قمة أخرى بلا جديد

قمة الرياض (الأناضول)

كثير من الشعوب العربية والإسلامية لم يصب بالإحباط بعد صدور قرارات القمة العربية والإسلامية غير العادية التي عُقدت بالرياض قبل أيام؛ لأنه لم يتوقع أصلا من تلك القمة إجراءات عملية توقف شلال الدماء المستمر بغزة طوال أربعمئة يوم. وذلك في ظل ما لمسته تلك الشعوب من تقاعس عن كسر الحصار الخانق والتجويع وعمليات الإبادة المفروضة على شمال غزة منذ أسابيع، بل إن السؤال الذي طغى كان عن أسباب انعقادها، وهو سؤال لا يزال مطروحا لدى الكثيرين بعد انعقادها!

حيث أصبحت الريبة من انعقاد القمم تعلو على توقع نتائج إيجابية منها، وسط إدراك الكثيرين لأن عددا قليلا من دول القمة يسعى بالفعل للخروج بحل، مقابل عدد أكبر من الدول يسعى لمسار معاكس بل يتواطأ بعضها ضد المقاومة، وأن تلك القمة تجهز للدور الذي ستؤديه دولها مع تولي ترامب، والنتيجة أن الكثيرين لم تعد لديهم ثقة بالخطب الرنانة للقادة بالقمة، لأنهم يعرفون أنها لن تسفر عن شيء عملي، وأنها تختلف كثيرا عن المواقف العملية التي يتم اتخاذها بالاجتماعات المغلقة مع قيادات الدول الغربية.

وأكد تلك الرؤية لدى الكثيرين أن غالبية قرارات القمة الأخيرة تكرار لقرارات القمة التي عُقدت العام الماضي، والتي لم يتم تنفيذ شيء منها، حيث قررت قمة العام الماضي تكليف وزراء خارجية السعودية والأردن ومصر وقطر وتركيا وإندونيسيا ونيجيريا وفلسطين، بمهمة بدء تحرك دولي فوري باسم جميع الدول الأعضاء لبلورة تحرك دولي لوقف الحرب على غزة، وها هي القمة الأخيرة تعيد نفس التوصية وبنفس الرئاسة للجنة وهي رئاسة وزير الخارجية السعودي، من دون أن توضح للشعوب أسباب إخفاق اللجنة.

ودعا مؤتمر العام الماضي إلى كسر الحصار وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية وهو ما لم يحدث عمليا، وهو أمر خلت قرارات القمة الأخيرة منه، حيث خفت نبرتها عما سبق ربما تمشيا مع مرحلة ترامب الأكثر تعصبا لإسرائيل، وطالب بالدعوة لمؤتمر دولي للسلام وهو ما لم يحدث، وطالب بتفعيل شبكة الأمان الإسلامية لتوفير الدعم المالي والاقتصادي والإنساني لحكومة دولة فلسطين، وهو ما لم يحدث رغم تضمن ملاحق قمة المنامة خطة للاستجابة الطارئة بقطاع غزة قدمتها السلطة الفلسطينية.

    إلقاء المسؤولية على المجتمع الدولي!

وهكذا كررت القمة الأخيرة نفس مسلك القمة السابقة بإلقاء تبعة وقف العدوان على المجتمع الدولي، وعلى الأطراف الدولية الفاعلة من خلال تنفيذ قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، رغم إشارة القرارات الأخيرة إلى تخاذل الشرعية الدولية وإلى سياسة المعايير المزدوجة التي تتبعها الدول الغربية.

وهكذا تهربت الدول الإسلامية من أداء دورها الأصيل لوقف العدوان، لتلقي الكرة في ملعب المجتمع الدولي الذي تعرف أنه لن يتحرك، وأن هناك تصعيدا متوقعا من قبل الإدارة الإسرائيلية بعمليات الإبادة في غزة ولبنان بالفترة السابقة لتولي ترامب في العشرين من يناير/كانون الثاني القادم وخلال الشهور الأولى من توليه.

وحين دعت قرارات القمة الأخيرة إلى مقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية بالأراضي الفلسطينية والشركات العاملة فيها، وتشكيل قوائم عار تضم هذه الشركات، فإن تلك الدعوة إلى المقاطعة لم تشمل سلع دولة الاحتلال نفسها رغم إشارة القرارات إلى العديد من ممارستها الإجرامية من إبادة جماعية وإخفاء قسري وتهجير وعقاب جماعي وقوانين عنصرية من قبل الكنيست، ربما تحاشيا لإحراج استمرار التبادل التجاري بين عدد من الأعضاء ودولة الاحتلال بل وتزايد قيمته عما قبل طوفان الأقصى، وبالطبع لم تشر إلى المقاطعة الشعبية التي تمت لعدد من الشركات الدولية المساندة لدولة الاحتلال.

  غياب ذكر المقاومة في بيانات القمم

وكنا نود أن تكون قوائم العار للشركات العاملة بالمستوطنات غير الشرعية أحد ملاحق قرارات القمة، ومعها قائمة أسماء مجموعات المستعمرين الموجودين على الأراضي الفلسطينية الذين ينتهكون حرمة ساحة المسجد الأقصى بين الحين والآخر، والذين طالبت قرارات القمة الأخيرة بمنعهم من دخول القدس الشرقية.

وكالعادة خلت قرارات القمة من أي ذكر للمقاومة سواء بغزة أو بلبنان أو غيرهما، بل إن نصوص القرارات قد تجاوزت وجود المقاومة في كل من غزة ولبنان، حين تحدثت عن تولي السلطة الفلسطينية مسؤوليتها على كل الأرض الفلسطينية بغزة والضفة الغربية ومدينة القدس، وكذلك بسط سيادة الدولة اللبنانية على كل أراضيها.

وفي هذا السياق لم يتضمن سرد الجرائم التي قامت بها دولة الاحتلال عمليات اغتيال قيادات المقاومة، ربما تحاشيا للإشارة إلى أسماء مثل السنوار وحسن نصر الله وإسماعيل هنية، رغم أن تلك الأسماء معروفة لدى الشارع الإسلامي بشكل أوسع من معرفته بأسماء قيادات دول إسلامية كبيرة؛ مما يعمق الفجوة بين الخطاب الرسمي الذي تتبناه القمم، وبين الخطاب الشعبي الذي حزن كثيرا لرحيل قيادات المقاومة، الذين أشارت إليهم تصريحات الرئيس الأمريكي وقادة دول أوروبية حين اعتبروا رحيلهم يسهل وقف إطلاق النار!

وخلت قرارات القمة من تحية صمود أهل غزة أو لبنان أو شكر مواقف دول مثل أيرلندا وإسبانيا وجنوب إفريقيا وبوليفيا وكولومبيا، ربما لأن مواقفها قد علت على مواقف دول إسلامية، وخلت القرارات كذلك من تحية التظاهرات التي قامت بالدول الغربية لمساندة القضية الفلسطينية، ربما تحاشيا للتذكير بالعوائق التي تحول دون تكرار مثل تلك الفاعليات بالدول الإسلامية.

وفي ضوء كل ما سبق وعدم توقع مواقف عملية من قيادات الدول الإسلامية يصبح التعويل على المواقف الشعبية مطلوبا، خاصة أن المنطقة داخلة على قرارات أمريكية متوقعة أكثر مساندة لدولة الاحتلال في ظل رئاسة ترامب، وإذا كانت الشعوب بالدول الإسلامية مُحاصرة مثل أهالي غزة، فإن ذلك يزيد الدور المطلوب من العرب والمسلمين المقيمين بالدول الغربية، بالقيام بالمزيد من الفعاليات لإبطاء أو تعطيل المخططات التي يتم رسمها للمنطقة وللقضية الفلسطينية.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان