الأهم والأخطر في موضوع “صبحي كابر”..!

صبحي كابر (منصات التواصل)

لست معنيًّا هنا بمطعم صبحي كابر الشهير في إعداد المشويات، ولا الجدل حول خلفيات بيع المطعم، ولا اصطناع صبحي ضجة تمهيدًا لافتتاح مطعم جديد، ولا تعرضه للنصب أو عدمه؟ ولا غير ذلك من أحاديث رائجة حاليًّا يلهث وراءها الإعلام.

هناك ما هو أهم وأخطر في الموضوع، وهو خلاصات خرجت بها بعد أن جرفني الاهتمام أيضا بما يتم نشره حول كابر ومطعمه.

وهذه الخلاصات أُجملها في النقاط التالية:

الأولى: قصة بيع مطعم له شهرة واسعة تتجاوز مصر ظهرت فجأة يوم الخميس الماضي، وبدأت تنتشر الجمعة، وصارت (تريند) السبت، واستمر التريند حتى كتابة هذه السطور ليل الأحد..

هذه القصة غطت، في الاهتمام الشعبي، على الاحتفال بالذكرى الـ51 لانتصار حرب أكتوبر، وأزاحت الأحداث السياسية، وقضايا الشأن الجاري من طريقها، وليس الأمر عمل لجان إلكترونية مُوجهة للنفخ في موضوع معين لمنحه قيمة، أو خداع الرأي العام بأن له قيمة، إنما هو تفاعل جماهيري عفوي.

وتفسير ذلك أن الناس تعاني الملل من موت السياسة، وتخشى مخاطر الخوض في موضوعات شائكة تتعلق بالواقع الصعب، وقد تجلب لهم نتائج سيئة منها الاتهامات الخطيرة المتعارف عليها، والملاحقة، وصولًا إلى الاعتقال، ولو بسبب رسم كاريكاتوري، كما حصل مع الرسام والمترجم أشرف عمر، أو منشور على الفيسبوك كما جرى مرات عدة للمهندس يحيى حسين عبد الهادي.

وكلاهما يقبعان حاليًّا في حبس احتياطي، ويرافقهما في ذات المصير آخرون بينهم صحفيون وكتاب وسياسيون وناشطون وغيرهم، وهو ما لم يحدث من قبل بنفس الوتيرة.

لا عجب إذن أن ينصرف الناس عن السياسة رغم أن فيها حياتهم ومصائرهم وراحتهم أو تعاستهم، ويتجهون إلى موضوعات يُفترض أنها هامشية، وتأثيرها محدود عليهم، مثل بيع مطعم، أو مشاكل فنانين وفنانات، أو شيوخ فتنة بلا حيثية، أو فتيات يمارسن الخلاعة على مواقع التواصل لجني المال، وغيرها من موضوعات سخيفة لم يكن الإعلام يُعيرها أدنى أهمية عندما كان لا يزال في مصر إعلام لديه مهنية ورصانة، ويناقش قضايا مهمة، وعندما كانت السياسية لا تزال تسري فيها روح الحياة.

 النقطة الثانية: مواقع التواصل (الإعلام البديل) صنعت الحدث من منشور على صفحة الفيسبوك الخاصة بمطعم صبحي كابر مضمونه أنه باع مطعمه لأسباب قهرية.

هذا الكلام انتشر بشكل واسع على الفيس وإكس (تويتر سابقًا)، وصار حدثًا مثار انشغال وتعليق في استباق توضيحات من صاحب المطعم؛ مما جعل الخيال يتفنن في أسباب البيع، ومن وراء البيع، واحتمالات تعرضه للضغوط والابتزاز، وتم تحويل صبحي كابر إلى ضحية لمؤسسات كبرى، وهنا مكمن القلق والخطر، وسيأتي شرح هذا الأمر في النقطة التالية.

مواقع التواصل يظل لها السبق في تفجير موضوعات، وصناعة أحداث، وإشغال الرأي العام سواء بعفوية، أو باصطناع من جهات ما.

ويظل الإعلام التقليدي قابعًا في حالة الموات، مثل السياسة، في انتظار التعليمات، وعندما يجد قضية اجتماعية أو شخصية نشطة على مواقع التواصل فإنه يتحرك لمحاولة اللحاق ومشاركة هذا الحدث لكسب متابعين.

ولا يحدث هذا التحرك من الإعلام التقليدي، في القضايا الوطنية الأساسية والمصيرية، مثل الديون، والتضخم، والركود، والغلاء، وبيع الأصول، وزيادة أسعار الخدمات، وتقليص الدعم، وسلبيات مشروع قوانين مثل قانون الإجراءات الجنائية، وخلفيات مشروعات استثمارية مثل رأس الحكمة، وكذلك ما هو قادم من مشروعات مماثلة.

وهذه عينة من موضوعات خارج اهتمام الإعلام التقليدي، فهو لا ينشر أو يبث إلا ما يُملى عليه، لهذا يمكنك مطالعة كل الصحف في وقت قصير، فكلها نفس المحتوى، ومشاهدة جانب من برنامج مسائي واحد يغنيك عن متابعة عشرات البرامج لأن المضمون واحد في المنظومة كلها.

النقطة الثالثة: فورًا كانت هناك تعليقات كثيرة على منشور بيع صبحي لمطعمه بأن وراء ذلك مؤسسة كبيرة، وهذا أمر يسترعي اليقظة، ويتطلب من المؤسسة أن تنتبه إلى مسألة الربط الفوري بينها وبين أحداث مماثلة تتعلق بالبيع أو المال أو المصالح، سواء كانت حقيقية، أم ملفقة.

ولم يكن هناك علاقة لأي مؤسسة بالمطعم، لكن عُثر على فيديو قديم لصبحي يتحدث فيه عن تهديده وابتزازه من شخصية نافذة تنتمي لعهد مبارك في أرض اشتراها لتحويلها إلى مزارع لتربية العجول والخراف والخضار لتوفير متطلبات مطعمه.

من فاترينة إلى مطعم شهير

صبحي بدأ بيع المشويات في فاترينة صغيرة بحي روض الفرج بالقاهرة، وتدريجيًّا اتسعت شهرته وافتتح مطعمًا، واتسع المطعم واشتهر ليكون ضمن أهم مطاعم المشويات بمصر وخارجها لكثافة الإقبال عليه لأن طعامه جيد وأسعاره معقولة كما يقول رواده.

وهو يبرر بيع المطعم في يناير/كانون الثاني الماضي، وليس قبل أيام كما فهم البعض، بأنه تعرض للنصب في صفقة ذرة صفراء بـ275 مليون جنيه، منها 200 مليون تخصه، و75 مساهمة من شركاء، وهذا يشير إلى المكاسب التي تحققها المطاعم خاصة عندما تصبح مشهورة، كما يفسر لجوء الفنانين مثلًا إلى استثمار أموالهم في المطاعم والمقاهي.

كابر.. والبدري

لا أحد يستثمر في المصانع، لا أحد مثل سليم البدري، الشخصية الرأسمالية الوطنية التي أبدعها أسامة أنور عكاشة في ملحمة “ليالي الحلمية”، البدري انعكاس للصناعيين المصريين الحقيقيين الذين أقاموا مصانع وشركات خاصة ناجحة خلال فترة الملكية، ثم قام عبد الناصر بتأميمها، ثم صارت خرابات، ثم تم بيعها بأبخس الأثمان.

صبحي كابر، في النهاية، مجرد مطعم، وليس مصنعًا، يمكن الاحتفاء به عندما يكون لدينا قاعدة صناعية، لكنه حاليًّا يندرج في خانة الاستهلاك غير المنتج، مثل أكشاك بيع البسكويت والمثلجات التي تنتشر مثل الفطر في كل شبر في مصر.

لا مستقبل لبلد مُستهلك، المستقبل لبلد مُشتغل مُنتج صانع مُصدر.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان