طبيبة كفر الدوار.. ما القصة؟

طبيبة كفر الدوار (منصات التواصل)

معركة حامية الوطيس عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، أشعلتها طبيبة مصرية شابة لأمراض النساء والتوليد تُدعى وسام شُعيب بمقطع فيديو صادم، ومُفزع، وشديد الإثارة بثته على صفحتها بموقع فيس بوك بثا مباشرا، زعمت فيه انتشار الزنا، والحمل السفاح (بدون زواج شرعي) لأطفال، وبالغات على السواء.

المقطع (13 دقيقة)، وجلب 7.5 مليون مشاهدة، وانتهى بـ “الطبيبة”، رهينةً للحبس الاحتياطي (أربعة أيام)، مُتهمة بالتعدي على القيم الأسرية، ونشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، بعد توقيفها، بأمر النيابة العامة، للتحقيق فيما تلقته من بلاغات ضدها.

قاصر وسجينة حوامل.. وشاب بالإيجار

وسام شُعيب، التي اشتُهرت بـ “طبيبة كفر الدوار”، روت في الفيديو، قصص لحالات زعمت أنها مرت عليها في العيادة الخاصة، وأثناء النبطشية (شيفت أو نوبة العمل المسائي) في مستشفى كفر الدوار العام بمحافظة البحيرة (شمال مصر).

من بين الحالات، قاصر (14 عاما)، حامل (بدون زواج)، التقتها في عيادتها صحبة امرأتين لإجهاض الجنين، وقالت إن “والدة الفتاة” سقطت مُغمى عليها بعد خروجها من العيادة، وإنها رفضت إنقاذها، مُتعللةً بأنها، لم تُرب ابنتها (الحامل) جيدا.

وحالة ثانية التقتها في النبطشية بالمستشفى لسيدة حامل استأجرت شابا كي تنسب له مولودها الذي حملته سفاحا. وتناولت الطبيبة، حكاية “سيدة متزوجة”، وسجينة محكومة بالحبس لعامين، لضبطها متلبسة بممارسة الزنا.. حضرت إلى المستشفى صحبة أميني شرطة، مصابة ببعض الآلام.

الزنا والحمل السفاح.. وشلال الغضب

الكثيرون استاءوا، مما اعتبروه إفشاءً مُجَرَّمًا من الطبيبة لأسرار مرضاها، وخيانة محظورة للثقة بها. طبيبة النساء، حديثة التخرج (عام 2019)، وفي غمرة انفعالها، أثناء البث المباشر.. استخلصت من حالات الحمل السفاح (المعدودة)، التي مرت عليها، تعميما بأن حالات الزنا والحمل السفاح، هي ظاهرة عامة، ورتبت عليها التشكيك في نسب الأبناء إلى آبائهم.. كأنها تتهم النساء جميعا بالخيانة، ومتسائلةً: متعرفش مرات (زوجة) مين.. في حضن مين؟ وهو ما فجر شلالا من الغضب عليها، بسبب إصدارها أحكاما عامة، تنال من عرض وكرامة الجميع، وأسلوبها الفج غير اللائق، بمُفردات مثيرة للاشمئزاز، مقابل بعض رواد شبكات التواصل الاجتماعي وصفوها بـ “الدكتورة المحترمة”، ورافضين اتهامها بإفشاء أسرار المرضى، بينما فريق ثالث انصرف عن القصة كلها، واصفا إياها بأنها اشتغاله بقصد الإلهاء.

خيانة القسم.. وتعميم الخطيئة

هل كانت “طبيبة كفر الدوار” على صواب بالنشر عن “الحالات” التي تعاطت معها؟ وهل فيما سردته بالفيديو إفشاء لأسرار المرضى أم أنه مجرد توعية كما قالت لاحقا، دفاعا عن نفسها؟

حتما، لم تكن على صواب فيما نشرته بالفيديو، ولا فيما اعتادت نشره باستهزاء على صفحتها، سخرية ممن يترددن عليها في نوبة عملها بالمستشفى. فهذا، مما يُخالف القسم الذي يؤديه كل خريج، قبل مزاولة مهنة الطب. فقد أقسمت بأن تحفظ للناس كرامتهم، وتستر عورتهم، وتكتم سرهم، وأن تبذل رعايتها للقريب والبعيد، للصالح والخاطئ، وللصديق، والعدو. أي أنها خانت القسم، فلم تستر مرضاها، وفضحتهم، وحاكمتهم، وأدانتهم، بينما دورها، هو تقديم الرعاية الطبية، فقط، مع الحفاظ على السرية لكل مريض أيا كان. ثم أنها أساءت- بلا جدال-، في التشهير بكل المصريات، قفزا من حالات فردية معدودة ومحدودة إلى تعميم الخطيئة على الجميع دون سند، أو منطق. وتجاسرت داعية ً كل أب، لإجراء تحليل الحمض النووي dna))، للتثبت من هوية الأبناء المنسوبين إليه، تشكيكا، بأن يكونوا، نتاجا لعلاقة مُحرمة للزوجة، بآخر، بعد أن تساءلت: “متعرفش مرات (زوجة) مين في حضن مين”، بما لا يمكن احتسابه من قبيل التوعية.

 السهام الطائشة.. وسمعة الأبرياء

الطبيبة وسام شُعيب، تعمل في دائرة محدودة، بمعنى أن مسرح حكايتها سواء المستشفى، أو العيادة الخاصة بها معلومين في المنطقة (كفر الدوار)..

الناس هناك سيكونون شغوفين، لاستكمال المعلومات التي لم تذكرها الطبيبة في الفيديو. سيتتبعون أمر الفتاة القاصر الحامل (14 سنة)، ووالدتها التي أُغمى عليها، وسيصل البعض إلى تحديد هويتها، ونشر التفاصيل في كفر الدوار كلها (800 ألف نسمة)، وربما خارجها.

علينا ألا ننسى فاعلية مواقع التواصل الاجتماعي، في هذا الصدد. وسيسعى زيد أو عبيد إلى تقصي سجلات المستشفى، ومحضر الشرطة، وصولا إلى هوية السيدة التي استأجرت شابا، لكتابة وليدها (السفاح).

هكذا سيتم الوقوف على هوية الحالات التي أتت طبيبة كفر الدوار على ذكرها.. استدلالا، بما كشفت عنه من تفاصيل في مقطع الفيديو. فمن طبائع الأمور، أن خبر السوء سريع الانتشار، وشديد الجاذبية للناس، بما يقطع بأنها أفشت أسرار مرضاها، وفضحتهم، ولم تحفظ أسرارهم، حتى ولو لم تذكر أسماءهم. وهذا، لا يمنع من أن السهام الطائشة للطبيبة، لابد وأن تضرب سُمعة أبرياء، نتيجة تداول الناس للفيديو، والتخمين بشأن الأشخاص الذين تناولت حكاياتهم. وتكون، قد ضربت بلائحة آداب المهنة عُرض الحائط، في المادة 30 منها، التي تحظر عليها، إفشاء أسرار المريض التي اطلعت عليها بحكم مهنتها.

إغواء وسائل التواصل

لكن، هل كان لازما، للبلاغات ضد “طبيبة كفر الدوار”، أن تنهال على النيابة العامة والقبض عليها، وحبسها؟ تقديري أنه يكفي ترك شأنها لنقابة الأطباء، التي تحركت على الفور، وأحالتها إلى لجنة آداب المهنة للتحقيق، الذي قد يُفضى في حال الإدانة، إلى وقفها عن العمل، أو منعها من ممارسة مهنة الطب. وهذه عقوبات، مؤلمة لأي طبيب. فهي شابة، محدودة الخبرة، ارتكبت خطأ كبيرا، بلا جدال إذ تناست مهنتها وآدابها، وأخلاقياتها، وربما سقطت فريسةً لإغواء التريند رغبة في الظهور، وشوقا للشهرة، فأوقعها في المحظور. وتقمصت دور “المُصلح الاجتماعي”، دون أن تمتلك أدواته، ومهاراته، فأوقعت نفسها فيما لا يُحمد عقباه.

لا أحد ينكر، وجود حالات زنا وحمل للقصر دون زواج، لكنها حالات فردية محدودة عصية على التعميم.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان