قنابل نتنياهو توحد اللبنانيين.. ولكن!

“يا جرحي يا سارح .. طيرتك إمبارح.. رفرف على بيروت.. زهر الحياة بيموت.. وكل شيء مجروح.. وأي شيء بيروح.. إلا الشجر الأخضر.. أبو قلب تفاحي.. خيال بيتمخطر.. فوق الخطر صاحي”.
هكذا كتب شاعرنا المصري الكبير “أحمد فؤاد نجم” قصيدته “أبوح يا أبوح” وشدا بها رفيق دربه الشيخ “إمام عيسى” عام 1984 بعد عامين من خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت، التي ما زالت تقاوم حتى اليوم.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsهل انتهى المشروع النووي الإيراني إلى غير رجعة؟
الضربة النووية بين استعراض ترامب والتهوين الإيراني
فخ التدخل الأمريكي.. يطفئ الحرب أم يشعل العالم؟
غير أن التصدي للجولة الجديدة من العدوان الصهيوني، التي تهدف إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط، لا يتوقف فقط على مدى جاهزية المقاومة، ولكن أيضا على تجاوز الانقسامات الطائفية/الطبقية، وعلى دعم الجماهير العربية وفي كل بقاع الأرض، للشعب اللبناني.
تضامن عابر للطوائف
كما حصل بعد انفجار مرفأ بيروت عام 2020، هب لبنان من شماله إلى جنوبه لمواجهة الطوفان، بعد أن أجبرت نيران الغزو الجديد لتتار هذا العصر، الصهاينة، والصمت البشع للأنظمة العربية، وباقي عالمٍ استعماري لا يعنيه سوى مصالحه، ما لا يقل عن مليون شخص على الفرار من منازلهم.
وذكرت منظمة اليونيسيف أن 30 ألف شخص في الجنوب والبقاع محرومون من مياه الشرب النظيفة نتيجة لاستهداف الجيش الإسرائيلي البنية التحتية، بينما تشير وحدة إدارة مخاطر الكوارث في تقريرها الثامن الصادر في 2 أكتوبر/تشرين الأول الجاري أن عدد القتلى والجرحى منذ بداية الحرب في 8 أكتوبر الماضي، ارتفع إلى 11.218 ألف شخص.
ولكن حجم التضامن الشعبي -العابر للطوائف- مع النازحين من الجنوب والبقاع نجح، حتى الآن، في اجهاض مخططات مجرم الحرب نتنياهو، الرامية لتفجير النزاعات الداخلية المكتومة.
وبرهن الشعب اللبناني مجددا أنه بالفعل شعب مقاوم، كما تشدو مطربة الثورة “جوليا بطرس”، في أغنيتها الشهيرة “عاب مجدك”، “إن شعبي كله وطن مقاوم، ما ارتضى غير المعزة والمكارم”.
غالبية الشارع السني وضعت خلفها الخلاف السياسي مع حزب الله، بسبب موقفه المدان من الثورة السورية، في لحظة اتخاذ الحزب قرار فتح الجبهة الجنوبية إسنادا لغزة.
وفتحت مدينة صيدا قلبها وبيوتها ومدارسها للنازحين ونشطت المبادرات الفردية في بلسمة جراح الأهالي والتخفيف عنهم قدر المستطاع، فشهدت الشوارع والطرق حملات لتوزيع الطعام وعبوات المياه على الوافدين.
وفي بيروت نشطت عشرات الجمعيات الأهلية لاستقبال النازحين، ووضعت جمعية “تاء مربوطة”، على سبيل المثال، مطبخها المركزي بكامل تجهيزاته وموظفيه بتصرّف الجمعيات والمجموعات العاملة مع النازحين.
وزاد اغتيال السيد “حسن نصر الله” من مساحة الغضب، ويقول المفكر اللبناني اليساري فواز طرابلسي في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) بحزن كبير وغضب عظيم أشارك في وداع السيد حسن نصر الله، مع الاحتفاظ بالخلافات العديدة معه ومع حزبه “لبنان الأضعف بتغييبه يواصل مقاومة حرب الاحتلال والإبادة الإسرائيلية”.
يعبر هذا الفهم من مفكر كبير، عن نضج قوى عديدة دخلت في خصومة مع حزب الله، بعد مشاركته في قمع ثورة أكتوبر 2019، التي سعت للإطاحة بالطبقة السياسية الفاسدة والطائفية، ولكنها اليوم توجّه بدقة البوصلة إلى العدو الأساس.
وفي تطور لافت، دعا تيار اليسار الثوري في سوريا عبر بيان إلى “تكثيف الجهود لدعم المقاومة”، مؤكدا أن “انتصار العدوان الصهيوني سيشكل هزيمة لشعوب المنطقة”.
ألغام حكومية
غير أن هذا التضامن الشعبي والسياسي الراهن والمؤقت للمقاومة، من الوارد جدًا أن يتعرض لهزات، يستفيد منها الصهيوني في حال عدم التعاطي بجدية مع الصعوبات التي تواجه غالبية الشعب.
ومع اقتراب فصل الشتاء، تتعاظم معاناة النازحين الذين يعيشون بلا مأوى ولا موارد أساسية تمكنهم من مواجهة البرد القارس والأمطار، قصصهم المؤلمة تعكس واقعا صعبا، حيث تتجلى الحاجة الملحة إلى تدخل عاجل من الجهات المعنية، دون مجيب في أغلب الأحيان.
وبينما يطحن الغلاء، الشغيلة والعاطلين، يخرج من حكومة الليبرالية المتوحشة، قرار كان متوقعا، لكنه مفاجئ في توقيته.
وزارة الاقتصاد قررت رفع الدعم تماما عن الخبز العربي، بسبب انتهاء القرض المقدّم من البنك الدولي لشراء القمح!
كما يقر وزير المال اللبناني يوسف خليل في تقريره عن مشروع موازنة عام 2025، أن سياسته المالية تهدف في المقام الأول لتوفير فائض في أرصدة حسابات الخزينة.
لكن الفوائض المالية المحقّقة التي بلغت عاميْ 2023 و2024 نحو 81 ألفا و381 مليار ليرة لبنانية (4.5 ملايين دولار أمريكي)، لم توضع في مواجهة تداعيات الحرب الإسرائيلية، ولا في مواجهة انهيار مستوى معيشة أكثرية الأسر، التي خسرت قيمة أجورها ومدخراتها في آنٍ معا.
ويوضح المفكر اللبناني كميل داغر في تدوينة على (فيسبوك) “بدلا من أن يُنفق قسمٌ أساسيٌّ من أموال الشعب على تزويده بكل أسباب المنعة والصمود في وجه أعدائه، راحت بمعظمها، على امتداد مسيرة الطبقة الحاكمة، إلى جيوب لصوص السلطة الرأسمالية الفاسدة والجشعة”.
شروط الانتصار
ودعم صمود الشعب اللبناني والمقاومة يستلزم، في رأينا، تبني حزمة من الإجراءات العاجلة وعلى مستويات مختلفة.
بداية، يجب توحيد خطاب الحكومة حول دعم المقاومة والدعوة إلى وقف إطلاق النار فورا.
ولم يعد مقبولا أن يواصل رئيس الوزراء نجيب ميقاتي تقديم نفسه للغرب باعتباره البديل السياسي المعتدل، في حال التخلص من حزب الله، بالضبط كما يفعل أبو مازن في الضفة الغربية.
وكما تولد المعاناة من رحم الحروب، تخلق أيضا الأزمات ظروفا ثورية، قد تسمح بتجاوز الطائفية السياسية المقيتة، بعد أن تخطتها الجماهير بالفعل في الميادين.
هذه الجماهير يجب تسليحها وتدريبها لمساندة المقاومة بدون تردد” فمفيش خلاص غير بالبنادق والرصاص” كما يقول شاعرنا نجم.
وتحتاج الجماهير كذلك إلى سياسات اجتماعية جديدة تلبي احتياجاتها الأساسية، عبر مواجهة الاحتكارات وتوفير اعانات للفقراء والضرب بيد من حديد على يد تجار الأزمات، فالحرب اندلعت في ظل أسوأ أزمة اقتصادية يواجهها سكّان لبنان.
وأخيرا.. لا يجب ترك لبنان يقاوم وحيدا، خصوصا مع إعلان حكومته، أنها في أمس الحاجة إلى 400 مليون دولار للدعم الإنساني السريع.
وهو ما يستلزم أن يخلع أحرار العالم، وبالأخص العرب رداء المتفرجين ليمدوا الشعب اللبناني، بكل أشكال الدعم، ويضغطوا على أنظمتهم المتواطئة لاتخاذ خطوات فعلية لمساندته.