الإيجارات القديمة في مصر.. حكم تاريخي بعد ظلم تاريخي!
كانت لي صديقة على فيسبوك، لا أعرفها شخصيًّا، إنما لاحظت أنها خصَّصت صفحتها للكتابة الدائمة عن المظالم التي يتعرض لها مُلّاك العقارات المستأجَرة في ظل القوانين القديمة، حيث تُثبّت هذه القوانين أجرة الوحدات السكنية (الشقق)، وتبقيها كما هي عند التعاقد، فلا تزيد قرشًا أو جنيهًا واحدًا، مهما طال وجود المستأجر فيها.
هل يُعقل أن تظل الأجرة الشهرية لشقة مساحتها كبيرة (يرمح فيها الخيل، كما يقول المثل الشعبي المصري) عند 5 أو 10 جنيهات، أكثر قليلًا في مناطق لها خصوصيتها مثل الزمالك ومصر الجديدة وجاردن سيتي والعجوزة ووسط البلد؟
اقرأ أيضا
list of 4 itemsلماذا تقتحم الشعوب القصور الرئاسية؟
هل بدأ سقوط الطغاة وانتصار إرادة الشعوب من دمشق!
الصمود لا يمنع السقوط.. “بشار” طويل القامة قصير النظر!
في كل الظروف، وتحت أي مبررات، فإن هذا غير جائز قانونًا وشرعًا وأخلاقًا وإنسانية حتى لو امتلك المستأجر قلبًا حنونًا، ورفع من نفسه الأجرة من 5 أو 10 أو 20 جنيهًا إلى مئة، أو حتى ألف جنيه.
نفهم أن القيمة الشرائية كانت كبيرة للجنيهات الخمس أو العشرة، أو أيًّا كانت قيمة الأجرة وقت تحرير عقد الإيجار، وكثيرون لم تكن لديهم قدرة على دفع هذا المبلغ في تأجير شقة نظرًا لتدنّي الرواتب والدخول، لكن مع استمرار انخفاض قيمة الجنيه، وتوالي زيادات الأسعار، وارتفاع تكلفة المعيشة، وتحرك التضخم إلى مؤشرات قياسية، واختلاف طبيعة الحياة ونمط المعيشة كليًّا اليوم عن عقد الخمسينيات وما بعده، فإنه ظلم تاريخي أن تظل أجرة شقة في الأماكن المُشار إليها، وفي مناطق تالية لها في مستوى الرقي، وحتى المناطق الشعبية، أن تظل الأجرة ضئيلة جدًّا، ولا تشتري اليوم سندوتش فول أو فلافل.
تحرير الأجرة
هناك مُلّاك لا يتسلمون أجرة عقاراتهم الشهرية، فقد صارت أمرًا مضحكًا، بل قمة الهزل والسخرية أن تكون حصيلة تأجير عمارة مئة جنيه أو مئتين أو أكثر قليلًا.
لكن آن لصديقة فيسبوك، فريدة عثمان، التي فُوجئت بوفاتها قبل فترة، أن تستريح في قبرها بعد حكم تاريخي بالفعل للمحكمة الدستورية العليا بعدم جواز تثبيت قيمة الأجرة الشهرية.
وهذا حكم مُلزم لمؤسسات الدولة، وهو يعني أن أجرة الشقق وفق القوانين القديمة الظالمة للمُلّاك يجب تحريرها، وفي هذا إنصاف جزئي للمُلّاك، والإنصاف الكامل سيتحقق عندما تُزال القيود القانونية التي تمنعهم من الحصول على أجرة واقعية، أو استرداد وحداتهم والتصرف فيها كما يشاؤون، والتحرر من سلطان المستأجر الذي سكن وعاش وربّى أولاده حتى تزوجوا، وهو بلغ من الكبر عتيًّا وفارق الحياة، ولا تزال الشقة في حوزة الورثة ابنًا أو ابنة أو زوجة.
قانون إيجارات جديد
السبت الماضي، 9 من نوفمبر/تشرين الثاني 2024، قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادتين (1 و2) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فيما تضمنتاه من ثبات الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكنى، بدءًا من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون.
وحدَّدت المحكمة سريان حكمها من اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد الحالي لمجلس النواب.
والمعنى هنا أن الأجرة ستظل ثابتة بقية هذا العام، وأشهُر من العام المقبل 2025 حتى فض انعقاد البرلمان.
وهذا يعني أن المحكمة تترك للبرلمان الوقت لوضع تشريع جديد لتحرير الأجرة الشهرية بين المُلّاك والمستأجرين الخاضعين للقانون 136 لسنة 1981، وهو القانون الذي يُبقي الأجرة كما هي عند تحرير عقد الإيجار.
والمدهش أنه صدر في بداية تولّي مبارك الحكم، وانحاز إلى المستأجر، فهل كانت هناك أسباب خاصة؟ علمًا بأن ضجيج الاشتراكية كان قد انتهى بعد الانفتاح الساداتي.
العدل والإنصاف
مجلس النواب يجب أن يضع قانونًا جديدًا، يلتزم فيه بنص حكم المحكمة الدستورية دون الالتفاف عليه أو تفريغه من مضمونه، لتكون العلاقة عادلة ومنصفة بين مالك عقار لا يستفيد شيئًا من أملاكه ومستأجر ساعدته القوانين المتتالية في البقاء بالوحدة السكنية مقابل أجرة معدومة، وإن شئت الدقة هي إقامة مجانية.
ولكشف المفارقة نقول إن شقة يمتلكها صاحب عقار في الزمالك مثلًا، يؤجرها وفق قانون الإيجارات الجديد رقم 4 لسنة 1996، فإنها ستدر عليه دخلًا شهريًّا ضخمًا، كما أنه حر في تحديد مدة الإيجار.
هذه الشقة وفقًا لقانون 1996 قد تصل أجرتها الشهرية إلى أكثر من 60 ألف جنيه، بينما شقة أخرى مماثلة لها في العقار نفسه قد يكون إيجارها 10 جنيهات، أو قل 100 جنيه، لأنها تخضع لقانون الإيجارات 136 لسنة 1981 الذي يجعل الأجرة ثابتة، وكان القانون 49 لسنة 1977 يجعل عقد الإيجار مؤبدًا، أي للمستأجر وورثته.
لكن صدر حكم تاريخي أيضًا من المحكمة الدستورية عام 2002 بعدم جواز تأبيد عقد الإيجار، بل يمتد فقط إلى أحد الورثة بعد وفاة المستأجر الأصلي، وينتهي مع وفاة هذا الوريث، ولا يمتد إلى الحفيد، كما كان قبل صدور هذا الحكم.
في التشريع المنتظر يجب تحرير العلاقة بين المُلّاك والمستأجرين في الشقق القديمة بعد فترة انتقالية يظل المستأجر خلالها بالشقة، وتحديد أجرة متوازنة ترضي الطرفين.
قرأت في قوانين الإيجارات منذ بدايتها ووجدتها تنحاز إلى المستأجر، وتجحف بالمالك، وكأنه يبني عقارًا، ثم يجب أن يهبه إلى المستأجرين، هناك ما يشبه العدوانية التشريعية بحق المُلّاك.
العلاقة لم تكن متوازنة ولا منصفة ولا عادلة منذ البدء، ولهذا كانت المحكمة موفقة عندما قالت في حيثيات حكمها إن تثبيت الأجرة منذ الثمانينيات يشكّل انتهاكًا لحق الملكية وعدوانًا على قيم العدل.
أخيرًا، نود أن يكون الحكم نابعًا تمامًا من دراسة المحكمة للقضية دون وجود أي إشارة توجيه، ذلك أن حديثًا رسميًّا جرى أخيرًا كان ينتقد تثبيت الأجرة، فالعدالة يجب أن تتحصن ضد تأثيرات السياسة، ولو كانت إشارات رمزية وتتوافق مع الحق والعدل.