تحت سماء الصواريخ.. ليلة لا تُنسى

الفرق شاسع بين أن تراقب حدثًا عبر شاشات التلفاز وبين أن تعيشه بكل تفاصيله أمام عينيك.
الإحساس بالوجود في قلب الحدث يضخ الأدرينالين في عروقك، يجعلك تشعر بأنك جزء من التاريخ الذي يُكتب أمامك.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالبحث عن الأمل في غزة
النفط والغاز في مصر.. تراجع الإنتاج ونمو الاستهلاك
المعارضة التركية وأزمة الاستقواء بالخارج
ليلة لن تُنسى، قد تكون إحدى تلك الليالي التي تسردها لأحفادك يومًا ما، أتحدث عن اللحظة التي أطلقت فيها إيران صواريخها تجاه الأراضي المحتلة، وأنت في العاصمة عمان، عيناك تلتصقان ب السماء، تراقبان مسارات نارية تشق الظلام بجنون.
كان المشهد أشبه بعرض استثنائي، تشاهده بالعين المجردة، تكرر للمرة الثانية منذ إبريل الماضي، صواريخ متوهجة تسابق الريح، تدرك وجهتها ولكنها تأبى أن تمر دون أن تترك انطباعًا على من يراها. تتساءل: “هل هذا حقيقي؟ هل تلك الصواريخ مرت فوقنا بالفعل؟”. ربما كانت تحمل رسالة غير مكتوبة: “انظر، أنا الآن أهاجم العدو، وأنت شاهد على هذه اللحظة الفارقة”.
لحظات مشحونة بالعواطف، تدفق الناس إلى الشوارع، وكأنهم استجابوا لنداء تاريخي لا يُقاوم، وتجمعت الأسر على الشرفات، تعالت الهتافات، ورفعت الأيادي حاملة الهواتف لتوثيق المشهد، ورغم التحذيرات الرسمية التي دعتهم للبقاء في منازلهم حفاظًا على سلامتهم، إلًا أنهم رفضوا أن يفوتوا فرصة المتابعة.
هكذا كانت الصورة، وأنت في قلب الحدث، تغرق في تفاصيل المشهد دون أن يهمك من أطلق تلك الصواريخ، سواء كنت تتفق معه أيديولوجيًا أم لا. كل ما يشغلك في تلك اللحظات هو هل ستصل الصواريخ إلى هدفها؟ وهل ستصيب ما أُرسلت من أجله؟ تشعر أن قلبك ينبض مع كل صاروخ، وكأن نبضاته تحاول أن توجهه إلى المسار الصحيح، لتضمن أن يحقق غايته المنشودة.
مشاعر حماسية عاشها كل من شهد عبور الصواريخ
أكاد أجزم أن تلك المشاعر عاشها كل من شهد أجواء تلك الليلة في الدول التي رأوا فيها الصواريخ، فالفيديوهات التي انتشرت عبر مواقع التواصل الإجتماعي لحظتها، تظهر مشاهد من سيناء، حيث وقف المصريون يتابعون السماء وينشدون الأغاني الوطنية بحماس، بينما في غزة، علت الهتافات والاحتفالات وهم يشاهدون الصواريخ تدك مواقع العدو. في الضفة الغربية والقدس، لم يختلف الحال كثيرًا، فقد توحدت القلوب على هدف واحد، رغم المسافات التي تفصلهم. كانت لحظة نادرة جمعت الشعوب، بينما اختبأ الصهاينة في جحورهم، تغمرهم مشاعر الرعب والذل.
انتهى الحدث وهدأت السماء، لكن قلوبنا كانت لا تزال تخفق بقوة. هرعنا إلى شاشات التلفاز، نبحث عن صدى الضربات، نتساءل بلهفة: هل وصلت؟ نحتاج إلى أي دليل، أي فيديو يوثق وصول الصواريخ إلى هدفها. كنا ننتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر، نحتاج إلى أن تكتمل، إلى أن تهدأ قلوبنا التي أثقلتها المجازر والدماء على مدى عام كامل. كان كل نبأ يحمل أملاً بأن الألم الذي عشناه لن يذهب سدى.
إخفاء العدو لخسائره دليل على قوة الضربات
لم تكن المشاهد القادمة من تل أبيب عبر شاشات التلفاز كافية لإشباع توقنا، فانتقلنا إلى مواقع التواصل الاجتماعي، نبحث بلهفة عن الحقيقة، عن أي مشهد يعزز الأمل الذي تعلقنا به. وما لبثنا أن وجدنا ما كنا ننتظره: ضربات مركزة أصابت أهدافها، المستوطنون يفرون في حالة من الهلع، ونتنياهو مع قادته يهرعون إلى ملجأ تحت الأرض. الأخبار الرسمية أكدت ما كنا نأمل سماعه، حتى وإن أخفى العدو خسائره، يكفينا أنه عاش ليلة مليئة بالرعب، ليلة لن ينساها ولن ننساها.
لم تشأ تلك الليلة أن تنتهي إلا بعد أن بشرتنا بمقتل 8 مستوطنين وإصابة العشرات في عملية بطولية نفذها مقاومان من القسام في يافا. عندها فقط، شعرنا بأنفسنا نستنشق الهواء بعمق، وكأن أكتوبر عاد ليُحيي فينا ذكرى الانتصارات.
تبحث الشعوب العربية عن أي صورة، أي مشهد يؤكد أن العدو، الذي مارس شتى أنواع الظلم والقهر، يعاني الآن ويختبر ما عاشه الفلسطينيون من ظلم طوال عقود، ظلم تجرعه العرب في صراعهم مع الصهاينة، إن هذا السعي للانتقام لا ينبع فقط من رغبة في القصاص، بل هو أيضًا محاولة لاستعادة الكرامة المسلوبة والعدالة المفقودة. يتطلع الناس إلى لحظة تُعيد لهم بعضًا من إنسانيتهم التي غفل عنها الغرب، ذلك الغرب الذي لا يستحي أن يكرر بأن وجود الصهاينة وأمنهم يجب أن يترسخ بالقوة، دون اعتبار لشعوب المنطقة وأمنها.
لا شك أن مشاعر الشعوب العربية والإسلامية مترابطة، ومهما حاول العدو والغرب قطع هذا الحبل، فإنه سيظل عصيًا على الانقطاع. فلسطين هي جوهر الحق والعدالة، تلك العدالة التي لا تزال الشعوب تبحث عن بصيص أمل لتحقيقها، لذا، لا تلوموا الشعوب إن صفقت لأي كان يضرب الصهاينة، فكل ما يهمهم هو رؤية الانتقام بأعينهم وتجسيده على الأرض.
تحول مشهد نتنياهو المنتصر إلى رجل يرتجف
في يوم واحد، تضافرت ضربات عدة موجعة ضد نتنياهو، الذي لم يكن قد مضى وقت طويل على استعراضه أمام المجتمع الدولي بلذة المنتصر، متحدثاً في الأمم المتحدة عن السلام والأمن لإسرائيل. ولكن مع إطلاق الصواريخ الإيرانية، وتنفيذ عملية يافا البطولية، وانتصارات حزب الله التي نجحت في صد الهجوم البري وتكبيد الصهاينة خسائر بشرية فادحة، انقلبت تلك الصورة التي حاول نتنياهو ترويجها، ليظهر عقب ليلة الصواريخ يرتجف أمام الكاميرات.
لا تزال الخسائر الحقيقية للضربات الإيرانية على إسرائيل غير معروفة، وربما لن نكتشفها في المستقبل القريب. ومع ذلك، كان كافيًا أن يظهر دانيال هاغاري، المتحدث العسكري باسم جيش الاحتلال، ليطالب المستوطنين بعدم تصوير مواقع سقوط الصواريخ أو ما خلفته من دمار. هذا التصرف يشير إلى رغبة واضحة في حجب أي مظاهر انتصار لصالح الجانب الذي أطلق الصواريخ، ومنع أي فرص للتشفي مما قد تكون الضربات قد حققته ميدانيًا..
الحقيقة الواضحة أن إسرائيل التي تتجاهل قرارات الأمم المتحدة والمحكمة الدولية، لا ترتعد أمام هذه المؤسسات، بل أمام الصواريخ التي تهدد وجودها وتفكك ادعاءاتها بالأمن الزائف.