هل يصبح ترامب أكثر رشدا بعد سنوات الحكم والمعارضة؟
حين فاز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية للمرة الأولى في العام 2016 كان قادما من خارج النخبة السياسية المعروفة، صاحبة الخبرة السياسية والعسكرية.. إلخ. كان فقط رجل أعمال ناجح تعرض للعديد من الأزمات الاقتصادية ونجح في تخطيها، وشيّد واحدة من أكبر الإمبراطوريات الاقتصادية في العالم، وأصبحت سلسلة أبراج ترامب الشهيرة علامة على هذه الإمبراطورية التي امتدت إلى العديد من العواصم والمدن العالمية.
في حملته لتلك الانتخابات (2016) تعهد ترامب بتنفيذ بعض القرارات الكبرى وغير المألوفة، ومنها طرد المهاجرين غير القانونيين دفعة واحدة، ومنع دخول زوار جدد، وبناء جدار على كامل الحدود مع المكسيك، والانسحاب من حلف الناتو، ومن منظمة التجارة العالمية، ومن اتفاقية باريس للمناخ، وتصنيف جماعة الإخوان كجماعة إرهابية، إضافة إلى وعود أخرى داعمة للكيان الصهيوني. وحين نراجع تلك التعهدات نجد أنه نفذ بعضها بالفعل، وخاصة تعهداته للكيان مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، وانسحب بالفعل من اتفاقية باريس للمناخ، وشرع في بناء الجدار مع المكسيك دون أن يكمله، كما اتخذ بعض القرارات والإجراءات الفعلية للتضييق على الهجرة وتأشيرات الزيارة خاصة للقادمين من دول ذات غالبية مسلمة، لكنه تراجع عن تهديداته الخاصة بحلف الناتو، والانسحاب من منظمة التجارة العالمية، كما أنه لم يستطع تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية لتعقيدات سياسية وقانونية.
خبرات الحكم والمعارضة
4 سنوات في حكم أقوى وأكبر ديمقراطية في العالم يُفترض أنها كفيلة بترك بصماتها على من تولى مقاليد الحكم، وكفيلة بإفهامه ما لم يكن يفهمه من قبل من تعقيدات السياسة ودروبها وملفاتها. كما أن وجود مؤسسات ديمقراطية عميقة كفيل أن يكبح جموح الرجل الأول في السلطة، ولو في حدود بسيطة، ونتذكر هنا أن ترامب اتخذ قرارا شخصيا دون تشاور مع مستشاريه بالانسحاب من شمال سوريا عقب مكالمة مع أردوغان، ما أحدث هزة كبيرة في الدائرة القريبة منه حتى أن وزير دفاعه جيمس ماتيس استقال احتجاجا، وفي النهاية تمكن مساعدو ترامب من إقناعه بالعدول عن القرار.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsهل بدأ سقوط الطغاة وانتصار إرادة الشعوب من دمشق!
الصمود لا يمنع السقوط.. “بشار” طويل القامة قصير النظر!
أين الله مما يحدث لسوريا؟ وجاء الجواب!!
بالإضافة للسنوات الأربع التي قضاها ترامب في سدة الحكم فإنه قضى 4 سنوات أخرى في المعارضة، في معارك سياسية وقانونية، دخل على إثرها قفص الاتهام بالفعل، ولا تزال الاتهامات تطارده، وإن كان من المعتقد أنه سيتمكن من تصفير كل الاتهامات الموجهة ضده بحكم حيازة حزبه الجمهوري على الأغلبية في الكونغرس، وبحكم أن الرئيس يمتلك أيضا حق تعيين القضاة في المحكمة العليا، وحق العفو ووقف تنفيذ العقوبات، ومن المفترض أن هذه المعارك السياسية والقانونية والإعلامية أكسبت ترامب بعض الخبرات الجديدة التي كان يفتقدها من قبل.
والسؤال الآن هل يمكننا أن نفترض أن ترامب نسخة 2024 يختلف ولو جزئيا عن ترامب نسخة 2016؟ والسؤال التالي الأكثر أهمية هل سينعكس أي تغيير (مفترض) في سلوكه السياسي على قضايانا في المنطقة؟
هل نشهد تغيرا؟
لو ألقينا نظرة على ما تضمنه البرنامج الانتخابي لترامب 2024 سنجده ممتلئ بالوعود أيضا، وإن كان معظمها متعلقا بالشأن الداخلي، لكنه لم يكرر في البرنامج تعهدات غير منطقية مثل صفقة القرن، والانسحاب من الناتو، أو منظمة التجارة العالمية، وإن أبقى ذلك في إطار التصريحات الصحفية التي يسهل التنصل منها، وفيما يخص قضايانا العربية فإنه أطلق بعض التعهدات مثل وقف حرب غزة في 24 ساعة، والحقيقة أن هذا التعهد ربما يكون تحصيل حاصل، لأن الحرب بالفعل في دقائقها الأخيرة، ولأن إدارة بايدن حريصة على اختتام حكمها بوقف الحرب، وأمامها فرصة شهرين، وإذا لم تستطع فعل ذلك خلال هذه الفترة فإن تعهد ترامب سيكون على المحك، صحيح أنه قادر على لجم الكيان الصهيوني إذا أراد، لكن من قال إنه يريد إغضاب الكيان؟ وماذا لو حدثت تطورات كبرى خلال الأيام المقبلة في مسيرة الحرب لغير صالح الكيان؟!
ولكن في إطار الخبرات المكتسبة (المفترضة) لترامب فإنه وفقا لتصريحات له لم يعد يثق في نتنياهو، ويتهمه بالمخاتلة، والمراوغة، ورفض السلام، وهذا قد يجعله أكثر استقلالا في قراراته عن ضغوط نتنياهو التي كانت ذات تأثير في الدورة الرئاسية السابقة، كما أن حلفاءه العرب في المنطقة لم يعودوا بحاجة ملحة إليه كما كانوا في 2016، وبالتالي قد لا يستجيبون بسهوله لمحاولات ابتزازهم ماليا بدعوى حمايتهم من إيران، فها هم الآن يسوون مشاكلهم مع إيران بعيدا عنه، وحتى القمة العربية الإسلامية الأخيرة كانت وبشكل غير مباشر رسالة إلى ترامب أنه سيكون أمام موقف عربي وإسلامي وإفريقي موحد داعم لحل الدولتين، وهو ما يسهم في ترشيد موقفه مجددا تجاه هذا الحل الذي قد يفكر في التراجع عنه، كما يعرقل تحركا محتملا لضم الضفة الغربية للكيان.
إيران وتركيا
هناك قضايا أخرى ذات أهمية مثل الموقف المتشدد تجاه إيران الذي يحمله ترامب، والذي قد يدفعه لشن عمليات عسكرية دقيقة ضد بعض المنشآت النووية والإستراتيجية الأخرى، لكن ذلك يفترض أنه لا يتسق مع ادعاءاته بأنه ضد الحروبّ!
وبالنسبة لتركيا فإنه قد يسعى خلال هذه الدورة لسحب قواته من الشمال السوري بالتوافق مع أردوغان، وأيضا من خلال تشاور مؤسسي على العكس مما فعله في الدورة السابقة، لكنه إذا فعل ذلك فإنه سيحصل على ثمن كبير مقابله من تركيا، وهو نفس ما سيفعله مع الحرب الأوكرانية التي لو تدخل فعلا لوقفها فإن ذلك سيكون مقابل ثمن كبير من بوتين، وفي الحالتين سيكون الثمن هو سحب تركيا وروسيا بعيدا عن الصين، وجرهما أكثر نحو التحالف الأمريكي.
ليس مؤكدا أن يكون ترامب 2024 مختلفا كثيرا عن ترامب 2016، وسيظل افتراض أنه تعلم من أخطائه، أو أنه اكتسب خبرات سياسية جديدة خلال فترة حكمه السابقة، أو ما بعدها من معارك قانونية وسياسية تجعله أكثر رشدا في قراراته السياسية– سيظل افتراضا نظريا، وستكون الممارسة العملية هي المحك الفعلي لمدى تحقق ذلك.