سياسة الاغتصاب
معروف أنّ الاغتصاب من أبشع الجرائم التي يمارسها الذكور على وجه الأرض، ومعظم ضحايا الاغتصاب من النساء والأطفال، ولا ينجو بعض الرجال من هذه الجريمة خاصة في حالات الاعتقال وأثناء الحروب التي تبيح كلّ الجرائم التي تعرفها البشرية بسبب الفلتان الأمني أولا، وتوحش السلطة، وقوة السلاح، وغلبة الأمراض النفسية التي تسبّبها الحروب. ولا تخفى نتائج تلك الجريمة على أحد، أولها تدمير الضحية بشكل تام.
وعلى الرغم من أن كثيرا من الضحايا يخشون الإفصاح عمّا جرى لهم إلّا أنّ الأرقام التي تنشرها الإحصائيات مخيفة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالثورة السورية من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر
المعارضة السورية تسترد الدولة وتقطع الطريق على التقسيم
من تحرير سوريا.. إلى بيع عبد الناصر!
انتحار مئة وثلاثين امرأة سودانية خشية اغتصابهن من قبل قوات الدعم السريع.
عنوان تداولته مواقع التواصل من دون أن يسند إلى مصدر موثوق. لكنّ المديرة العامة لوحدة مكافحة العنف ضدّ المرأة في السودان قالت في مقابلة معها لإحدى المنصات، إنّها غير متأكدة من الخبر لكنّها لا تستغرب وقوعه، وقد حدث في حالات كثيرة. لم تتعافَ السودانيات بعد من آثار حرب دارفور، وجاءت الحرب الحالية لتدمِّر ما تبقى.
ومع أنّ السودان يُطبّق عقوبة الإعدام بحقّ المغتصب، لكنّ الحرب لا تعترف بالقوانين، ويفلت الجاني من العقوبة، بل تعتبر تلك الممارسات أثناء الحرب أحد الحقوق أو المكافآت للجنود. ولم يتوقف الأمر عند اغتصاب الشابات، فقد سُجِّلت حالة اغتصاب لطفلة عمرها ستّ سنوات، وأخرى لمسنة تجاوز عمرها السبعين عامًا.
ومن السودان إلى تونس التي دفعت لها الأمم المتحدة أكثر من مليون دولار للحد من تدفق اللاجئين إلى أوروبا ممّا أدّى إلى احتجاز العديد من النساء في مدينة صفاقس تعذيبهن، وظهرت إحداهن في فيديو تصف ما يحدث لهنّ من تعذيب آثاره واضحة على جسدها.
أمّا في سوريا فالعدد غير معروف بسبب التكتم الشديد من الضحايا وخاصة في المعتقلات، إلا أنّ صحيفة ليبراسيون الفرنسية نشرت تقريرًا منذ حوالي سبعة أعوام تقول فيه إنّ العدد المفرج عنه هو 7700 امرأة فيما لا يزال ثمانمائة في المعتقلات.
تاريخيًّا
أول عملية اغتصاب موثقة تاريخيًّا حدثت قبل ثلاثة آلاف سنة، ذكرتها إحدى “البرديات” الفرعونية وتحمل اسم “بابايروس سلت 124” وهي موجودة في المتحف البريطاني.
تذكر البردية أنّ رجلًا يدعى “بانيب” -وهو مشرف على أعمال بناء مقابر الفراعنة في وادي الملوك- قد تحرّش بامرأة، وقام بتجريدها من ملابسها واغتصبها، ولم تكن الواقعة الوحيدة، فقد سُجل تحرشه بنساء أخريات.
نساء المتعة
أما أقسى جرائم الاغتصاب فقد كانت على يد الجيش الياباني. حيث أنشأ اليابانيون عام 1934 أثناء الحرب مراكز استراحة للجنود، استخدموا فيها نساء من الصين، واليابان، وعددا أكبر من كوريا. أطلقوا عليهنّ اسم “نساء المتعة” وقد اجبرن على تقديم خدمات جنسية للجنود اليابانيين، ويقدّر عددهن بمئتي ألف امرأة، ويرجّح أنّ يكون العدد أكبر من ذلك. وقد اعتذرت اليابان رسميًا من كوريا الجنوبية عام 1992 عمّا قام به جنودها أثناء الحرب.
امرأة من برلين
أما أكبر عمليات الاغتصاب الجماعي فقد حصلت عام 1945 أثناء اقتحام الجيش الروسي لألمانيا وحصار برلين. وقد وصل عدد المغتصبات الألمانيات إلى مليوني امرأة بحسب المؤرخ “وليام هيتشكوك”. وقد وصفها الكاتب “انتوني بيفور” صاحب كتاب “امرأة من برلين” -والذي مُنعت كتبه من النشر والتداول- بأنّها “أكبر ظاهرة اغتصاب هائلة في التاريخ” توفي على إثرها 240 ألف امرأة ألمانية نتيجة الاغتصاب المتكرر والعنف الجسدي. ولم يقتصر الاغتصاب على الألمانيات، بل طال الروسيات، والأوكرانيات، والبيلاروسيات أيضًا ممّا دعا القيادة السوفيتية إلى كتم أصواتهن، ومنعهن من التحدث في الأمر.
وقد ردّ “ستالين” على احتجاج نائب المارشيال اليوغسلافي تيتو قائلًا: “على الناس أن يفهموا أنّ الجنود الذين قطعوا آلاف الكيلومترات بالدم والنار والموت يستحقون الاستمتاع بامرأة”.
عام 2008 أنتج الألمان فيلمًا أخذ عن حياة “امرأة من برلين” سَجَّلت تجربتها الشخصية أثناء حصار برلين وسقوطها، تتحدّث السيّدة الصحفيّة عن اغتصاب النساء الألمانيات من قبل الجنود الروس، وطرق تعذيبهنّ، وتتطرق إلى انتحار بعضهنّ نتيجة الضغوطات النفسية والجسدية التي مارسها الجنود عليهنّ في فترة الحصار.
الجريمة والعقاب
ثقافة الاغتصاب ذات جذور ذكورية، وغالبًا ما نرى تلك الجذور ونستشعرها في تفكيرنا وأحاديثنا، وفي التوجهات العالمية. وتنتمي غالبًا إلى مبادئ السلطة والسيطرة، تمامًا كما يحدث في جرائم اغتصاب الأرض. قد يختلف السياق بين الدول في الحرب والسلم فهناك إحصائية مرعبة في بريطانيا لحالات الاغتصاب التي حدثت في عام واحد -وهي في حالة سلم! – ووصل العدد إلى مليون ومئة ألف حالة اغتصاب في مقاطعتين فقط بحسب تقرير صادر عن مكتب الإحصاءات الوطني بلندن.
من المؤسف أنّ جريمة الاغتصاب لها أحكام مخفّفة في كثير من بلدان العالم. فإذا قام المغتصب بالزواج من الضحية يسقط عنه الجرم. وفي إحصائية للأمم المتحدة تقول إن اثنين فقط من كلّ ثلاثة بلدان تقوم بتجريم الاغتصاب والعنف الأسري. في الوقت الذي ما تزال 37 دولة حول العالم تعفي المجرم من العقوبة إذا تزوج من الضحية. وهناك 49 دولة لا توجد فيها قوانين تحمي النساء من العنف المنزلي.
ويمكن تعريف ثقافة الاغتصاب كما توردها الهيئة الأممية بأنّها “البيئة الاجتماعية التي تسمح بتطبيع وتبرير العنف الجنسي. على أنه متجذر في النظام الأبوي ويغذيه استمرار اللامساواة والتحيزات حول النوع والجنس”. وبناء على ذلك نرى أنّ الضحية فقط هي من تتحمّل وزر هذه الجريمة فإن نجت من نظرة الأهل فلن تنجو من نظرة المجتمع، وإن نجت من نظرة المجتمع فلن تنجو بسهولة من “متلازمة صدمة الاغتصاب” التي تدمّرها من الداخل نفسيًّا وصحيًّا