ترامب.. انتعاش الاستبداد
لا فرق بين فريقين متنافسين على القتل حتى لو غلف أحدهما البارود بالورود.
بارود الجمهوريين سيشارك في قتل أهل غزة مثلما فعل بارود الديمقراطيين المغلف بالتصريحات الدافئة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsإشكالية الملف النووي الإيراني بعد “طوفان الأقصى”
مصر.. من المصالحة إلى “إمام عاشور”
“حلب”.. عندما يوجع “بشار الأسد” إسرائيل!
حول الموقف من فلسطين ودعم إسرائيل، لا فرق بين دونالد ترامب وكامالا هاريس.
يختلفان في الطريقة ويتفقان في الطريق
بعد ساعات من فوز الجمهوري دونالد ترامب بموقع الرئيس في الولايات المتحدة الأمريكية، تصاعد الجدل وسط العرب، وزادت حدته على شبكات التواصل الاجتماعي عن أيهما أفضل للقضية الفلسطينية، ترامب أم هاريس؟
والإجابة في التشبيه البليغ: القتل لا يختلف سواء تم بالبارود المغلف بالورود أم بدونه!
العنوان الصحيح للجدل
بدواعي القلق من الرئيس القادم وتأثير هذا التغيير الذي حدث في الدولة الأكبر في العالم على العدوان المتواصل منذ أكثر من عام على أهل غزة، تواصل الحوار العربي لكن في الطريق الخطأ.
فهاريس وترامب كلاهما واحد!
العلاقة الأبدية بين الولايات المتحدة وإسرائيل لا يحكمها ويحدد طبيعتها الرئيس حتى لو اختلفت اللهجة أو التصورات العامة.
العنوان الأصح للجدل العربي هو عن إمكانية أن يتمكن الاستبداد من العالم بعد أن يمنحه ترامب جرعة من القوة والصلابة، وينعشه في كل أنحاء الأرض.
آن للمستبد في كل مكان على الكوكب أن يمد قدميه!
بتجربة الرئيس الجديد القديم في الفترة من 2016 إلى 2020 يمكن فهم تكوينه الشخصي وطبيعة أفكاره في الحكم.
رئيس أتى من خارج مؤسسات السياسة التقليدية الأمريكية، وبعيدًا كل البعد عن القيم التي يحاول البلد الأقوى في العالم أن يتمسك بها -داخليًّا على الأقل- وأن يصدرها إلى العالم حسب الأحوال والحسابات السياسية.
في القلب من هذه القيم والتقاليد، تأتي الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والدفاع عن الحريات العامة.
لا يؤمن الرئيس الجديد القديم إلا بالمال!
لا يهمه الديكتاتورية، ولا ينشغل بالمستبدين أو الاستبداد، ولا يمانع في دعمهما ومساندة الطغاة في كل مكان ما دام سيضمن هيمنة بلده على العالم.
لا يفكر ترامب في الشعوب ولا حقوقها، ولا تشكّل القيم الإنسانية والحقوقية جزءًا من أدبيات فهمه للحكم والحاكم.
لم يسمع له الناس خطابًا واحدًا يتحدث فيه عن الحريات أو الديمقراطية أو الكرامة الإنسانية.
يتعامل وهو رئيس الولايات المتحدة بوصفه مديرًا لشركة متعددة الجنسيات و”بيزنس” اقتصادي هائل يمتد بطول الأرض وعرضها.
في حديثه الذي لا ينقطع عن قضايا الهجرة، تظهر أفكاره التي تدور حول تقديره للأغنياء، ونظرته المتدنية إلى الفقراء، تلك النظرة التي تحتقر الآخر أيًّا كان اسمه، لهجته النرجسية لا تختلف عن هؤلاء العنصريين الذين يتعالون بالفعل والقول على الإنسان.
أمريكا أولًا.. وأخيرًا.
فلتذهب الحقوق والحريات إلى الجحيم!
ولينعم المستبدون في كل مكان بالراحة والاستقرار، فلا ضغوط ستُمارَس عليهم حتى لو لم تتجاوز الأحاديث والأقوال والبيانات.
ترامب والديمقراطية والحريات
في تقارير وأرقام المنظمات الحقوقية الدولية المهمة، مثّلت فترة حكم ترامب السابقة الحقبة الأسوأ لأوضاع حقوق الإنسان والحريات في العالم.
انتهاكات لم تتوقف للديمقراطية والحريات العامة، وفي القلب منها حرية الصحافة والإعلام.
تقرير (مراسلون بلا حدود) الصادر في عام 2017 وصف خريطة حرية الصحافة في العالم بأنها “تزداد ضبابية”.
وحسب التقرير، لم يسبق للمؤشر الذي تصدره المنظمة الشهيرة أن بلغ مثل هذه المستويات العالية من التراجع الحاد لمستويات حرية الصحافة في العالم، وهو ما يعني أن تلك الحرية لم تكن قط مهدَّدة على هذا النحو.
في التقرير نفسه، انضمت دول عدة إلى قاع الترتيب فيما يتعلق بالصحافة الحرة، وباتت القائمة السوداء تضم ما لا يقل عن 21 دولة في العالم، فضلًا عن 51 دولة أخرى انضمت إلى ما يُعرف بالقائمة الحمراء التي تشمل الدول التي أصبح وضع الصحافة فيها مهدَّدًا.
في عام 2018 لم يكن الأمر أقل سوءًا، فحسب المنظمة نفسها، شهدت الأشهر الستة الأولى منها مقتل 47 ما بين صحفي ومتعاون مع وسائل الإعلام.
سقط هذا العدد الكبير في أفغانستان وسوريا واليمن والمكسيك وغيرهم من بلدان العالم.
تلك الأرقام لم يكن من الممكن تصورها إلا إذا كان المناخ الذي يحكم العالم بات مجنونًا بما يكفي ليحصد أرواح البشر والصحفيين بهذا الشكل.
تغافلت الدولة الأقوى عن كل ما له علاقة بحرية الصحافة بل بالحق في الحياة ذاته، فدفع الصحفيون الأثمان من أمنهم وحياتهم.
المنطقة الأكثر ازدهارًا بالاستبداد دفعت أثمانًا كبيرة خلال حكم ترامب الأول!
فتقرير منظمة العفو الدولية عن حالة حقوق الإنسان في الشرق الأوسط لعام 2019 كان معبّرًا عن تغافل الرئيس الأمريكي عن كل ما له علاقة بالحريات العامة.
فحسب المنظمة، اجتاحت مظاهرات حاشدة شتى أنحاء المنطقة، وردَّت السلطات باستخدام القوة المفرطة، وشنت حملات الاعتقال التعسفي، وفرضت بعض الحكومات قيودًا شديدة على حرية التعبير، وألقت القبض على مئات من المدافعين عن حقوق الإنسان.
وحسب التقرير ذاته، تمتعت قوات الأمن بحصانة من العقاب والمساءلة عن انتهاكات مثل التعذيب والإخفاء القسري.
حدث هذا كله، ولم تصدر الولايات المتحدة تحت حكم ترامب بيانًا واحدًا يرفض أو يستنكر الحصار المفروض على الحريات العامة، وهي الدولة التي لا تكف عن إدانة كل صور الانتهاكات ضد حقوق الإنسان، وتربط بعض إداراتها الآتية من النخبة السياسية الأمريكية تطور علاقات أمريكا مع أي بلد في العالم باحترام حقوق الإنسان، حتى لو لم يتجاوز الأمر عمليًّا مساحة الضغوط والإدانة.
القوى الديمقراطية العربية
الديمقراطية المحاصَرة أصلًا في الوطن العربي لا تحتمل المزيد من الضربات.
فالتطور الديمقراطي في الدول العربية يتحرك خطوة إلى الأمام وخطوات كثيرة إلى الخلف.
وحسب التغيير الذي حدث في أمريكا، فإن الأعوام الأربعة القادمة هي الزمن الأنسب للاستبداد.
بمقدار ما يمكن للقوى الديمقراطية العربية أن تتمسك بقدرتها على رفض الاستبداد الداخلي ومواجهته والاعتماد على ذاتها، يمكن تحقيق التقدم في ملف الحريات العامة واحترام حقوق الإنسان.
صحيح أن الرهان على الغرب الأمريكي والأوروبي لم يمثل إضافة إلى الديمقراطية في العالم العربي، لكن الفرق أن الاستبداد صار له الآن داعم وسند.
ما زلت من المقتنعين بأن معركة التحول الديمقراطي في دولنا العربية هي الأهم، وهي التي يمكن أن تبعث هذه البلدان إلى حيث التقدم واللحاق بالعصر.
لكن على المدافعين عن الديمقراطية إدراك أنهم أمام أربعة أعوام من عمر التاريخ، يمكن أن يزدهر فيها الاستبداد.
إلا إذا كان لهم رأي -وفعل- آخر.