المقاومة لا تعوق حل القضية الفلسطينية

الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب
الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب (رويترز)

 

(1) لماذا غابت حماس عن القمة؟

انتهت قمة المتابعة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية في الرياض التي تعد مراجعة وتقييما لمخرجات القمة الماضية التي أقيمت في العاصمة السعودية في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي.

أعمال ومخرجات هذه القمة لا تختلف كثيرا عن سابقتها، فكلاهما يبحث فيما يقوم به جيش الاحتلال من عملية إبادة جماعية ممنهجة في غزة ويضاف إليها هذا العام التدمير والتخريب وسلسلة الاغتيالات في لبنان، كما تمت مناقشة تداعيات ذلك على أمن واستقرار المنطقة وأدانت القمة اعتداء إسرائيل على سيادة إيران. القمتان الهدف منهما إيقاف الحرب والحشد لاستصدار قرار من مجلس الأمن بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان وإدخال المساعدات إلى غزة وحظر إرسال السلاح إلى إسرائيل، وكذلك إيصال رسالة إلى المجتمع الدولي والدول الكبرى بأن استقرار المنطقة وأمنها مرهونان بالحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية والوصول إلى حل الدولتين الذي يمنح الفلسطينيين الأمل في وطن حر مستقل يعيشون فيه بكرامة من دون خوف من تهجير أو عدوان أو حصار.

لم تُدعَ حركة حماس للقمة، رغم أنها جزء لا يتجزأ من النسيج الفلسطيني. غياب حماس في أي مفاوضات لن يقلل من حضورها في الواقع الفلسطيني لأنها تمثل المقاومة في العقلية الفلسطينية، بعد أن تخلت السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس عن اختيار المقاومة، واعتادت تحمل صلف الإدارات الإسرائيلية المتعاقبة وتطرف المستوطنين وتهجمهم على الفلسطينيين في الضفة الغربية ومحاولتهم المستمرة في الاستيلاء على منازلهم وأرضهم.

يحمّل بعض القادة العرب حماس الذنب فيما حدث ويحدث في غزة، ويعتقدون أنه لو لم يقع طوفان الأقصى لكانت غزة في حال أفضل. إذ كانت تعاني حصارا فأصبحت تعاني الموت، والدمار، وحرب الإبادة والتجويع. لكن هل كان لدى سكان غزة أمل في فك الحصار عنهم والحصول على أبسط حقوقهم الإنسانية في الحياة في وطن آمن ومستقر؟ الإجابة: لا.

إذا كانت تكلفة المقاومة باهظة فتكلفة الاستسلام أيضا ثقيلة والشعب الفلسطيني يعيشها منذ اتفاقية أوسلو التي مضت عليها عقود وأصبحت مجرد حبر على ورق، حينها ظن الفلسطينيون أنها ستكون خاتمة لمعاناتهم وبداية لمرحلة جديدة يودعون فيها كوابيس النكبة ويخططون لحياة مستقرة يعود فيها الغائب.

لكن هذا الأمل لم يتحقق، بل حدث العكس، إسرائيل لم تشبع بما التهمته من أرض فلسطين، بل تطمع في القليل الذي في يد الفلسطينيين وتعلن عن ذلك بكل صفاقة.

(2) هل يمكن وقف أطماع إسرائيل بالحوار؟

البيان الختامي للقمة العربية الإسلامية أكد على سيادة دولة فلسطين الكاملة على القدس الشرقية المحتلة، فهي عاصمة فلسطين الأبدية، وفي نفس توقيت انعقاد هذه القمة، تحدث وزير المالية الإسرائيلي المتطرف سموتريتش، عن إصداره تعليمات للتجهيز لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة خلال العام المقبل، وأعرب عن أمله أن يدعم الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب هذا التحرك.

كما كشفت مصادر سياسية في تل أبيب عن أن حكومة نتنياهو، تُعِدّ خطة لإجهاض حل الدولتين بفرض السيادة الإسرائيلية على أجزاء واسعة من الضفة الغربية وقطاع غزة وتعزيز الاستيطان اليهودي فيهما، وزيادة عدد المستوطنين إلى مليون يهودي، وعرض الأمر على الرئيس ترامب على أساس تصريحاته السابقة التي قال فيها “إن مساحة إسرائيل صغيرة جدًّا، ويجب توسيعها”، والصفقة ستكون موافقة ترامب على توسيع الاستيطان مقابل وقف إطلاق النار، وبهذا يكون الرئيس ترامب قد أوفى بوعده الانتخابي بوقف الحرب وأهدى إسرائيل كنزا.

فهل يمكن تصور أن بيانات الشجب والإدانة كافية لردع إسرائيل؟ وهل يمكن تخيل أنه من الممكن الضغط على إسرائيل دون المقاومة العسكرية مهما كان الثمن باهظًا؟ معظم الشعوب العربية كانت تتمنى أن تؤيد القمة العربية الإسلامية حق المقاومة الفلسطينية المشروعة في مواجهة جيش الاحتلال، وكانت ترجو أن يعلن القادة دعمهم للمقاومة والتأكيد على أنها السبيل الوحيد لتحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة بسبب الغطرسة الإسرائيلية.

(3) في انتظار سيد البيت الأبيض الجديد

أتخيل ولع ترامب بالاستعراض، فهو من الشخصيات النرجسية التي تعشق الظهور والأضواء وتشتهي الانفراد بالعرض “ون مان شو”، وهو الآن يشعر أكثر من أي وقت مضى باستحقاقه لذلك بسبب فوزه الكاسح في الانتخابات. وأعتقد أنه يستمتع الآن بفكرة أن العالم ينتظر بلهفة اعتلاءه المسرح الدولي، لمعرفة أول قراراته كزعيم لكوكب الأرض، فهو ليس فقط زعيم الكوكب، بل إنه يجد أن هذا العالم صنعه الله لخدمة شعار “أمريكا أولا”.

ترامب لا يؤمن ولا يعترف إلا بالقوة والصفقات التي يخرج منها بمكاسب، وهو يريد أن يستعيد ما فقدته بلاده فترة حكم بايدن “النعسان” على حد وصفه، ولديه أفكار مسبقة عن كيفية إدارة وابتزاز العالم لصالح أمريكا ورفاهية شعبها بغض النظر عما يمكن أن يسببه ذلك من أزمات وصعوبات، وسيتعامل بنفس العقلية مع الحرب في غزة. لن يقف طويلا أمام الحق والعدل والمساواة، ولن يستمع إلى صراخ أهل غزة وألمهم المتزايد مع التهجير القسري الذي ينتهك القانون الدولي، وسيغمض عينيه عن مشاهد الجثث الملقاة في غزة تحت تلال الركام وعن دموع أطفال غزة اليتامى وأحزان الأمهات الثكالى والرجال الذين فقدوا عائلاتهم كلها، ولن يطرف له جفن لمشاهد الدمار في لبنان.

اختيار ترامب للنائبة الجمهورية إليز ستيفانيك لتكون مندوبة أمريكا في الأمم المتحدة، خير دليل على موقفه المتوقع من حرب غزة، فإليز معروفة بدعمها غير المشروط لإسرائيل وعدائها للسلطة الفلسطينية التي اتهمتها بتقديم الدعم المالي للإرهابيين الذين يقتلون الإسرائيليين!!

يبدأ حكم ترامب رسميا بعد تنصيبه في 20 يناير/كانون الثاني القادم، والموعد ليس ببعيد، ولا أنتظر من حاكم البيت الأبيض إنصافا للشعب الفلسطيني، وستؤكد الأيام أن المقاومة المشروعة من جانب الشعب الفلسطيني هي الطريق الوحيد لسلام دائم وعادل في الشرق الأوسط، لأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، والعرب لديهم القوة، ولكن حتى هذه اللحظة لم يُجمعوا على استخدامها لحل القضية الفلسطينية حلا دائما وعادلا.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان