الصهيونية مشروع يقوم على التطهير العرقي .. وإيلان بابيه يقدم الأدلة!

يحمل العلم الإسرائيلي ويقف أمام لافتة بصورة نتنياهو (رويترز)

استشراف المستقبل يحتاج إلى قراءة متعمقة للتاريخ تكتشف الأسس الفكرية للصراع، لذلك يقود إيلان بابيه اتجاها أكاديميا يستهدف كشف الحقائق التي يقوم عليها الفكر الصهيوني، وتوصل من خلال دراسته للتاريخ إلى أن الصهيونية مشروع استعماري يقوم على التطهير العرقي للفلسطينيين، وإنك تستطيع أن تؤجل زوال إسرائيل، لكنك لن تستطيع أن توقفه.

ولكي نتعرف على القيمة العلمية لإنتاج بابيه؛ نكتفي هنا بالإشارة إلى أنه تمكن حتى الآن من نشر 24 كتابا من أهمها: (10 خرافات عن إسرائيل)، و(بيروقراطية الشر: تاريخ الاحتلال الاسرائيلي)، وشارك مع نعوم تشومسكي في كتاب (غزة في أزمة: انعكاسات الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين)”.

إسرائيل تطرد الأساتذة أيضا!

كان إيلان بابيه يعمل أستاذا للعلوم السياسية بجامعة حيفا منذ عام 1984، لكن هذه الجامعة قامت بطرده عام 2007، بعد أن وجه دعوة لكل دول العالم بمقاطعة إسرائيل اقتصاديا وسياسيا وأكاديميا؛ لأنها ترتكب جريمة إبادة جماعية للفلسطينيين.

لذلك اضطر إيلان بابيه للهجرة إلى بريطانيا بعد أن تلقى تهديدات بالقتل؛ حيث عمل أستاذا للتاريخ بكلية العلوم الاجتماعية والدراسات الدولية بجامعة اكستر، ومديرا للمركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية.

ويتهم إيلان بابيه وسائل الاعلام الغربية بتضليل الجماهير؛ بتصوير حماس بأنها حركة ارهابية، بينما هي حركة مقاومة تستهدف طرد الاستعمار من فلسطين.

والجامعات الغربية ترفض الحقائق

كما يتهم بابيه الجامعات الغربية بأنها ترفض الاعتراف بحقيقة أن الصهيونية مشروع استعماري استيطاني هدفه إنشاء دولة يهودية في قلب العالم العربي عن طريق طرد الفلسطينيين، وهذا المشروع غير أخلاقي وغير عملي.. واعتمادا على دراسته للتاريخ يرى أن عنف الجيش الإسرائيلي في غزة ليس جديدا، فهو مستمر منذ تأسيس إسرائيل؛ حيث يعتقد القادة السياسيون الإسرائيليون أن استخدام القوة هو الحل، وعندما لا تنجح تلك القوة يختارون استخدام المزيد من القوة!

لماذا يقومون بتزوير التاريخ؟!

يوضح بابيه في دراساته أن الصهيونية قامت بتزوير التاريخ؛ لإنشاء دولة يهودية على أسس كاذبة؛ لذلك يدعو إلى اعادة النظر في الصراع العربي الإسرائيلي باستخدام معايير محايدة، ولذلك يحرص على استخدام الوثائق الرسمية الموجودة في الأرشيف الوطني الإسرائيلي، ويقوم بتحليل يوميات قادة الحركة الصهيونية مثل بن غوريون.

لذلك يعتبر كتابه (التطهير العرقي للفلسطينيين) من أهم كتبه التي تؤكد شجاعته العلمية والتزامه بالبحث عن الحقائق بتطبيقه المناهج العلمية؛ حيث يؤكد وجود تخطيط مسبق للتطهير العرقي خلال حرب 1948.

تطبيق الخطة دالت

يستعرض بابيه “الخطة دالت” التي أعدها 11 رجلا من قادة الصهيونية في 10 مارس 1948، والتي تضمنت تطهير الفلسطينيين عرقيا، وطردهم بالقوة عن طريق إثارة رعب واسع النطاق، ومحاصرة القرى والمراكز السكانية وقصفها، وحرق المنازل، وزرع ألغام وسط الأنقاض؛ لمنع السكان المطرودين من العودة إلى منازلهم.

كان عنوان تلك الخطة ” الفلسطينيون يجب أن يرحلوا “، وهدفها تدمير المناطق الفلسطينية الريفية والحضرية، وكانت نتيجة حتمية للنزعة الأيديولوجية الصهيونية التي تطلعت لأن تكون فلسطين لليهود حصرا، واستغرق تنفيذها ستة أشهر.

وعندما اكتمل تنفيذ تلك الخطة، كان أكثر من نصف سكان فلسطين الأصليين؛ أي ما يقارب من 800 ألف نسمة تم تهجيرهم قسريا، واقتلاعهم من أماكن عيشهم، وتم تدمير 531 قرية، و11 حيا مدنيا في المدن الفلسطينية.

جريمة ضد الانسانية

هذه الخطة التي قرر قادة الصهيونية تنفيذها في 10 مارس 1948 بطريقة منهجية؛ تشكل مثالا واضحا لعملية تطهير عرقي، تعتبر في نظر القانون الدولي جريمة ضد الإنسانية.

ويعلق بابيه على تلك الوثيقة بأنه: في عالمنا المعاصر الذي يشهد ثورة في مجال الاتصالات، ووسائل الإعلام الإلكترونية لم يعد في الإمكان إنكار كوارث من صنع البشر، أو تضليل الرأي العام، ومع ذلك فإن جريمة كهذه جرى محوها كليا من الذاكرة العامة العالمية.

إن جريمة طرد الفلسطينيين من وطنهم عام 1948 جرى إنكارها بصورة منهجية منذ وقوعها، ولا يزال حتى الآن غير معترف بها كحقيقة تاريخية، ناهيك عن الاعتراف بها كجريمة يجب مواجهتها سياسيا وأخلاقيا، ويجب محاكمة مرتكبيها.

جذور مفهوم الترحيل

يقول بابيه: إنه يقدم هذا الكتاب لأن التطهير العرقي الذي حدث في فلسطين؛ يجب أن يتجذر في ذاكرتنا ووعينا بصفته جريمة ضد الإنسانية.. كما أنه يوضح أن جذور مفهوم الترحيل؛ لا تزال عميقة جدا في الفكر السياسي الصهيوني منذ مؤسس الحركة تيودور هرتزل حتى القادة السياسيين للمشروع الصهيوني في فلسطين.

لكننا نتساءل مع إيلان بابيه كيف تمكنت الحركة الصهيونية من دفع العالم إلى نسيان الجريمة التي ارتكبتها الحركة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، ومكنت مرتكبيها من إنكارها؟!!

إن هذا الكتاب يمكن أن يسهم في زيادة قدرتنا على تفسير المذابح التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية، واكتشاف أهداف النتن ياهو من هذه المذابح، فهو يحقق بها أهداف الحركة الصهيونية، فالتطهير العرقي والتهجير القسري وترحيل الفلسطينيين من أرضهم والاستيلاء عليها هي الأسس التي قامت عليها الأيديولوجية الصهيونية.

إننا يمكن أن نضيف إلى ذلك أن دول الاستعمار الأوروبي شاركت في هذه الجريمة ضد الإنسانية، فلم تكن الحركة الصهيونية تستطيع أن تنفذ خطتها بدون الأسلحة؛ التي تركها لها الجيش البريطاني؛ الذي مهد الطريق لهذه الحركة للاستيلاء على أرض فلسطين.. لذلك يجب أن نقرأ التاريخ لنفهم الواقع ونستشرف المستقبل.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان