الشرق الأوسط والأسئلة الحائرة بعد عودة ترامب!
بعد الفوز الكبير للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالانتخابات، لم تتوقف الأسئلة عما يمكن أن تؤول إليه الأمور بعد عودته إلى الرئاسة وتأثيراتها، التي شغلت الكثيرين بحثًا واستقراءً.
محاولات الاستقراء بعد فوز ترامب
تعددت الأسئلة حول تأثير عودة ترامب على أصعدة مختلفة؛ خارجيا وداخليا. فعلى مستوى السياسة الخارجية وما يتعلق بها، حاول كثيرون استقراء المشهد وتوجهات ترامب اتجاه الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط، والعلاقات مع الصين، وغير ذلك من القضايا العالمية الساخنة في النطاقات المختلفة، المتقاطعة مع المصالح الأمريكية.
وعلى مستوى السياسة الداخلية الأمريكية، طُرحت الأسئلةُ حول تنفيذ ترامب وعوده للناخب الأمريكي، الذي تمثل الأوضاع الداخلية اهتمامه الأول والرئيسي، ومنها مسألة الهجرة، والنهوض بالاقتصاد، وقد كانت تلك الأوضاع أحد الروافع الأساسية لفوز ترامب بالانتخابات، في ظل تنامي السخط الشعبي على المؤسسات والنخب الأمريكية، مع الأزمات الاقتصادية التي واجهتها الولايات المتحدة منذ الأزمة المالية الأمريكية عام 2008، والركود الاقتصادي الذي أثر في المواطن الأمريكي، خاصة الطبقات العاملة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsسقوط “زعيم الشبيحة”.. هل من متعظ؟
ثورة سوريا… بين هروب الأسد وظهور الضباع
الثورة السورية من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر
وهنا في هذه السطور، نحن لسنا في معرض تناول تفصيلات ما يتعلق بالسؤال عن تأثيرات عودة ترامب في الداخل الأمريكي، ولكن من الجدير بالذكر، أن إعادة انتخاب ترامب -بحسب مراقبين- مثلت ما يشبه ثورة على المؤسسة السياسية التقليدية والنخب الأمريكية المهيمنة في واشنطن، وهو ما يوصف بأنه يُعد تحولا تاريخيا في مسار السياسة الأمريكية.
كما أن هذا الفوز الكبير الذي حققه ترامب، وجمع فيه بين “التصويتين الشعبي والمجمع الانتخابي”، وهيمنته على مجلسي الشيوخ والنواب، كل ذلك لا شك سيقوي توجهاته في اتخاذ القرار على صعيد السياسية الخارجية، وعلى الأخص فيما يتعلق بالشرق الأوسط، والقضية الفلسطينية ودعم إسرائيل في توجهاتها التوسعية، وهو ما يتخوف منه كثيرون في ظل سجل فترة الرئاسة السابقة لترامب، وتصريحاته الانتخابية، التي جاءت محملة بأيديولوجية واضحة داعمة على طول الخط لمخططات الاحتلال الإسرائيلي، الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية، والتوسع بلا حدود على حساب دول المنطقة.
أسئلة مآلات عودة ترامب وتأثيرها في الشرق الأوسط
وقد تعددت الأسئلة حول تأثير عودة ترامب في قضايا الشرق الأوسط، ومآلاتها على القضية الفلسطينية، والعدوان الإسرائيلي المستمر على غزة والضفة ولبنان، واتساع هذا العدوان ليصل إلى سوريا والعراق واليمن وإيران.
أسئلة كثيرة صاحبت انتخاب ترامب، منها:
هل تكون ولاية ترامب الثانية استمرارا للأولى فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط؟ وفي هذا الصدد، هناك من يرى أنه لن يحدث تغيير جوهري في القضايا الكبرى التي من بينها قضايا المنطقة، ولكن يبقى هذا السؤال سؤالا مفتوحا، كما أنه يقود إلى أسئلة أخرى أكثر تفصيلا.
هل ينهي ترامب الحرب على غزة ولبنان؟
وهذا السؤال يقودنا إلى ما تعهد به للجالية العربية والمسلمة من إنهاء الحرب على غزة، وإحلال السلام في المنطقة، لكن ذلك يبدو متناقضا مع تعهده الذي لا شك فيه بدعم أمن إسرائيل.
ووجهة نظرنا أن تصريحات ترامب بحثّ نتنياهو على إنهاء الحرب إنما يقصد بها أن تنتهي الحرب لمصلحة إسرائيل!
وهنا لابد من التفريق بين الوعود الانتخابية الدعائية وبين الواقع الذي سيتطلب من ترامب تسديد العديد من الفواتير لداعميه من الصهاينة ومن الصهاينة المسيحيين، وليست وعود “جو بايدن” من المشهد قبل سنوات ببعيد؟!
وماذا ينتظر الضفة الغربية بعد فوز ترامب؟
وهل تتمكن حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية بعد تولي ترامب الرئاسة من تحقيق أهدافها، وتتخذ خطوات أوسع وأسرع لضم الضفة الغربية؟
يريد نتنياهو وحكومته المتطرفة قضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، وتحقيق صفقة ترامب، دون اكتراث لما أشير إليه من إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح وبلا سيادة على 70% من أراضي الضفة، رغم أنها لا يمكن أن تمثل دولة على الإطلاق، بل مجرد تجمعات سكانية متقطعة الأوصال، وغير متواصلة جغرافيا، ولا رابط بينها سوى اسم مهموم لدولة!
وهنا لا بد من استحضار قرارات ترامب الداعمة لإسرائيل خلال ولايته الأولى بين عامي 2017 و2021، حيث اعترف بضم إسرائيل للجولان السوري المحتل وسيادتها عليه، واعترف بالقدس المحتلة “عاصمة أبدية” لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إليها، في 14 من مايو/أيار 2018.
يرى البعض أن هدايا ترامب لإسرائيل في الجولان السوري المحتل والقدس المحتلة خلال ولايته السابقة، كانت في إطار سعيه لكسب تأييد المتحمسين لقيام “إسرائيل الكبرى” أملا في ولاية ثانية. ولكن اليوم عاد ترامب للرئاسة وهو متحرر من ثقل التزامات يفرضها سعيه لرئاسة أخرى، كما أنه مدعوم بفوز كبير غير مسبوق يجعله غير مجبر على دعم إسرائيل في تطلعاتها التوسعية التي تفجر المنطقة، هكذا يأمل البعض ويتمنون؟!
وماذا ينتظر إيران بعد عودة ترامب؟
هنا لا بد أن نقف عند ما أشار إليه ترامب خلال حملته الانتخابية، وإن لم يقدم عليه دليلا، وهو أن طهران متورطة في محاولات اغتيال حديثة استهدفته، وتعهد بتحويل إيران إلى “أشلاء”، بحسب تعبيره.
وعلى جانب آخر، فقد أكد ترامب في أكتوبر/تشرين الأول 2024 أنه “على إسرائيل ضرب المنشآت النووية في إيران”، ردا على هجومها على إسرائيل في الأول من الشهر نفسه.
فهل سيعيد ترامب سياسة “الضغط الأقصى” على إيران بعد دخول البيت الأبيض.
وفي ظل اختلاف الظروف ومعادلات المنطقة بين فترة ولايته الأولى والثانية، إلى أي مدى يمكن أن يصل هذا الضغط؟
وماذا عن الشرق الأوسط الجديد الذي يريده نتنياهو وتصريحاته عن أن إسرائيل تقوم بتغيير وجه الشرق الأوسط حسب زعمه وتوهمه؟
ختاما
أصداء عودة ترامب إلى الرئاسة طرحت أسئلة عديدة، تنطلق جميعها من تصور أن المنطقة رهن للإرادة الأمريكية، وتوجهات الساكن الجديد للبيت الأبيض.
وإنه مما يدعو إلى الأسى والمرارة ألا تملك دول المنطقة من أمرها شيئا في مواجهة ما يُراد لها، وتلك نقطة تستحق الوقوف عندها كثيرا للتأمل!
ويبقى السؤال المهم، هو: أين الموقف العربي والإسلامي الواضح من كل هذه الأسئلة الحائرة وإجاباتها الكثيرة الدلالات، وأوضحها بجلاء هو أن المنطقة فعليا تخضع لإعادة تدوير للاستعمار، في ظل مشهد عربي مترهل، وغياب أي دراسة لما يحاك للمنطقة في العلانية وليس في الخفاء، فضلا عن غياب أي رد مخطط ومدروس لمواجهة ذلك؟!