التاريخ يعيد نفسه.. الإسرائيليون في مواجهة مع العالم
الإسرائيليون واجهوا العديد من الأحداث العنيفة على مدار العام الماضي في القارات المختلفة، على خلفية حرب الإبادة في غزة، في المؤتمرات والجامعات والندوات والملاعب الرياضية، كما في الشارع ومواقع العمل والأماكن العامة وحتى في أماكن السكن، وذلك في عودة لأزمنة مضت، كان آباؤهم وأجدادهم يخشون خلالها السير في الشوارع، أو الإفصاح عن هوياتهم في العديد من الدول، بسبب سوء سلوكهم الذي وصل إلى حد إفلاس هذه الدول، وإفساد تلك المجتمعات.
وقد كشفت الأحداث التي شابت مباراة أياكس الهولندي، مع مكابي تل أبيب، في العاصمة الهولندية، أمستردام، الأسبوع الماضي، أن المواطن الإسرائيلي أو الصهيوني بشكل عام، بصدد العودة إلى تلك الأزمنة، ولكن في بقاع الأرض كلها هذه المرة، نتيجة ما يرتكبونه الآن من مجازر بحق الشعب الفلسطيني، بعد إفلاتهم من العقاب عن مجازر عديدة سابقة، على مدى نحو ثمانية عقود، لم تكن تذاع خلالها الأحداث على الهواء مباشرة، كما هو الحال الآن.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالاقتصاد السوري.. عجز تجاري سلعي وخدمي مزمن
كيف أصبحت تركيا اللاعب الأكثر فاعلية على الساحة السورية؟
لماذا فزع القوميون العرب لسقوط بشار؟!
يومًا بعد يوم، سوف يكون الوجود الصهيوني في أي مكان بالعالم، مكلفًا إلى حد كبير، وهو ما أكدته مباراة المنتخب الإسرائيلي مع نظيره الفرنسي في العاصمة باريس أمس الخميس، حيث أعلن وزير الداخلية الفرنسي تخصيص 5 آلاف شرطي لحفظ أمن المباراة، على الرغم من أن مجلس الأمن القومي الإسرائيلي قرر عدم حضور جماهير إسرائيلية المباراة للمخاوف الأمنية نفسها، وهو ما يعني أن هذه التكلفة الأمنية كلها كانت من أجل اللاعبين فقط، التي في العادة لا تحتاج إلى أكثر من عشرات العناصر التابعة لأمن الاستاد في معظم الأحوال.
وقد بات من الواضح أن أي أعداد شرطية إضافية أو مضاعفة، لن يكون بمقدورها حماية الجماهير الإسرائيلية من غضب الجماهير الفرنسية وغير الفرنسية، ربما في أي مكان بالعالم، وهو ما جعل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم يقرر في الوقت نفسه نقل مباراة فريق مكابي الإسرائيلي مع بشكتاش التركي إلى المجر، يوم 28 من هذا الشهر لأسباب أمنية أيضًا، ومن دون جمهور هذه المرة، وهي المباراة التي كان مقررًا إقامتها في تركيا.
سلوك جمهور الكرة الإسرائيلي في هولندا بتمزيق العلم الفلسطيني، والهتافات المشينة ضد الأطفال الفلسطينيين، ومن بينها: (لا توجد مدارس في غزة، لأنه لم يعد هناك أطفال)، يؤكد أننا أمام شعب بغيض، من طراز مختلف عن البشرية، إرهابي، قاتل، لا فرق في ذلك بين جمهور الكرة وجنود جيش الاحتلال، وهو ما أثار غضب الجماهير الأخرى، العربية وغير العربية، حتى أننا شاهدنا المواطنين الهولنديين وهم يعاودون تعليق الأعلام الفلسطينية في شرفات منازلهم ونوافذهم بكثافة.
الحالة ميؤوس منها
ولو أننا تابعنا ردود الأفعال الرسمية الإسرائيلية على أحداث العاصمة الهولندية، لتأكدنا أيضًا أننا أمام حالة ميؤوس من إصلاحها، ذلك أن قرار الوهلة الأولى هناك كان يدور حول إرسال قوات عسكرية إلى موقع الأحداث، وهو ما لم توافق عليه السلطات الهولندية، التي رأت أن الأمر يتعلق بجماهير كرة في نهاية الأمر، إلا أن العقلية الإسرائيلية دائمًا وأبدًا تتجه إلى استخدام السلاح والإبادة، حتى لو تعلق الأمر بشغب ملاعب، أو صدامات شوارع، أو أي شيء من هذا القبيل، وإن أدى ذلك إلى دمار العالم، وهو سلوك شرير لم تكن تنتبه إليه معظم الشعوب من قبل، نتيجة التغييب الإعلامي الناتج عن السيطرة الصهيونية على الشأن الإعلامي العالمي.
يذكر التاريخ أنه تم طرد اليهود من معظم دول العالم، بدءًا من بريطانيا، بقرار من الملك إدوارد الأول، عام 1290، بعد أن كان قد حظر عليهم في عام 1275 الحصول على فوائد مقابل القروض، مرورًا بالمجر عام 1349، فرنسا عام 1394، النمسا عام 1421، نابولي عام 1510، ميلانو عام 1597، إسبانيا عام 1492، البرتغال عام 1497، وكانت إنجلترا أول بلد يجبر اليهود على ارتداء شارات صفر، وهو الإجراء الذي قلدهم فيه النازيون في ألمانيا في القرن العشرين، كما تعرضوا لحملات إبادة في روسيا، بدءًا من العصر القيصري، حتى وصول جوزيف ستالين إلى الحكم في القرن العشرين.
ويذكر التاريخ أيضًا، أنهم لم يجدوا ملاذًا آمنًا في أي من بقاع العالم، سوى في الدول الإسلامية، انطلاقًا من عقيدة ترتكز على احترام الآخر، وتحديدًا في الوطن العربي، بدءًا من دول المغرب، التي وصلوا إليها قادمين من إسبانيا، مرورًا بمصر، وحتى دول الشام، حتى أن هجرتهم إلى فلسطين في بداية القرن العشرين جاءت في هذا الإطار، بحثًا عن وطن آمن، من بين مجموعة من الخيارات في ذلك التوقيت، من بينها أوغندا في إفريقيا، والأرجنتين في أمريكا الجنوبية، وكانوا موضع ترحيب من الفلسطينيين، إلى أن أفصحوا عن مخططهم بتكوين ميليشيات، عاثت في الأرض قتلًا وفسادًا، واستمروا على هذا النحو حتى اليوم.
التاريخ يعيد نفسه
نستطيع الجزم، بأن الممارسات الإسرائيلية في فلسطين اليوم، أعادت العالم إلى سيرته الأولى، من حيث نظرة الشعوب إلى هذه الطائفة من البشر، بات البحث واسعًا الآن في تاريخهم القديم والحديث معًا، سلوكياتهم الربوية والأخلاقية التي أفسدت العالم في السابق، وكانت سببًا رئيسًا في اضطهادهم وطردهم، مخططاتهم التخريبية وأطماعهم في السيطرة على اقتصاديات العالم، من خلال نشر الفساد والرذيلة وتجارة المخدرات والسلاح، وإشعال الحروب، وشراء الذمم، والسيطرة على الإعلام، والإنتاج الدرامي، وغير ذلك من كثير.
النتيجة النهائية، هي أن شعوب العالم بمرور الوقت، لن تعد تقبل بوجودهم على أراضيها لأي سبب، حتى لو كان الأمر يتعلق بمجرد مشاهدة مباريات رياضية والعودة، وهو ما سوف يزيد من تشبثهم بالأراضي الفلسطينية، وقتل مزيد من آلاف الأطفال والنساء والشيوخ، وهو الأمر الذي تدركه الأنظمة الغربية تمامًا، وتبذل هي الأخرى الكثير من المال والعتاد، لدعم نظام الاحتلال في سبيل استمرار الوضع الحالي، حتى لو كان على حساب شعب آخر، أو حتى شعوب أخرى، وهو ما يجعل من التعويل على المجتمع الدولي أو المنظمات الدولية، في الحصول على الحقوق الفلسطينية، هراء يثير السخرية، ولنا العبرة في 76 عامًا من الاحتلال، وعشرات القرارات الدولية.
على أية حال، يبدو واضحًا أن مجريات الأحداث على أرض الواقع كلها تشير إلى أن التاريخ يعيد نفسه، ما دامت المعطيات نفسها لا تتغير، وهو ما يؤدي إلى النتائج نفسها، التي أفرزتها معطيات الماضي، وما دام العرق دساسًا، يتوارثون الخبائث والدسائس جيلًا بعد جيل، على الرغم من أنهم جاءوا من شتات الغرب والشرق، الشمال والجنوب، إلا أنهم اجتمعوا على هدف واحد، هو الخراب، قد يكون في ظاهره خراب المنطقة، إلا أنهم في حقيقة الأمر يمكن أن يكونوا سببًا في خراب الكوكب، إذا استمر إطلاق العنان لهم كما هو الحال الآن، وهي مهمة الشعوب، التي يحب أن تتصدي لهذه الطائفة المخربة، مهمة الشعوب العربية بالدرجة الأولى، بعد أن تخاذلت الأنظمة، لأسباب تتعلق بمصالح شخصية، على حساب مصالح الشعوب والأوطان.