنان من القذائف والقنابل الأمريكية الخارقة للتحصينات يقصف بها جيش الاحتلال المباني في لبنان وفي غزة، مئات من أطنان القنابل المتفجرة في كل مكان، لم يسلم في هذا المستشفيات في لبنان حتى يضرب الإمدادات والحاضنة الشعبية للمقاومة، ويضاف إليها في غزة على مدار عام المدارس والجامعات والأبنية التاريخية والمساجد والكنائس، ومع ذلك ورغم تدمير كامل للشمال في غزة فلا تزال حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تطلق صواريخ من شمال غزة نحو باقي الأرض المحتلة!

لن تمروا

مع ارتفاع أعداد القتلى في صفوف جيش الاحتلال لا يجد نتنياهو ورفاقه في العصابة الصهيونية سوى تلك العمليات التي لا تتوقف في الضاحية الجنوبية لبيروت، ولا في غزة، وتم تكثيفها أخيرا في الضفة الغربية مخلفة وراءها مذابح متعددة ومتكررة، أيضا عمليات الاغتيال التي استخدم الكيان فيها عمليات القصف المكثف في الجبهات المتعددة التي يعتقد أنها تهدد وجود الكيان، قصف في دمشق يستهدف قادة من المقاومة الفلسطينية.

قصف لا يتوقف في الجنوب اللبناني استهدف قادة حزب الله قبل بدء عمليته على الحدود اللبنانية ظنا منه أنه يضرب القيادة والسيطرة في الحزب والمقاومة حتى يدخل إلى الجنوب بسهولة، آخر تلك الاستهدافات كانت عملية اغتيال هاشم صفي الدين في الضاحية الجنوبية، ورغم تأكيد بعض وسائل الإعلام الغربية والعربية فقدان الاتصال به منذ يومين فإن بيانا لإدارة الإعلام بحزب الله نفى كل الأخبار المتتالية، وقال البيان إن الهدف هو إضعاف الروح المعنوية لجمهور المقاومة، ولعل هذا يذكّرنا بما حدث مع القائد محمد الضيف، والمتحدث الرسمي لكتائب القسام أبو عبيدة منذ شهور.

لن يحقق نتنياهو مبتغاه

يظن الكيان الصهيوني أن القصف والاغتيال والمذابح التي يقوم بها الطيران الحربي تكسبه المعركة سواء في غزة أو في الجنوب اللبناني، ورغم علم الكيان وقادته أن سلاح الجو لا يمكنه تحقيق انتصار في معركة طالما لم يستقر جنوده على الأرض فهو يستمر، هذا الاستمرار الذي يؤكد أنهم يكرهون البشر ويدمرون كل شيء أمامهم لا يريدوننا هنا على أرضنا، وهذا لن يتحقق للكيان.

لن يستقر في غزة ما بقي طفل فلسطيني، وفتاة فلسطينية، ومقاوم، وامرأة، وعجائز، وهؤلاء لن يتركوا غزة حتى لو تجمّع الغرب الصهيوني، والعرب المتحالفون معهم، وإن بقي طفل وحيد في فلسطين ستبقى فلسطين وتنتصر، أما في الجنوب اللبناني فكل مصانع الأسلحة في الغرب الصهيوني لن تهزم أبناء الجنوب “قولوا راح نبقى”، وكما أشرت سابقا أن الجنوب سيكون مقبرة لجنود الكيان ومحرقة لدباباته، فما زال لديَّ يقين أن جنديا صهيونيا لن يبقى في جنوبي لبنان إن حاول الدخول، ولن يستطيع نتنياهو أن يصل إلى مبتغاه في نصر يسوّقه إلى جمهوره الصهيوني.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان